لم تُعرف عوشة بنت خليفة السويدي باسمها الحقيقي بقدر ما عُرفت باسمها المستعار، وهي من بيت أصل، ولم تُشتهر باسم العائلة، وهي من عائلة كريمة، بقدر ما اشتُهرت من خلال شعرها، واشتهرت ليس لمجرد كونها شاعرة، بل عندما حصلت المجاراة الشعرية بينها وصاحب السمو الشيخ الشاعر محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدّولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، وتواصلها مع صاحب السمو الشيخ محمد أعطاها بعداً إقليمياً، فلم تنحصر في منطقة الخليج، ما جعلها مرتبطة بالوطن العربي، لا سيما بعد إهدائه ديوانه لها ذاكراً «فتاة العرب»، وهي بلا شك، نادرة من النوادر، لأننا من خلال تجربتنا، نعرف أن صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد، لا يجاري في الشعر أو المحادثة أو في أي مجال من المجالات، إلا حالات الرقي، ولاحظ هذا الرقيّ في فكر الشاعرة عوشة.
وصاحب السمو الشيخ محمد بن راشد كشاعر، عرفناه، منذ البداية، يظهر بصورته البدوية أكثر في شعره، ووجد هذه الصورة في شعر «فتاة العرب»، خصوصاً، تلك التي جارى بها الشاعرة، وفي قصيدة المجاراة تلك، نجد تشابهاً لدى الشاعرين من حيث استخدام الكلمات البدوية التي لا يفهمها الكثير من الشعراء، حتى المعروف منهم الآن، وفي الوقت ذاته، سموّ الفكر، السمو الذي نجده في كيفية تناول القضايا سواء الغزلية أو الاجتماعية أو غيرها، حيث يتناولها كل من صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد والشاعرة عوشة السويدي، بأدب ووقار دون إسراف في الكلمات، ودون النزول عن المستوى الراقي، وكلٌّ منهما يعرف من يجاري، ومن يحاكي، ولذلك نجد أن ثيمة الغزل حالة من الالتزام بالجماليات الروحية والإنسانية، وهذه الثيمة الفنية جعلت الحالة تطور فضاءها البعيد والعميق والحضاري.
وفي الوقت ذاته، جارت «فتاة العرب» شعراء آخرين، ونعتبرهم من الشعراء المميزين، مثل راشد الخلاوي، وابن عمير. وطبعاً، لم تكن بينها وبين المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه، قصائد كثيرة، بل ربما أبيات أو قصيدة أو قصيدتين، لكننا، نلمس في تلك الأبيات القليلة، تقدير المغفور له الشيخ زايد لـ «فتاة العرب»، وبالعكس أيضاً، تقدير «فتاة العرب» للمغفور له الشيخ زايد. والشيخ زايد حتى ولو عبّر ببيت واحد فهو بألف بيت، كما قال ابن دريد «الناس ألف منهم كواحد، وواحد كالألف إنْ أمر عنى».
بشكل عام، نستطيع أن نصنف الشاعرة «فتاة العرب» من المكثرين من الشعراء، غزارة إنتاج وجماليات فنية متفردة، والدليل، أنها بدأت نظم الشعر مبكراً، وهي في عمر الثانية عشرة، واستمرت في كتابة الشعر طوال حياتها التي عاشتها (98) عاماً، أي إلى ما قبل وفاتها، لأنها اختتمت حياتها وشعرها بقصيدة «الغفران»، وهذا دليل على استمرارها. وفي مرحلتها الأخيرة، لم تكتب المجاراة الغزلية وغيرها، بل اختارت لنفسها الفضاء الصوفي، وعادة ما يلجأ الشعراء في خواتمهم، إلى الشعر الصوفي الروحي، وهي اليوم، لها حضورها، رغم وفاتها، فهي موجودة بيننا، في أي مركز ثقافي، أو نادٍ أدبي. وكلما ذكر اسم الماجدي بن ظاهر، أو حمد بو شهاب، لا بد أن تُذكر «فتاة العرب»، لأنها شاعرة مؤسسة، لها أكثر من (150) قصيدة مقروءة ومسموعة ومغناة، إضافة إلى بعض القصائد التي لم توثّق أو تلك التي فقدتْ. «فتاة العرب» اختتمت حياتها وشعرها بإشعاع روحي صوفي، بقصيدة «الغفران».