دينا محمود (لندن)
قال معالي الدكتور أنور بن محمد قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية، إن العناصر الرئيسة لأي نقاشات تستهدف التوصل لاتفاق جديد بشأن البرنامج النووي الإيراني، ينبغي أن تتمثل في وقف طهران محاولاتها لامتلاك أسلحة نووية، وإنهائها برامجها لتطوير ونشر الصواريخ، وتوقفها كذلك عن تقديم الدعم للجماعات المسلحة التي تتحرك بالوكالة عنها في منطقة الشرق الأوسط.
جاء ذلك في مقال لمعاليه نشرته صحيفة «فاينانشال تايمز» البريطانية، تحت عنوان «كيف يمكن تقليص التوترات في الخليج مع إيران»، استهله بالترحيب بالبيان المشترك الذي أصدره قادة المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا، الاثنين الماضي، بشأن الهجمات التي استهدفت منشأتي نفط «أرامكو» في بقيق وخريص بالمملكة العربية السعودية 14 سبتمبر، وهو البيان الذي حمّل إيران المسؤولية عن تلك الاعتداءات، وطالب فيه القادة الأوروبيون بإجراء محادثات جديدة شاملة بشأن برنامج الأسلحة النووية الإيرانية، وغير ذلك من الأنشطة المُزعزعة للاستقرار في مختلف أنحاء الشرق الأوسط، بما في ذلك دعم طهران لوكلائها وعملائها الذين يمارسون العنف».
واعتبر قرقاش أن البيان الذي أصدره رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل بمثابة خطوة «مُرحب بها للغاية»، فيما يتعلق بالوضع في الخليج تساعد على تهدئة التوترات، وتفتح طريقاً جديداً أمام الدبلوماسية.
وأكد أن عمليات الاستيلاء على سفن أوروبية وتخريبها، وكذلك شن هجمات تستهدف إمدادات الطاقة العالمية، ووجود إمكانية لحدوث تصعيد بوتيرة متسارعة، آثار المخاوف الأوروبية، وحفزّ دول القارة على القيام بعمل جماعي».
وأبرز المقال ما ورد في البيان الأوروبي المشترك من أن إيران تتحمل مسؤولية هذا الهجوم الذي ضرب منشأتي النفط، وأن ما من تفسير معقول آخر لذلك. كما سلّط الضوء على ما أكده قادة بريطانيا وفرنسا وألمانيا من أن الوقت قد حان كي تقبل إيران إطاراً تفاوضياً طويل الأمد بشأن برنامجها النووي، وكذلك حول القضايا المتعلقة بالأمن الإقليمي، بما يشمل برامجها الصاروخية. وأعرب عن ترحيب الإمارات بهذه المبادرة، قائلاً «إن وضع إيران موضع المحاسبة، سيجعل بوسع هذه الدول الأوروبية الثلاث التي يمكن أن يطلق عليها اسم«إي 3»، الحيلولة من دون وقوع هجمات مستقبلية.
وأشار قرقاش إلى أنه يمكن عبر إبداء التصميم المشترك، أن تظهر دول الخليج والولايات المتحدة وغيرها من الدول، أن هناك فرصة للدبلوماسية. وأكد أن النتيجة الفورية والمباشرة للنهج الدبلوماسي الذي اتبعته لندن وباريس وبرلين من خلال إصدارها هذا البيان المشترك، تتمثل في إمكانية تقليص فرص حدوث سوء فهم، أو خطوات خرقاء غير محسوبة، أو أعمال انتقامية من جانب الأطراف كافة. وأضاف أن هذا النهج يمكن أن يساعد أيضاً على إقناع إيران بأن الإقدام على أي أعمال عدائية في المستقبل، يمكن أن يأتي بنتائج عكسية، ولن يؤدي سوى إلى إطالة أمد عزلتها.
وشدد قرقاش على أن بوسع دول «إي 3» المساعدة على تبديد ذلك الانطباع الخاطئ، الذي يقوم على أن الخيار الوحيد للتعامل مع إيران ينحصر بين الحرب أو ذلك الاتفاق النووي المفعم بحسن النوايا والمعيب في الوقت نفسه، والذي يحمل اسم «خطة العمل الشاملة المشتركة».
وأشار إلى أن الثبات على المواقف الحالية، سيُمَكِّن الدول الأوروبية الثلاث من فتح قناة اتصال جديدة وترسيخ قدر أكبر من الثقة. فبمقدور هذه الدول مساعدة طهران على أن تدرك أن لدول الخليج توقعات قابلة لأن تُلبى، إذ إننا نريد أن تكون إيران جاراً طبيعياً لا أكثر. وأضاف أن التحرك باتجاه إقامة علاقات مثمرة مع إيران، يتطلب معالجة سلوكها المثير للقلق والمُزعزع للاستقرار، قائلاً «إنه يتوجب على إيران أن توقف نهائياً سعيها لتطوير أسلحة نووية، وأن تكف عن تطوير ونشر الصواريخ الباليستية وغيرها من الصواريخ، وأن تنهي دعمها للجماعات العنيفة التي تتحرك بالوكالة، وأن تحترم سيادة باقي الدول».
وقال قرقاش: «إن النقاط السابقة تشكل بالنسبة لنا عناصر جوهرية لأي نقاشات تستهدف التوصل إلى اتفاق جديد ومُعزز»، مؤكداً أن «مثل هذه النقاشات ينبغي أن تتجاوز الاتفاق النووي الحالي، وأن تشمل دول الخليج التي يوجد لديها الكثير على المحك» في هذا الشأن. وأضاف: «إننا نؤمن بأن هناك فرصة سانحة أمام إيران للتوصل إلى تفاهم جديد مع جيرانها والعالم»، مشيراً إلى أنه يتعين على طهران أن ترى أن مثل هذا الاتفاق الجديد، قد يوفر لها المجال والثقة والموارد، لكي تعيد تركيز اهتمامها على شعبها، بدلاً من وكلائها في الخارج. وأضاف أن اتفاقاً من هذا القبيل سيمثل بطاقة لإعادة دخول نظام التجارة العالمي، وإقامة الرفاهية وتوسيع نطاق الفرص، مؤكداً أن ذلك الاتفاق سيكون كذلك بمثابة برنامج عمل لنظام إقليمي جديد ومشترك وأكثر استقراراً.
وشدد قرقاش على أن مثل هذا الاستقرار شكلّ على الدوام هدفاً مركزياً للسياسة الخارجية لدولة الإمارات العربية المتحدة، قائلاً إنه «من أجل تشجيع ظهور إيران الطبيعية هذه، انخرطنا عبر التاريخ مع إيران في التبادلات التجارية والتعاملات والزيارات، وفي إدارة الأمور المتصلة بالحقوق في مجالات الطاقة والملاحة الجوية والبحرية في المنطقة. ورأينا دائماً فرصاً هائلة في هذه العلاقات، وآمنّا بأنه ما من دولة ستستفيد من ذلك أكثر من إيران نفسها». وأكد أن الإمارات تحاشت. في كل المرات. الانخراط في صراع مع إيران. وستواصل اتخاذ كل التدابير لتقليص التوترات وفرص اندلاع الأعمال العدائية.
غير أن قرقاش استطرد بالقول في الوقت نفسه: «إننا مستعدون للتحرك دفاعاً عن النفس عند الضرورة، ولكن دائماً بشكل متناسب ومتروٍ وبضبطٍ للنفس كذلك»، مشيراً إلى أن «الإمارات تنشد طريقاً عملياً ودبلوماسياً لخفض التوترات، وخلق فرصة لإجراء محادثات ذات مغزى». واختتم وزير الدولة للشؤون الخارجية مقاله بالقول: هدفنا هو إنهاء الأزمة المستمرة المتعلقة بإيران في الخليج. وأضاف أنه بوسع الإمارات العربية المتحدة وإيران وغيرهما من الدول، أن تتشارك في الوجود في منطقة الخليج كجيران طبيعيين، إن لم يكن كأفضل الأصدقاء، وختم قائلاً «إنه مع أن هناك طريقاً طويلاً أمامنا، فإن المشاركة الأوروبية عبر البيان المشترك الأخير تمثل خطوة في الاتجاه الصحيح، جاءت في وقتها وتحظى بالترحيب».