عبدالله صالح: الألعاب الشعبية صوت الزمن الجميل

“أنتمي إلى جيل ما زال في ذاكرته شيء من زمن طفولته الأولى المبكرة المرتبطة بالحياة في الإمارات على ما كانت عليه وبما تميزت به عن غيرها، بكل ما فيها من طيبة وبراءة وحضور لإنسانية الإنسان في علاقاته بمن يحيطون به. وهذه الأمور في حياتنا بكل ما فيها من توادّ وتراحم، كانت تبلغ أسمى تجلياتها في الشهر الفضيل، حيث الناس في “الفريج” الواحد أكثر قرباً إلى بعضهم البعض، كما لو أنهم أسرة واحدة بالفعل”. هذا ما يبدأ به الفنان والكاتب المسرحي والممثل عبد الله صالح، حديثه لـ”الاتحاد” عن ذكرياته مع شهر رمضان الفضيل. ويضيف: “لعل الألعاب الشعبية التي كنّا نمارسها أطفالاً هي التي تشدّنا إلى ذلك الماضي، كنّا نمارسها بشغف ليس في ظلّ عدم وجود أي ألعاب إلكترونية أو شيء من هذا القبيل كما هي الحال اليوم، بل لأنها بالفعل تستحق الممارسة، هي التي يغيب عن بالي الآن بعض أسمائها لكن الأماكن التي لعبنا فيها تلك الألعاب لا تزال راسخة في ذاكرتي حتى الآن”. ويقول: “كان ذلك في منطقة من رأس الخيمة قبل انتقال العائلة إلى أبوظبي؛ في منطقة تجمع بين الجبل من جهة والشاطئ المطلّ على الخليج العربي من جهة أخرى. هناك كنّا نلعب “الهول” فنحدد مكاناً نلتقي فيه، ثم نُجري قرعة بيننا فيُطلب من شخص البحث عنا بعد أن يغمض عينيه ثم نختفي من نقطة البداية في رحلة اختباء نقوم بها في الجبل للعودة إلى نقطة البداية دون أن يمسك بنا أحد، وكان البعض منا يضيع هناك فلا يعود بعد انتهاء اللعبة فنشرع بالبحث عنه”. قبّ المصطاع يشير الفنان عبد الله صالح، الذي تتجاوز تجاربه الفنية 30 تجربة على مستوى التمثيل المسرحي والتلفزيوني والكتابة المسرحية والغناء وكتابة كلمات الأغاني والتلحين، إلى أن لعبة “قبّ المصطاع” كانت من أجمل الألعاب التي كانوا يمارسونها في تلك الطفولة، حيث ينقسم أطفال “الفريج” إلى قسمين، فيلقي واحد من أحد الفريقين بعصا تنتهي بكرة غالباً ما كانت من الخيش أو من البلاستيك أو الجلد في مراحل أخرى، فإذا تلقفها أحد أعضاء الفريق الآخر وأمسك بها ثم جرى بها نحو نقطة البداية تنطلق باتجاهه عصي أخرى من أيدي أعضاء الفريق الآخر، فإن أصابتك واحدة منها فذلك يعني أنك قد متّ فتخرج من اللعبة”. حتى الفجر يضيف في السياق ذاته: “كنّا نلعب حتى الفجر فنصلّي ونعود إلى بيوتنا، حيث القمر هو الضوء الوحيد الذي نستطيع عبر أشعته تمييز الأشياء من حولنا، بل أتذكر أنه كانت هناك لعبة نسيت اسمها الآن لكنها كانت تعتمد على ظلالنا على رمل الشاطئ التي يُحدثها ضوء القمر، فيلقي شخص بحصىن هكذا كيفما اتفق، فإن سقطت في ظلّه فإنهم يعصبون عينيه، ثم نختفي في السكيك بين بيوت “الفريج”، ونحن نغني: “يوريد بعدنا، يو ريد بعدنا”. بمعنى أننا لم نختبئ بعد إلى أن نقول: يو ريد الحقنا “فإذا أمسك بأحد الأشخاص نعود إلى التجمع ثانية ويكون على الشخص الذي أُُمسك به القيام بالبحث عنّا، فضلاً عن ألعاب كثيرة لكن ذاكرتي لا تستحضر أسماءها”. ويؤكد الفنان عبدالله صالح، الحائز جائزة أفضل ممثل على المستوى الخليجي لمرتين وأفضل ممثل لأربع مرات على مستوى أيام الشارقة المسرحية، أن “الأهالي في رمضان كانوا يُبدون حرصاً أكثر على الذهاب إلى “المطوعة” وحفظ القرآن الكريم وتعلم أداء فريضة الصلاة وكل ما من شأنه أن ينمّي الوازع الديني لدى الطفل”. فرجة مسرحية ثم ينتقل الفنان عبدالله صالح إلى “الأكلات الشعبية من ذلك النوع الذي لا يظهر إلا في رمضان مثل “القيمات” و”الساقو” و”الفرني” وسواها التي سكنت ذاكرتي مرتبطة بالألعاب الشعبية التي كنا نمارسها في رمضان آنذاك”. كما تطرّق إلى “حق الليلة” في منتصف شعبان السابق على رمضان موضحاً الكيفية التي كان يستعد بها أهالي “الفريج” لاستقبال الأطفال فيملؤون أكياسهم بالحلوى والتمر أو يعطونهم نقوداً عوضاً عنها مالئين “الفريج” بصخبهم وغنائهم المصاحب لجولتهم الليلية تلك. ويروي: “كانت الأعراس بالفعل تمثل فرجة مسرحية، انطلاقاً من بدء الاحتفال في بيتي العريس والعروس فتجد أناساً يطبخون وآخرين “يدقّون” حيث كان الفريج يعج بحركة دائبة، وترى امرأة ذاهبة وفي يدها شيء ما وامرأتين تحملان صينيتين من الأكل على رؤوسهن، بما يصنع جوّاً أو طقساً يقوم بالأساس على الحميمة المدهشة بين الناس، تخيّل أن أمي عندما كانت تذهب لتجلب ماء من البئر كانت تضعني في بيت جيراننا، حيث ببساطة شديدة لي الكثير من الأخوة والأخوات في الرضاعة، وهذه ظاهرة منتشرة كثيراً في رأس الخيمة”. حميمة متبادلة يؤكد محدثنا أيضاً أن “طقساً شبيهاً بذلك كان يحدث قبيل الإفطار فتجد الأطفال والنساء يخرجون من بيت إلى بيت بصحون ممتلئة ويغادرونها بصحون ممتلئة أيضاً، وهي حركة “خشبتها” سكيك “الفريج” مثلما أنها تقوم بالأساس على طيبة الناس والحميمة المتبادلة، فيتناول كل شخص في المكان إفطاره حتى لو لم يكن يملك شيئاً، مثله مثل سواه تماماً ودون فوارق أو امتيازات تخص أحداً دون الآخرين”. وإذ يفتقد الفنان عبد الله صالح تلك الأجواء بكل تفاصيلها الإنسانية الآن فإنه يختم حديثه لـ”الاتحاد” بالقول: “لا تتخيل كم أحنّ حقاً إلى تلك البراءة التي كنا نحيا بها في ممارساتنا للكثير من الأشياء وليس في ألعابنا الشعبية تلك وحدها، كما أحنّ إلى أولئك الذين ربّوني وتربيت معهم حتى الذين قد نسيت الكثير من أسمائهم وربما أشكالهم أيضاً، أحنّ إليهم وإلى كل ما يذكرّني بماضيّ الجميل ذاك”.