مانيلا ـ الاتحاد :
عام 2050 سيرتفع عدد سكان العالم إلى تسعة مليارات، فيما يتسبب النزوح الريفي بتراجع المساحات الزراعية، بحيث تعجز موارد الأرض عن إطعام الأفواه الجائعة··· والحل بتكثيف وتنويع زراعات الأرز المعدل وراثيا على غرار الحقول الاختبارية العاملة الآن في الفلبين·
لكن ماذا عن أضرار أرز OGM، وغيره على الصحة البشرية وعلى صحة البيئة وعلى عراقة الخبرات الزراعية التقليدية؟!
إنجازان علميان أساسيان تحققا خلال العام الفائت 2004 الذي أعلنته الأمم المتحدة 'سنة دولية للأرز'·· الأول نجاح كونسورتيوم علمي صيني في رسم الخريطة الوراثية الجينية للأرز من فصيلة 'اوريزا ساتيفا انديكا'·· والثاني في تحديد الحمض النووي للأرز من فصيلة 'اوريزا ساتيفا جابونيكا' على يد كونسورتيوم علمي آخر من ثماني دول وبالتعاون مع شركتين من القطاع الخاص هما 'مونسانتو' الأميركية و'سينغانتا' السويسرية·
وبعيدا عن الكونسورتيومات، شهدت الفلبين خلال العام الفائت ثورة حقيقية في عالم الأرز، وخصوصا في حقول الأرز الاختبارية التابعة للمعهد الدولي لأبحاث الأرز، حيث نجحت زراعات فصائل من الأرز المعدل وراثيا (OGM) في أماكن يشكل نمو الأرز فيها نوعا من المعجزة العلمية·· وهذا الأرز الفلبيني الجديد الذي سمي 'الأرز الذهبي' نسخة من الحبوب المعدلة وراثيا لتكون غنية بالعنصر الغذائي الأساسي 'بيتا - كاروتين'·· والذي أراده مبتكرة الألماني 'انغو بوتريكوس' أن يكون مكافحا فعالا للنقص في الفيتامين (A) الذي تعاني منه الفلبين والعديد من البلدان النامية، والذي يتهدد حوالى المليار شخص من سكانها بأمراض سرطانية إضافة إلى خطر العمى بالدرجة الأولى·
ويجري العمل في الفلبين أيضا على إنتاج نوع آخر من الأرز (سوبر أرز،) الغني بالحديد والزنك والحوامض الأمينية وبالفيتامين (E) بصورة خاصة، وكما قال أحد الخبراء المحليين: السوبر أرز ليس مادة غذائية بقدر ما هو صيدلية متنقلة لعلاج أمراض فقراء هذا العالم!
عدد البشر يرتفع بسرعة كبيرة والنزوح الريفي يتسبب بتقليص المساحات المزروعة·· عدد سكان العالم سيصل إلى تسعة مليارات عام 2050 ولن يكون على الأرض غذاء كاف لإطعام هذه المليارات المتزايد من الأفواه·· وهذا ما يجعل من تقنيات التعديل الوراثي للمنتجات الغذائية الخيار الوحيد المتاح لاستمرار البشرية·
في الستينات، كانت 'الثورة الخضراء' قد أتاحت فرص مواجهة الانفجار السكاني الآسيوي بواسطة إطلاق فصيلة أرز جديدة (I.R8.) الأكثر مقاومة للآفات الزراعية والأكثر إنتاجية غير أن زراعة موسمين أو حتى ثلاثة في السنة الواحدة، إضافة إلى الإفراط في استعمال المبيدات الزراعية، أديا إلى تسميم التربة والى قتل الخصوبة الزراعية فيها· من هنا، وكما يقول الخبراء، فالمطلوب الآن هو ثورة خضراء ثانية لمواجهة هذا التمادي في الارتفاع السكاني، وخصوصا من خلال العمل على تحقيق تعددية وراثية في زراعة الأرز·· وفي إدراج المعهد الدولي لأبحاث الأرز الآن ما لا يقل عن مئة ألف فصيلة OGM من الأرز، خصوصا وانه قد أصبح لدى هذا المعهد من الخبرة ما يكفي للبدء في زراعة هذه الأنواع المعدلة من الأرز خلال خمس سنوات فقط، أي نصف المهلة التقليدية·· وبحيث لا يبقى سوى العائق النفساني المتمثل في أعراض المستهلك - سواء كان فقيرا أو غنيا - عن تناول المنتجات المعدلة وراثيا·· إضافة إلى العائق التجاري المتمثل باستئثار شركات الصناعات الغذائية بالقسم الأكبر من الأرز أو غيره من الزراعات المعدلة·
وكما يقول الخبير الزراعي 'ارنود اباوتكر'، الناشط في منظمة غرينبيس: 'لقد كان الأرز الذهبي خدعة دعائية، لأن الهدف الحقيقي من ورائه لم يكن إطعام جياع العالم بل تعويد الناس على تقبل OGM لدى شركات الصناعات الغذائية'!
في المقابل، يدافع الخبير الغذائي الفرنسي 'آلان غسكيار' عن الأرز الذهبي وغيره من الأغذية الزراعية المعدلة وراثيا، معتبرا أن منتجات OGM هي أكثر تطابقا مع التعددية الغذائية التي ينادي بها علم التغذية الحديث، مستشهدا على ذلك بالصين التي بدأت تسجل تراجعا في استهلاك طبق الأرز الشعبي التاريخي أمام الأرز المتعدد التعديلات الوراثية·
لكن ثمة عائقا آخر يبرز أمام الأرز المعدل، والمتمثل بخوف المزارعين من الوقوع تحت رحمة الشركات التي توزع البذار وشهادات الاستثمار، إضافة إلى عجز البنى التحتية الزراعية القائمة في البلدان الفقيرة عن مواكبة التقنيات الحديثة، الصعبة والمكلفة، التي تتطلبها زراعات الأرز المعدل وراثيا·
هنا تكمن 'شيزوفرينيا الأرز' كما يقول الخبير غسكيار: 'من جهة يجب إنتاج المزيد من الأرز لإطعام المزيد من الجياع، ومن جهة أخرى هناك الخشية من نشوء فائض إنتاجي يؤثر سلبا من الناحية الاقتصادية·· فيتنام وتايلاندا والصين تنتج الآن كميات وافرة جدا من الأرز المعدل، وهي لا تزال في مرحلة تحقيق الاكتفاء الغذائي الذاتي·· إنما، ماذا سيحصل عندما يبدأ إنتاجها غداً بتجاوز حدود هذا الاكتفاء'؟!
يضيف غسكيار: 'لنكن واقعيين، فتأمين الغذاء لكافة سكان العالم عن طريق زراعات OGM لن يكون ممكنا ما لم يترافق مع إعادة توزيع عادل للموارد العالمية·· والثمن الصعب مقابل ذلك سيكون في زوال الخبرات الزراعية التقليدية وفي تراجع التعددية البيولوجية·· وهذا ما يجعل من مسألة الغذاء العالمي مسألة سياسية بالدرجة الأولى'!
أورينت برس