12 فبراير 2009 02:45
كتب الشهيد غسان كنفاني، إضافة إلى رواياته ومسرحياته وقصصه القصيرة،عدداً من القصص القصيرة الموجهة للأطفال، منها قصة تحمل عنوان ''القنديل الصغير''، وهي قصة تتناول مشكلة، بل معضلة أميرة يموت والدها الملك، الملكُ الطيِّب العجوز الذي حكم طوال عُمره بالعدل وأحبَّه كافةُ الناس، ويترك لها وهي وحيدته وصية في جملتين، في الأولى يقول لها ''كي تُصبحي ملكةً يجب أن تحملي الشمس إلى القصر''، والثانية تقول ''إذا لم تستطيعي حَمْل الشمس إلى القصر فإنك ستقضين حياتَكِ في صُندوق خشبي مُغلق عقاباً لك''· فتقع الأميرة في حيرة كبيرة ومحزنة، فكيف تتصرف؟
هذه القصة التي تنتهي باكتشاف أن الشمس المقصودة هي القناديل التي يحملها أبناء المملكة يحولها المخرج المصري المقيم في الإمارات محمد غباشي إلى عمل مسرحي من إنتاج مسرح الشارقة الوطني، وشارك بها في مهرجان الإمارات لمسرح الطفل الذي أقيم في يناير الماضي، وحازت إعجابا كبيرا من الأطفال وأهلهم الذين حضروا العرض، وكان من أقصر العروض وأكثرها تكثيفا·
يدخل الجمهور قاعة العرض فيجد كل مشاهد قنديلا صغيرا على مقعده، القنديل يضاء ببطارية، يحمله الأطفال ويبدأون تشغيله، ثم تنفتح الستارة على بكاء الأميرة (تقوم بدورها الممثلة الطفلة ''فَيء'') لوفاة والدها، ثم تكتشف الوصية التي تركها لها، ويخبرها الحكيم- حاكم القنديل (الممثل- المخرج محمد غباشي) أن عليها خلال فترة وجيزة تحقيق الوصية، وتبدأ جهدها بتسلق الجبل للقبض على الشمس، لكنها تكتشف أن ذلك مستحيل، فتمعن التفكير، وبينما هي تبكي ترى عند بابها ورقة كتب فيها ''لن تستطيعي أن تجدي الشمس في غرفةٍ مغلقة''، فأصدرت بياناً قالت فيه إنَّ أيَ رجلٍ يستطيعُ أن يُساعدها في حَمْلِ الشمس إلى القصر سينالُ مكافأةً من المجوهرات· وحاول الناس مساعدتها دون جدوى بالطبع، وفجأة ظهر رجلٌ عجوزٌ يحاول أن يَدخُل إلى القصر، ولكنَّ الحُرّاس يمنعونه من الدُّخول ويطردونه إلا أنّ العجوز كان عنيداً فطلب من الحراس إبلاغ الأميرة أنه إذا لم يكن بوسع إنسانٍ عجوز أن يدخل إلى قصرها فكيف تطمعُ أن تُدخل الشمس إليه؟
وتنتبه الأميرة إلى العجوز وقنديله وعبارته وتطلب من الحرس إحضاره وإحضار كل من يحمل قنديلا، فيهرع حاملو القناديل بأعداد هائلة ويكتظ بهم باب القصر، فطلبت الأميرة من الخدم أن يهدموا الأسوار العالية، وأن يُوسِّعوا الأبواب كي يتيسَّرَ للجميع الدخول إلى باحة القصر، فترى في المشهد ما يشبه الشمس، وتقتنع أن هذا ما أراده والدها، وبذلك يجري تنصيبها ملكة·
العرض توفرت له عناصر فنية موفقة جعلته مهضوما وناجحا إلى حد كبير، فقد نجح المخرج منذ بداية العمل في تلخيص حزن الأميرة وحيرتها أمام موت والدها ووصيته، وجمع فريق عمل من الممثلين والفنيين استطاعوا تقديم أداء مميز، وقد استخدم بعض الكوميديا من خلال مهرجين يقومان بالحركات البهلوانية المسلية لكنهما ينطقان بعبارات ذات دلالات مرتبطة بمشكلة الأميرة، كما تضمنت حواراتهما تركيزا على النحو واللغة والحساب الملائم للأطفال، وقام بالدورين كل من رائد الدالاتي وحمد عبد الرزاق· أما الحارسان (الممثلان عبد الرحمن حمادي وعثمان جوهر) فقدما أداء مقنعا أيضاً·
المخرج بنى عرضه على مشاهد تفصل بينها مؤثرات صوتية وموسيقية من عبد الله شمسان، ومؤثرات ضوئية من عبد الله مسعود، واستخدم ديكورات واكسسوارات قليلة وبسيطة من تصميم سامي عبد الحليم، وكانت أزياء مريم محمد جميلة وتلائم أجواء القصر، كما استخدم مجموعة من الأغاني من تلحين رامي شفيق·
في المشهد الأخير من العرض لجأ المخرج إلى حل مبتكر، حيث اكتشف جمهور الأطفال سبب وجود القناديل بين أيديهم، فحين تطلب الأميرة بحضور حاملي القناديل، يقوم المخرج/ الممثل الحكيم بدعوة الأطفال من قاعة العرض للصعود إلى الخشبة، فيصعد عدد كبير منهم وينتظمون في صفوف تبرز الحضور القوي للقناديل الصغيرة، تعبيراً عن رؤية وحل إخراجي يؤمن بالتنوير، أو كما يقول المخرج ''قد ينير قنديل واحد صغير مساحة ما من الوعي والتنوير، فما بالكم بعدة قناديل مضيئة اجتمعت معا؟''· وفي نهاية العرض كانت الشمسُ قد بدأت تُشرق وتدخل أشعّتُها إلى القصر، وصاحت الأميرة ''شيءٌ عجيبٌ، هذا يحدث لأول مرة''، فيقول الحكيم ''نعم، هذا يحدثُ لأول مرة لأنك هدمت الأسوار والأبواب·· هل نسيت؟ لقد كانت تلك الأسوارُ هي التي تحجُبُ أشعة الشمس وتمنعها من دخول القصر''·
عمل جديد لفرقة مسرح الشارقة الوطني، عمل تنويري تعليمي وتثقيفي نجح المخرج في اختيار، نصه وإعداده بشكل مقنع، وقد أبرز مواهب عدد من الأطفال ممن يمثلون للمرة الأولى·
هذا كله يسمح بالقول بوجود إمكانية دائما لتقديم عروض ذات مستوى معقول، في ظل مشاهدتنا عروضا لا تستحق ما صرف عليها من مال أو جهد، خصوصا أننا أمام مهرجان لمسرح الأطفال الذي يتطلب جهودا أكثر مما يتطلبه العمل في مسرح الكبار، لجهة كونه موجها إلى فئة لا تزال في طور البناء والتكوين، وعلينا أن نحترم عقولهم وأن لا نستخف بذكائهم·