12 يونيو 2011 19:38
“موبايل.. بلاك بيري.. فيس بوك.. ستالايت”، وغيرها، مفردات مستحدثة باتت مستخدمة بشكل أساسي في حياتنا اليومية، ومن الطبيعي أن مخترعي تلك التقنيات لم يتصوروا يوماً لدى ابتكارهم لها، أنها ستشكل تداعيات سيئة على العلاقات الاجتماعية بين البشر في كل مكان، حتى داخل الأسرة الواحدة، وهو ما يتطلب الانتباه لتلك العواقب، لترشيد سبل التواصل مع التقنيات الحديثة، بما يصب في مصلحة المجتمع، بدلاً من أن تكون معولاً لهدم المقدرات، وأداة لسلب الطاقات والأوقات.
في داخل كل بيت نرى الابن غارقاً في محادثة أصدقائه، عابراً البحار والمحطيات عبر الشبكة العنكبوتية، بينما نجد الأم على الهاتف في محادثة مع إحدى جاراتها، أما الأب فمن خلال هاتفه المحمول يتابع أعماله، وأخيراً نجد الابنة متعلقة عيونها بمتابعة القنوات الفضائية وما تبثه من مواد تسلية وترفيه لا تخلو من تسطيح العقل وتغييب الوعي. وفي النهاية نجد أنه لا يجمع أفراد معظم الأسر العربية سوى جدران المنازل.
وسائل ساحرة
حاولت “الاتحاد” التعرض لتلك الظاهرة التي أَلمّت بمجتمعاتنا وتركت آثارها على العلاقات الاجتماعية بين أبناء الأسرة الواحدة، حتى باتت أوهى من خيوط العنكبوت، من خلال آراء عينة من شرائح مختلفة من الأفراد.. حيث يقول محمود العسّال “43 سنة”، مدرس جغرافيا بإحدى مدارس الدولة، إن استخدام الوسائل التكنولوجية في الحياة أصبح أمرا لابد منه في كل المجالات، وأيضاً داخل المنازل، وهو كمدرس يسعى إلى تطوير نفسه باستمرار، فكثيراً ما يدخل إلى الشبكة العنكبوتية ليقرأ عن أماكن معينة في العالم أو ظواهر طبيعية ما، فضلاً عن متابعة أفضل طرق التدريس والتواصل مع الطلبة، وإلى هنا فلا بأس من التعامل مع الإنترنت والبلاك بيري، وغيرها من تلك الأدوات، ومع ذلك لا ينكر العسّال أن الشبكة العنكبوتية بما لها من سحر تستقطع منه يومياً ما لا يقل عن ساعتين، ما بين مطالعة الأخبار وكل جديد، إلى جانب تصفح بعض المواقع التي تتناول جغرافيا العالم.
ولفت العسّال إلى أن الهاتف النقال والبلاك بيري وأيضا التلفاز، وسائل أضعفت كثيراً من العلاقات الاجتماعية بين أعضاء الأسرة الواحدة، نتيجة عوامل الإبهار والإثارة التي تقدمها تلك التقنيات من أجل جذب واستقطاب أكبر عدد من المنتفعين بها، بما يعود بالنفع على الشركات المنتجة لها، بغض النظر عن الآثار السلبية المترتبة على إدمان تلك الوسائل التقنية، وهنا يجب على أفراد الأسرة أنفسهم أن يتنبهوا إليه وينظموا أوقاتهم وطريقة التعامل مع المبتكرات الحديثة، ولذلك فهو دائماً، يحاول مع أبنائه أن يقنعهم بضرورة التواصل مع تلك الوسائل بالشكل الملائم، واختيار ما يناسبهم منها وبالطريقة التي لا تستنفذ كثيراً من أوقاتهم وتؤثر سلباً على تحصيلهم الدراسي وعلاقتهم بعضهم ببعض داخل الأسرة.
ضرورة عصرية
سلوى الكتبي “37 سنة”، وتعمل أيضاً بالتدريس، من جانبها أوضحت أن التعامل مع مستجدات العصر أصبحت ضرورة لا فكاك منها، وعلى الوالدين أن يكونا قدوة في استخدام التقنيات المختلفة من بلاك بيري وانترنت ومحمول وخلافه، بما لا يفتح المجال أمام أبنائهم للتعامل مع تلك الأدوات بشكل سلبي يستهلك أوقاتهم ويضعف العلاقات مع إخوانهم وأبويهم، فتكون تلك الأدوات هي الوسائل الاساسية في اكتساب أفكار واتجاهات لا تتلاءم مع قيمنا وعاداتنا، وستكون هذه نتيجة طبيعية عندما ينشغل الوالدان عن أبنائهما ولا يخصصان وقتا كافيا للحديث معهم، وعن نفسها فهي لا تحاول أن تضيع وقتها كثيراً مع تلك المبتكرات، وإنما تأخذ حاجتها منها، ثم تسارع بالعودة إلى واجباتها الأساسية كمدرسة ومربية لأولادها ومسؤولة عن كل ما يتعلق بأمور الأسرة، ولذلك تلفت إلى أن الحكمة في التعامل مع الهاتف النقال أو الشبكة العنكبوتية، وغيرها من الأدوات الحديثة، قد يخلق وسيلة ترفيه محببة لأفراد الأسرة، وقد ينقلب إلى وسيلة هدم لكل ما يقيمه الوالدان، إذا ما أسيء استخدامها من طرف أفراد الأسرة.
آفاق متسعة
عبدالعزيز علي “21 سنة”، طالب في إحدى الكليات، أكد أنه يعشق استخدام البلاك بيري ويستخدمه في التواصل مع أصدقائه باستمرار، ويرى أنه يستفيد منه في عمل شبكة علاقات اجتماعية واسعة وممتدة عبر العالم، ومن خلالها تتسع آفاقه ومعارفه وخبراته، فضلاً عن أن الاطلاع على أحدث المعارف على الشبكة العنكبوتية يجعله مطلعاً على كل مستجدات العصر وعلى اتصال بكل ما هو جديد في كافة المجالات سواء في مجال العلوم، وحتى الأزياء وموديلات السيارات. وقال إن التواصل والارتباط مع تلك التقنيات يحمل فوائد كثيرة إذا كان في الحدود الآمنة ولا يطغى على أوقات المذاكرة والدراسة، وأيضاً على علاقة الفرد بأسرته، وإن لم ينكر عبدالعزيز أنه يفضل قضاء أوقات كثيرة على الشبكة العنكبوتية، على الخروج والتنزه في الأماكن المعروفة من دور سينما ومراكز تجارية، كون ما تقدمه الشبكة العنكبوتية أكثر تجدداً وإثارة، بما تحمله من أخبار جديدة كل ثانية وأيضاً ما توفره من إبهار عبر ما تقدمه من مواد، مثل تلك الألعاب التي يتشارك فيها أفراد عديدون من بلدان مختلفة في نفس الوقت، والتي قد تجعل من هؤلاء أصدقاء افتراضيين بدلاً من الأصدقاء الحقيقيين في المجتمع، وتقضي أيضاً على فرصة مشاركة الإخوان داخل المنزل نفس الألعاب والهوايات والاهتمامات، مثل ما كان الحال في الماضي. من جانبها قالت سلوى محمود “29 سنة”، وتعمل سكرتيرة في إحدى الشركات، إنها تعتبر البلاك بيري والشبكة العنكبوتية أصدقاء حقيقيين لها، لأنها من خلالهم تستطيع أن تستغل الوقت بشكل مفيد جداً من حيث متابعة أخبار العالم في كل لحظة، خاصة مع التغيرات المتسارعة فيه حالياً، كما أن عملها يتطلب منها الدخول إلى الشبكة العنكبوتية للاستفادة من المعلومات المتاحة عليها في مجال عملها، وهو ما زاد تعلقها بها، وحين تعود إلى المنزل وبعد يوم عمل شاق تجلس إلى شاشات التلفاز لمتابعة بعض المسلسلات العربية أو التركية، والتي تجد فيها متنفساً للخروج من ضغوطات الحياة والعمل.
موضحة أن تلك السلوكيات انتشرت، لأن أفراد الأسرة صار كل منهم له عالمه الخاص سواء مع أصدقاء الدراسة أو العمل، وأصبحت أوقات التجمع قليلة جداً قياساً إلى ما سبق، وتعتقد أن اجتماع الأسر العربية الحقيقي لا يكون إلا في شهر رمضان من كل عام على مائدة الإفطار، فتلك هي الأوقات الوحيدة التي يمكن أن ترى فيها أفراد الأسر مجتمعين ومتواصلين بشكل حقيقي مع بعضهم البعض.
روشتة علاج
من جانبها تقول الأخصائية النفسية مروة عبدالعال، والتي تناولت تأثيرات تقنيات التواصل الحديثة على العلاقات بين أفراد الأسرة، إنه من الطبيعي وجود أضرار تنجم عن سوء التعامل مع التقنيات الحديثة كون توافرها في كل بيت أتاح المجال لوسائل أخرى عديدة لتشكل طبيعة العلاقات بين الأفراد، وهذا من شأنه أن يخلق حالة من عدم التوازن في هذه العلاقات، فتغلب على أفراد الأسرة سمات أكثر استقلالية لأفرادها بعيداً عن كيان الأسرة ما يجعل أفرادها أقل قوَّة حين يواجهون مشكلات خارجية في المجتمع، أو حتى في المعاملات العادية، خاصة للمراهقين والأطفال، الذين كان اعتمادهم في تلقي قيمهم وتوجهاتهم في السابق من داخل أفراد الأسرة، وذلك بالنسبة للأطفال من سن 3 - 5 سنوات، وهي الفترة التي تتكوَّن فيها بذور الضمير والقيم، والممنوع والمرغوب، وهذا ما كان الحال عليه قبل هذا الانتشار الكبير لوسائل التكنولوجيا الحديثة وعدم التعامل معها بشكل ايجابي. وأضافت، قبل انتشار تلك الوسائل كانت العلاقات بين الإخوة أكثر قرباً من بعضهم البعض، وكانوا يشتركون في الألعاب سوياً وكذا التخطيط لكل مراحل حياتهم يكون سوياً، بالتالي يكونوا متشابهين إلى حد كبير، من حيث الأفكار، الطموحات، وحتى المشكلات. لكن مع هذه المستحدثات صار الأخ غير متقيد بما يدور داخل الأسرة، ويصبح لكل منهم تفكيره الخاص، واتجاهاته المغايرة، ويكون لكل منهم طريقة في التفكير بحسب علاقاته الخارجية. وعلى الرغم من وجود كثير من المميزات في هذه التكنولوجيا مثل القدرة على اكتساب خبرات عديدة وأفكار متنوعة غير أن ذلك يلقي بأعباء كثيرة على الآباء من حيث تصديهم لهذه السلوكيات والأفكار الواردة والتي قد تؤثر على أبنائهم بشكل سيئ، ما يتطلب منهم بذل مزيد من الجهد لمتابعة أبنائهم والإشراف عليهم.
كبسة زر
ولفتت عبدالعال إلى أن سهولة التعامل مع تلك التقنيات من خلال كبسة زر بسيطة يتم تلقي الأمر، ثم تنفيذه في أقل من لمح البصر، رسَّخ في وجدان الكثيرين الإحساس بالسرعة ومنح طريقة تفكيرهم في الحياة، فأصبح الأفراد يعمدون على السهولة، وفقدوا القدرة على المثابرة والتعلم عن الطريق المحاولة والخطأ، وأصبح الجميع يريدون أن يفعلون كل شيء بسرعة، وسهولة ودونما بذل مزيد من الجهد. وبما أن تلك الأمور موجودة في حياتنا علينا أن ندرك، أن الأسرة لا تزال بنفس المكانة الكبيرة بالنسبة للفرد وتأثيرها الأقوى والأهم والأعلى، من حيث أنها قادرة على اشباع الاحتياجات النفسية، الاجتماعية، الأساسية “من مأكل، ومشرب، وملبس”. وأيضاً التوجيهات الداخلية بين أفراد الأسرة سواء من الإخوة أو من الأب والأم، تكون أكثر تأثيراً وقوة من الأساليب الخارجية، كون الأخيرة متغيرة زمانياً وبعيدة مكانياً وليست ثابتة. ولذا علينا الإفادة من هذا التأثير القوي للأسرة في بيان القيم الصحيحة وإعلاء قيمة الاتجاهات والأفكار الأفضل والأنسب الواردة والتي توائم ما لدينا من مفاهيم وأفكار، وذلك يتم عبر تفنيد هذه الأفكار ومناقشتها مع الأبناء وتبيين أضرار ما لا يفيد، وكذا مميزات الأفكار الجيدة والبناءة.
المصدر: أبوظبي