عبير زيتون (دبي)
يحتار المرء من أين يبدأ الحديث عن الفنانة التشكيلية الإماراتية فاطمة لوتاه، وهي تفاجئنا مع كل تجربة، ببلاغة فنية جديدة، لا يفصل بين مبتدئها، وجديدها، سوى عصارة تلك الألوان، في رحيلها المتعطش إلى الأبعد في التجريب، والمغامرة، بحثاً عن أفق جديد، ظاهره الشكل، وباطنه حدس رؤيوي، يقوده وعي فني، تدرب طويلاً على مفارقة كل مألوف، وجاهز، بحثاً عن أفق جديد، يوسع ضفاف التفاهم بين الوجود، والموجود، بلغة براءة الجمال، أليس اليقين هو «الحدس»؟! تقول لوتاه.
انطلاقاً من ذلك الحدس الفطري تأتي صياغة لوتاه لمفردات معرضها الجديد الذي يستند في ظاهره على حبكة مراوغة، يحملها العنوان «قطرة لون» وافتتح في حي الفهيدي التاريخي، بينما في باطنه، يقوم على مقامات لونية طرية، وساطعة وتلقائية، في سفرها المتبدل مع فضاء اللوحة، والذي ارتأت له حيلة التبدل، والتغير في الشكل والحجم، وحتى التموضع أيضا، ضمن فضائها العام، وكأن صوتاً في اللوحات يقول لناظرها لنذهب إلى ما نريد لا صراعاً، لا حروباً، لا فقراً، بل نوراً وسلاماً. ولكن لماذا «قطرة لون»؟ تقول لوتاه: فكرة المعرض، جاءت حدسية، تلقائية، يدي هي التي قادتني إلى ما تشاهدينه حاليا، لا فكرة مسبقة، ولا قرار مختزن، ربما هو اللاوعي الفني الذي يسوقني دائما، وهو الذي يختار ألوانه وشكله وتموضعه، دون انحياز مسبق للفكرة، أو للإطار العام، فليست مهمة الفن أن يعظ بحكمة، أو عبرة، بل يكفيني أن ينقل نور الشعور، في عطشه لسلام التواصل بحيوية اللون، ونقائه الطفولي، وجمال حركته وتبدله، والنابع من اختيار حدس الروح، حيث لا تفضيل ولا تمييز. فكل الألوان هي أطفال مشاعر القلب.
ميول لوتاه العفوية تعلن عن نفسها بكل وضوح، وهي تفرش سرديتها البصرية، على أكثر من عشرين لوحة، هي بين التجريد والتشخيص، بالمعنى اللاشكلي، يتدفق منها أطياف، وأشكال بعضها ظلال أنثوية شفافة وحنونة، حريصة لوتاه على إخفاء معالمها التشخيصية، لتحتفظ بوهجها الرمزي الأصلي، الدال على الهوية البصرية، في منبع انبثاقها، وتشكلها، وانتمائها الحسي، والوجداني، في خصوصيته الإماراتية في ملامحها الشكلانية، وإيحاءاتها اللونية.
أما الجديد في معرض لوتاه، فهو تلك التشكيلات اللونية المربعة في تشكلها المتوسط، والخارجة عن مألوف أعمالها، في دلالات تشكلها البصري، وهي تتخذ لنفسها بساطا من رمل الصحراء، تتموضع فوقه، بكل استرخاء، وسلام، توحي لناظرها، بدلالاتها الرمزية إلى «أمومة الأرض» تقول حولها فاطمة لوتاه التي ترفض إعطاءها أي عنوان مسبق، يعين الناظر إليها في رحلة تأمله، وتضيف: «أحب أن تعبر اللوحة عن نفسها بنفسها، دون أن يقيّد تأويلها للناظر، أي أحكام مسبقة سواء بالعنوان، أو بقصة مسار العمل الفني، لأن ذلك يشوش متعة التذوق، والاكتشاف، ويلغي صفة التلذذ في دهشة الغموض». أما هذا الجديد في هذا القسم المستقل، فتقول لوتاه: هو إيحاء لأفق الصحراء، في لغة انفتاحها، على حرية التنقل، والتنزه، بلا حدود، فوق هذه الأرض، مهما كان الشكل دائرة أو مربعاً، المهم هو لغة الطمأنينة في تكامل الوجود، وصفاء المعنى.