3 سبتمبر 2010 22:44
ولدت الأديبة والشاعرة صالحة عبيد غابش في الأحمدي بدولة الكويت، حين كان والدها يعمل هناك في شركة لإنتاج اللحوم، وقد كان يخرج منذ الصباح الباكر ويعود في نهاية النهار، ولذلك كانت والدتها تدير شؤون المنزل بكل تفاصيله وتعتني بالصغار، فقد كانت مثل أي أم تقليدية أهم ما في حياتها أسرتها ورعاية شؤون منزلها، أما تربية الأبناء فكانت مهمة الأب الذي يعلم كل التفاصيل من الأم ويقرر نوع العقاب، ولكن لم يكن هناك أي عقاب جسدي، بل تربية صارمة تغلف بعد ذلك بالحنان.
ما جعل صالحة تسوق هذه الجملة عن التربية الصارمة المغلفة بالحنان، كون والدها يهتم كثيرا بأن يظهر أبناؤه أمام الجميع في أحسن صورة، وقد كان يكوي كل قطعة من ملابسهم بنفسه، حتى تلك الشريطة البيضاء الحريرية التي تعقد مثل فيونكة في شعرها كانت تكوى أيضا، وقد نشأت صالحة مع شقيق واحد هو يعقوب عبيد الحكم الدولي لكرة السلة، وعندما كانا طفلين كانا يخرجان للعب في المنطقة نفسها مع بقية الأطفال، حيث يلعب الجميع سويا، ولا يوجد فرق بين فتيات أو صبية حتى في نوع الألعاب.
كانت المساكن متقاربة وموزعة بطريقة تمكن الأهالي من التواصل اليومي، فهي متقابلة الأبواب، وتلك المساكن في حد ذاتها حارات صغيرة، حتى لو بكي صغير في منزل فإن صوته يسمع في البيوت الأخرى، ولو تألم مريض وكان يئن، فإن الأهالي يعرفون ذلك ويدعون له بالشفاء، وعندما يصلي الأهالي صلاة العصر كانت النساء تخرجن إلى أمام البيوت في جماعات، فيتناولن الشاي والقهوة والحلويات والموالح، فيما يلهو الأطفال أمام أعينهم، ولذلك تعتبر صالحة اليوم أن تلك العادة ما هي إلا حالة رقابة على الأبناء ولكن بشكل غير مباشر.
رحلة التعليم
دخلت صالحة إلى مدرسة أم عمارة وكانت في نفس المنطقة ولكنها كانت قديمة ومتهالكة، وبعد فترة تم نقل الجميع إلى مبنى مدرسي حديث، وكانت المدرسة والمساكن مزودة بالماء والكهرباء، لأن الأحمدي تعد من المدن الخليجية المتطورة في عهد كانت الكثير من الدول الخليجية تعيش في الظلام وتوقد القناديل التي تعمل على الكاز أو الزيت، وكانت الأحمدي مقراً لشركات البترول التي جاءت للتنقيب.
في فترة ما بعد ذلك تم إنهاء خدمات الكثير من الموظفين، ومن بينهم والد صالحة، وكانت قد أنهت الصف الثالث الابتدائي، وعندما عادت الأسرة إلى الامارات لم يكن الكيان الاتحادي قد تشكل بعد، وبعد وصول الأسرة عانت الكثير بسبب تغير البيئة، حيث كل البيوت في الغالب من سعف النخيل وبلا كهرباء ولا ماء، وعندما وجد والدها منزلا مبني من الطوب أكشفت الأسرة أن المنزل ليس فيه خدمات كهربائية ولا مائية مثل بقية البيوت.
بعد فترة من الزمن التقى الوالد بصديق له يملك منزلاً خاصاً به، ومنزل آخراً قام ببنائه من أجل الإيجار، وكان الإيجار مائة وخمسين درهماً، ولم يكن بالمبلغ السهل في ذلك الوقت الذي كان فيه الراتب أقل من ذلك بكثير، وكان ذلك المنزل بمثابة الجوهرة بالنسبة للأسرة، فقد كان مزوداً بالطاقة الكهربائية وبالماء، وقد استقرت الأسرة وتم تسجيل صالحة في مدرسة رابعة العدوية، وفي المدرسة تعرفت إلى الكثير من الفتيات اللاتي أتين مثلها إلى الامارات بعد إنهاء خدمات الموظفين، أو لأنهن رغبن في العودة إلى ديارهن، وتعرفت عليهن من الزي المدرسي الكويتي.
عاشقة الشعر
ربما لم تكن صالحة مدركة دور والدها في السعي لتوفير حياة كريمة لأسرته إلا عندما كبرت، فهي لا تذكر أن منزلهم نقص من شيء، وكانوا في أحسن حال وأفضل مظهر دائما، ولم يعلموا إلا بعد إن كبروا وعلموا أن والدهم بقي شهور كثيرة بدون عمل، ولكنه كان فرحا بأنه يوفر لأسرته كل شيء، وكان يطمح أن يصنع من أبنائه شخصيات محترمة في المجتمع، ولا تزال صالحة تذكر أنه كان يوصلها يوميا على المدرسة سيرا على الأقدام، حتى عندما تم نقل الطالبات إلى مدرسة الشارقة في منطقة الغوير وكانت بعيدة عن المنزل.
كانت صالحة تشعر منذ طفولتها بإنجذاب إلى النصوص الشعرية وكانت تحب ترديد النص الأدبي لعدة مرات، وقد عشقت مادة اللغة العربية والصرف والنحو، منذ السنوات الأولى في مدرسة رابعة العدوية، ولكن لم تكن تعلم لماذا؟ ولم يكن هناك شيء واضح، ولكنَّها تتذكر أن معلمة اللغة العربية كانت ترمقها بنظرة إعجاب، وأيضا من أهم ذكرياتها زيارة الشيخ محمد عمر الداعوق رحمة الله عليه الواعظ بالأوقاف، والذي كان يخصص يوما كل أسبوع ليزور المدرسة، ويقدم فقرة في الإذاعة المدرسية في طابور الصباح، وأكثر ما كان يجذب الطالبات أنه يوزع الحلوى عليهن.
إذاعة المدرسة
درست صالحة عبيد غابش على يد الأستاذة فاطمة المدفع التي أصبحت فيما بعد زوجة الدكتور عبدالله عمران تريم، وعلى يد فتحية الخميري، وكذلك فاطمة مصبح السويدي، ومن ضمن فريق التدريس في تلك المرحلة كانت الشيخة مهرة ماجد القامسي التي أصبحت مديرة مدرسة الزهراء بعد ذلك، ولا تذكر أن أي من المعلمات كن يلجأن للعقاب الجسدي، بل كن يعمدن إلى إنقاص العلامات، وفي ذات الوقت كانت هناك الألفة والطيبة، وتميزت صالحة في تلك المرحلة من الابتدائي إلى الإعدادي بمهارتها في الجمباز، حيث كانت تجيد ذلك منذ أن كانت في الكويت، ومن أشد الذكريات التي عاشتها ألماً وفاة الشيخ خالد بن محمد القاسمي حاكم إمارة الشارقة رحمة الله عليه.
عندما وصلت صالحة إلى المرحلة الثانوية طلب منها والدها أن تختصر الطريق بالتسجيل في معهد المعلمات، لأنه يؤهل مباشرة للوظيفة، وقد كانت مواهب صالحة غابش كشاعرة قد بدأت في الظهور من خلال الإذاعة المدرسية، وكانت هناك مؤشرات جعلتها تعلم أنها في الطريق الصحيح، وعليها أن تكمل في هذا الجانب وتهتم به، وفي تلك المرحلة أيضا ظهرت في الإذاعة المدرسية موضي الشامسي ومريم الرومي، التي أصبحت اليوم وزيرة للشؤون الاجتماعية، وكانتا تجهزان برنامجا إذاعيا متكاملا مشتركا فيما بينهما، وكان من أفضل الفقرات التي تنتظرها الطالبات في الصباح.
القصيدة الأولى
ذات يوم، طلبت المعلمة من صالحة أن تكتب قصيدة، لأن صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي حاكم الشارقة سوف يقوم بزيارة للمدرسة، وكانت المديرة آنذاك الدكتورة نورة عبدالرحمن المدفع، وقد كتبت صالحة القصيدة وألقتها بحضور وزير التربية والتعليم آنذاك الدكتور عبدالله عمران، وبعد أن أنهت القصيدة التفتت إليها مديرة المدرسة، وسألتها أحقا أنت من كتبت القصيدة؟ وكان ذلك السؤال بمثابة توجيه لصالحة نحو الكتابة الشعرية.
تتذكر صالحة أنها كتبت لصديقاتها في المدرسة بناء على طلبهن بعض الأبيات الوجدانية، وذات يوم أرسلت بقصيدة إلى برنامج إذاعي في دبي، وذيلت الرسالة باسمها، وفي يوم كانت تجلس مع أسرتها أمام التلفاز، سمعت المذيعة تقول إن القارئة صالحة غابش قد أرسلت قصيدة وجدانية وتلت القصيدة، وما إن انتهت المذيعة حتى التفت والدها نحوها، وقال لها هل أنت يا صالحة صاحبة القصيدة؟ وكان وجهه يتهلل فرحا، وكان ذلك المفتاح الثاني بالنسبة لها للانطلاق نحو عالم الأدب والشعر، حيث شاركت فيما بعد في مسابقة نظمتها وزارة التربية والتعليم، وفازت بالمركز الأول في مجال الشعر، وبالنسبة للقصة التي شاركت بها ولم تنل نصيبها فوجئت بنشرها في مجلة “الأزمنة العربية”، وكان أحد أصدقاء والدها يقرأ تلك المجلة، وقد حصل والدها على قصاصة من المجلة وأتى بها إليها فرحا، وقد أجرى معها أول لقاء صحفي في مجلة “الأزمنة العربية” فيما بعد.
المعلمة الشاعرة
بعد أن تخرجت صالحة من معهد المعلمات عملت معلمة في مدرسة أشبيلية الإبتدائية، وتعرفت هناك على الأديبة شيخة الناخي التي كانت تدير المدرسة، وكان دخولها كأستاذة قد جعلها في غاية الخجل، فهي لم تكن ضمن مجموعة حين أرسلت كمعلمة، ولكن سرعان ما صنعت لنفسها مكانا في قلوب المعلمات، وحصلت على التشجيع أيضا.
طمحت الأديبة والشاعرة صالحة غابش لإنهاء دراستها الجامعية، ولكن كان ذلك صعبا عليها، حيث تزوجت وأنجبت طفلة بحاجة لرعاية، كما إن الجامعة في العين، ولكن شاء القدر أن يتم افتتاح مراكز انتساب وتوجيه، وهي الفرصة التي كانت تنتظرها صالحة، وتشاركت مع الأديبة والأستاذة شيخة الناخي في التعلم من خلال مراكز الانتساب وفي العمل في مدرسة أشبيلية، وبعد أربع سنوات تخرجت بامتياز.
خلال مرحلة الدراسة الجامعية كانت صالحة تعد ديوانها الأول، وما إن أكتمل حتى أصدرته وهو بعنوان “بانتظار الشمس”، وبعد التخرج انتقلت إلى مدرسة رقية لتكون أستاذة على المرحلتين الإعدادية والثانوية، وقد أخبرتها الأديبة شيخة الناخي أن أندية الفتيات بالشارقة بحاجة لمتطوعات، وعندما ذهبت صالحة إلى مقر النادي تعرفت إلى شيخة الناخي كأديبة وإدارية في الأندية، والتي تعدها أكثر من مبدعة كما تعرفت إلى مديرة النادي في ذلك الوقت عائشة النومان.
من هناك، انطلقت نواة رابطة أديبات الإمارات التي باركتها سمو الشيخة جواهر حرم صاحب السمو حاكم الشارقة، وانطلقت الرابطة ضمن عمل منظم، وبعد أن تأكدت صالحة أنها يجب أن تتفرغ لأدب تركت التعليم بعد خمسة عشر عاما، حيث تم انتدابها من وزارة التربية لتكون ضمن أسرة الرابطة. وقد أصبحت بعد ذلك مديرة لرابطة أديبات الامارات، وتم إصدار نشرة “أشرعة” وكانت بأقلام الأديبات المحليات، وعندما انتقلت الرابطة إلى المبنى الجديد لنادي سيدات الشارقة أصبحت صالحة مديرة للرابطة ولأي نشاط ثقافي، وقد شاركت داخل وخارج الدولة في نشاطات ثقافية وأمسيات ومهرجانات شعرية، سواء بشكل شخصي أو ضمن فريق العمل التابع للنادي.
المصدر: الشارقة