2 سبتمبر 2010 21:59
تعتبر أصناف الحلويات على أنواعها تقليداً أساسياً يتهافت عليها الصائمون. وينشغل المسلمون في بيروت وصيدا وصور وطرابلس وغيرها، وفق دراسة للمؤرخ حسان حلاق، بإعداد الحلويات طوال شهر رمضان، وبخاصة صناعة “المشبك”، وهي حلوى متعددة الألوان، يحرص بعض الأبناء على إهدائها للأهل والأقارب، و”المشبك” هو تعبير اجتماعي وفلسفي، عن تشابك وتوطيد أواصر القربى وعن تعميق صلة الرحم.
يقول صاحب محال حلويات في لبنان، وتحديداً في مدينة طرابلس، إن حصيلة يوم في شهر رمضان المبارك يعادل حصيلة شهر كامل من الأيام العادية، ففي هذا الشهر كل شيء يتضاعف عدده، من عمال المصنع والمحل والسائقين، الذين يقومون بإيصال الطلبات إلى المنازل، حتى أن رواتبهم تتضاعف، لأن ساعات عملهم تزداد.
إقبال كبير
لعل أكثر ما يميز شهر رمضان في لبنان، الانتظام الخاص في مواعيد المجتمع الإسلامي، حيث يتم التهافت على الأسواق في ساعات النهار، بينما يحل الهدوء عند الغروب، فيجتمع الأقارب بضيافة بعضهم بعضاً، عندما ترتفع الأصوات من المآذن بالتكبير، عند حلول صلاة المغرب، ويضرب المدفع طلقة الإفطار، وبالطبع فإن الموائد الرمضانية لها أصول خاصة لا يمكن تجاوزها، فتتزاحم أصناف الحلويات العربية واللبنانية من كلاج وعوامة وزنود الست والشعيبيات والقطايف وحلاوة الجبن؛ فالحلويات تبقى حاضرة منذ بداية شهر الصوم وحتى أيامه الأخيرة، إذ يقبل الصائمون على تناول الحلوى الرمضانية التي تشتهر بها مدن طرابلس وصيدا وصور وبيروت، التي أصبحت جزءاً من تراث لبنان، وأيضاً الحلوى التي تباع في المناسبات الدينية مثل حلوى النصف من شعبان، أو حلاوة النص والجزرية وغيرهما. وأهم أصناف حلاوة الأرز والمدلوقة والمفروكة والعصملية، وتشهد محال بيع الحلويات يومياً خلال شهر الصوم، إقبالاً كثيفاً من قبل اللبنانيين لشراء أصناف الحلوى الرمضانية.
ومن المتعارف عليه في لبنان، أن موائد الإفطار تعتبر منقوصة إن لم تتوافر فيها مختلف أصناف الحلويات، وهي عادة أصبحت ضرورية ومتعارف عليها بين الأهل والأقارب وأبناء الحي الواحد في شهر رمضان، حيث يستطيبون الحلويات خلال شهر الصيام، خصوصاً وأن صناعة “الحلو” هي من أشهر الصناعات التي تمتاز بها طرابلس وصيدا والنبطية، وقد ذاع صيتهم في لبنان والخارج، لاسيما طرابلس التي باتت تسمى بـ”عاصمة الحلويات العربية”.
صناعة متطورة
يقول عدنان الحلاب، صاحب مصنع قصر الحلو، إن طرابلس كانت مشهورة منذ زمن بصناعة قصب السكر (عام 1800)، حيث كانت أراضي المدينة مزروعة بها، لكون أهلها يحبون السكر، ومن هنا نشأ الحلو، الاّ أن صناعته ابتدأت بأنواع قليلة، ولاحقاً أخذت هذه الصناعة تتطور، وهي تعتبر يدوية وحرفية نسبة للفيحاء التي كانت شهيرة بالحلو أكثر من غيرها من المناطق اللبنانية.
وعن الحلويات الرمضانية وميزتها، يفيد بأنه بالإجمال يحتاج جسم الصائم إلى كميات من السكر لتعطيه سعرات حرارية تمكنه وتساعده على الصوم وتحمل صعوبة النهار من دون غذاء، هذه الحاجة ليست بالضرورة أن تكون “حلوى”، إلا أن الصائمين يحبون الحلويات في شهر الخير والبركة، وجرت العادة أن يتناولوا مختلف الأنواع والأصناف منها خلال هذا الشهر، و”السفرة” الرمضانية لا تكتمل من دون وجود صنف من “الحلو” يزين المائدة، كما تتميز هذه الحلويات بأنها لا تصنع كثيراً سوى في رمضان، وعلى هذا الأساس هناك إقبال شديد على شراء هذه الأصناف، حيث أنها لا تؤكل إلاّ خلال شهر معين في السنة.
وعن الحلويات الرمضانية التي تحضّر خصيصاً لشهر رمضان، يقول الحلاب إن الأصناف التي تحضّر في شهر الصيام والتي يطلبها الصائمون اكثر من غيرها، هي الكلاج بالقشطة، وهذا الصنف تشتهر به طرابلس وورد الشام والكربوج بالفستق الحلبي والجوز، والبصمة والجوزية، بالإضافة إلى الحلويات العادية كحلاوة الجبن والمفروكة وزنود الست، وهذه الأصناف موجودة طوال السنة، إلا أنها مرغوبة ومطلوبة وتؤكل أكثر خلال رمضان.
طلبيات خارجية
حول صناعة الحلويات العربية يقول الحلاب إنها لم تعد تقتصر على حرفيين معينين، بعدما طرأ على هذه الصناعة الابتكار والاقتباس والمنافسة بين أصحاب المهن أنفسهم. والحرفة هذه بعدما كانت عائلية تنتقل بالوراثة من الأب إلى الابن فتحت أبواب “الصنعة” خارج إطار العائلة التي تشعبت فروعها، بعد ازدياد الطلب وبسبب الحاجة إلى اليد العاملة، وهذا الأمر جعل من صناعة الحلويات ركيزة أساسية للموائد والمناسبات خصوصاً في شهر رمضان، حيث أصبحت بعض الطلبات من خارج لبنان تتم عبر “الإنترنت” وبواسطة البريد السريع.
أحياء صيدا القديمة بدورها، تعيش أجواء الشهر الكريم، فمحال صنع الحلويات الرمضانية التي تشتهر بها المدينة، ويزداد الإقبال عليها خلال شهر الصوم، تقدم ما لديها من صنوف وأشكال حتى باتت جزءاً من تراث صيدا في هذا الوقت من كل عام. يتنقل حسن الحوجي المشهور بـ”حلو” القطايف بين العمال والمعجن والصاج ليلبي طلبيات الزبائن، حيث يصطف الصائمون لشراء القطايف ذات المنشأ المصري بينما يقوم جاره “الحلوجي” بصب وتصفيف وترتيب أنواع اخرى من الحلوى الرمضانية.
“مرارة الحلو”
أبو نعيم، صاحب محل حلويات “النعيم” ببيروت، يتحدث عن الحلويات الرمضانية في هذا الشهر الفضيل، فيقول “أتمنى أن تكون كل أيام السنة صياماً لأننا أصبحنا نشتغل بشكل موسمي فقط حيث نرى بعض الإقبال على شراء الحلويات ومنها في شهر رمضان الكريم، أما بقية الأيام فنعيشها مع مشاكل الكهرباء وانقطاع المياه وارتفاع أسعار المواد الأولية لصنع الحلويات”.
ويضيف “تشكيلة الحلويات الرمضانية لدينا متنوعة وغنية بالأصناف العديدة، وأسعارنا معقولة، ونحن نصنع حلويات الكرابيج والمدلوقة وحلاوة الجبن وزنود الست والكنافة بالجبن والمفتقة والعوامة والمشبك والمعمول المد”.
وعن أسرار صنع الحلويات، ولماذا اختار هذه المهنة، يجيب بإنه منذ الصغر وحين كان يرافق والده لشراء الحلويات، كان يلفت نظره الحلويات المتنوعة والمرصوصة على الصواني بشكل أفقي وعامودي وبتصاميم مختلفة تثير الانتباه، لذلك تعلقت بـ”الحلو” وبفنونه. وحول مزايا هذا الشهر الفضيل، يقول أبونعيم “نحن ننتظر رمضان الخير والبركة، ونستعد له قبل قدومه، حيث نتزود بالمواد والسلع الخاصة بالحلويات، ونزيد عدد العمال ومعلمي “الصنعة” لتلبية رغبات الزبائن، ونتمنى أن يعم الاستقرار والهدوء لبنان، من أجل استمرارية هذه المهن التي تشهد عوائق كثيرة”.
المصدر: بيروت