السبت 23 نوفمبر 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

خليفة بن عبيد بن دلموك: حياة لرد الجميل

خليفة بن عبيد بن دلموك: حياة لرد الجميل
2 سبتمبر 2010 21:47
لأن أخواله من منطقة السيجي، فقد ولد الدكتور خليفة بن عبيد بن دلموك في تلك المنطقة، حين كانت العادات العربية تنص على أن تقضي الأم عادة فترة النفاس في بيت والديها، ففي فترة الثلاثينيات وما قبلها، كانت معظم القبائل من البدو الرحل أو من رجال الحيور وهم رجال الجبال، وقد كانوا أيضاً دائمي البحث والاستيطان في مناطق تتوافر فيها المياه العذبة، ولكن عندما بلغ خليفة من العمر سبع سنوات، وجد أنه يقيم مع والديه ومع أسرة والده في منطقة تسمى الحويره، ويذكر إلى اليوم أن الشيخ محمد بن حمد الشرقي، رحمة الله عليه، حاكم إمارة الفجيرة في ذلك الحين، كان في طريقه إلى إمارة دبي حين توقف عندهم للراحة قبل مواصلة طريقه. تلك الذكرى تعود به إلى اللحظة التي شعر فيها بحنان ذلك الرجل، فقد كان من عادة العرب أن يمنعوا الأطفال من الجلوس مع الضيف أو تناول الطعام معه فما بالك بحاكم إمارة، والهدف هو توفير الجو المناسب والهادئ، ولأن من عادة الأطفال مد أكفهم الصغيرة إلى صواني الوليمة، فقد حاول والد خليفة أن يمنع ولده من دخول المكان احتراماً للشيخ، ولكن الضيف رفض أن يبعد الصبي، بل طلب منه أن يقترب ثم ناوله بيده حبة من الرطب. أصدقاء الزمن الجميل عن أصدقائه في تلك المرحلة، يقول: لا أستطيع أن أذكر اسم أحدهم، وأنسى بعض الأسماء، لأن في ذلك ما يسبب الحرج، ولكن معظم من لعب معهم هم في مناصب والبعض منهم في المجلس الوطني، وقد كان البعض منهم أصحابه في الطفولة، وهم يمشون يومياً ذهاباً وإياباً إلى المطوع مسافة خمسة كيلومترات، وكان المطوع هو الشيخ عقاب الذي تعلم منه الكتابة والقراءة. يتذكر الدكتور بن دلموك أنه بسبب إجادته القراءة والكتابة تشجع وانضم للمدرسة العسكرية، التي كانت في منطقة المرقاب بالشارقة، وقد انتقل جزء من الطلاب من معسكر القاسمية إلى المرقاب، وانخرطوا في الدراسة كطلاب عسكريين، بعد أن أعلن جزء منها مدرسة أيضاً، وتسلم الطلبة ملابسهم العسكرية ومستلزمات إقامتهم ودراستهم من معسكر القاسمية، وكان السبب وراء دخول المدرسة العسكرية، صعوبة العيش والمعيشة الشاقة. تمر من البصرة يقول بن دلموك عن تلك المرحلة إن الأهالي كانوا يشترون حتى التمور، وعادة ما كانت تصل تلك التمور وبها كمية من التراب، وقد كانت كميات كبيرة من التمور تستورد من العراق وبالأخص البصرة، ومنها التمر البصري ورزيز والزاهدي، ويذكر الدكتور خليفة أنه عندما كان في المعسكر كان والده يأتي لزيارته في كل شهر مرة واحدة، ورغم أن الدخول إلى المعسكر كان ممنوعاً إلا أنه كان يسمح للطلبة بالخروج إلى خارج السور، فيفترشون الأرض بأية قطعة تصلح للجلوس، وكانت تلك اللقاءات تخفف الكثير من أثر البعد عن الأهل والاشتياق للمسكن والأحباب، ويتذكر الدكتور خليفة أن راتبه لم يكن يزيد على تسعين درهماً، وكان يسلمه إلى والده كي لا تحتاج أسرته لأي شيء. في حين كان يحتفظ خليفة الطالب لنفسه ببضعة دراهم من أجل قضاء عطلة نهاية الأسبوع، وكان ذلك حال معظم الطلبة، ولأن الإجازة كانت يوم الجمعة فقط، والمسافة بعيدة عن مقر سكن الأسرة، فقد كان الطلبة يقضون يوم عطلتهم بالسير على الأقدام، من منطقة المرقاب بالشارقة إلى محل يؤجر لهم دراجات هوائية بربع روبية أي ما يعادل ربع درهم، ومن هناك يذهبون إلى مكان مشهور حتى اليوم في الشارقة، وهو قرب سينما الشارقة القديمة التي تم هدمها، ولكن بقي ذلك الرجل الذي يبيع النخي والفول السوداني والحلويات، وهو لا يزال في ذات المكان حتى اليوم، وكانوا يشترون منه المشروبات الغازية أيضاً. ذكريات عنيدة لا يزال خليفة يتذكر إلى اليوم أن في السوق القديم بالشارقة، كان يوجد رجل من إيران يذهب إليه الناس كي يقوم بتفصيل الكنادير (أي الدشاديش) لهم، ولم تكن هذه اللفظة وهي الدشداشة معروفة لأنها لم تكن تخص أهل الإمارات، وقد بقي خليفة طالباً في المدرسة العسكرية مدة ثلاث سنوات، وعندما توفي والده لم تعد تلك التسعين روبية أو درهماً تكفي للأسرة، فقام بتحويل نفسه من طالب عسكري إلى رجل عسكري، وقد شعر بأنه يفعل ذلك مجبراً حيث لم يكن لديه أي خيار آخر، وقد حصل على راتب يبلغ مائة وخمسين درهماً، وتم نقله إلى مراكز التدريب في منطقة المنامة. في عام 1971 انتقل إلى معسكر الصمصام في رأس الخيمة، وكان ضمن سرية وبقي في تلك المنطقة مدة ثلاث شهور ثم انتقل إلى مسافي، وكان معسكر مسافي عبارة عن مجموعة من الخيام، ومن هناك أرسل في أول دورة ضباط صف إلى منطقة المنامة لمدة شهرين ونصف الشهر، وتم منحه رتبة وكيل عريف بعد عودته إلى معسكر مسافي، ومن ذكرياته خلال وجوده في تلك المنطقة سقوط الأمطار مدة أربعة عشر يوماً، حيث لم ير الناس الشمس خلال كل تلك الفترة، وكانت هناك سحب كثيفة فسقطت طائرة على منطقة الفرفار. في عام 1972 انتقل الدكتور بن دلموك إلى قلعة الجاهلي في العين، والتي كانت تعد مقراً عسكرياً، وأيضاً مقراً لتبادل السرايا، وخلال تلك الفترة تزوج خليفة، وكان يزور والدته وأهله مرة واحدة في كل أسبوع، ومن أهم ذكريات وجوده في مدينة العين ذلك العرض للطائرات العسكرية في منطقة الصاروج بغرض شراء بعضها، وقد شهد العرض المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمة الله عليه، وكان المدرج رملياً جافاً، ولكن سرعة الطائرات كانت تثير الغبار في المنطقة. محطات عسكرية عاد الدكتور خليفة إلى منطقة المرقاب مرة أخرى، وبقي هناك حتى تم توجيه طلب للإدارة ليكون مرشحاً للقيادة العامة وحصل على الترتيب الثاني، ولكن بسبب مسألة القامة والطول تم إلغاؤه، وتم تحويله كمدرب إلى مراكز التدريب 1973، وقد خرج ضمن دورات في السابق ومنها ضمن قوم ساحل عمان سابقاً، ولكن في هذا الوقت خرج ضمن قوة دفاع الاتحاد، وخلال تلك الدورة كان هو المدرب، وبعد عودته كانت هناك أيضاً رحلة لفترة معينة إلى مدينة العين. يقول الدكتور خليفة إن معظم حياته كان عبارة عن محطات عسكرية، وكان الشاغل الأول لتفكيره هو كيفية رد الجميل، وكيف يمكن أن يثبت نفسه كرجل عسكري مخلص، وفي ذات الوقت كمحترف للمهام التي يقوم بها، ولذلك أيضا وأثناء تواجده في العين طلب منه أن يذهب للفحص في المرقاب من أجل أن ينضم لدورة خاصة بالضباط، واجتاز ذلك الفحص بالحصول على المركز الأول، وأرسل إلى السودان كمرشح، ويتذكر أن السفر كان إلى بيروت أولاً ومنها إلى القاهرة ثم السودان، وقد استغرقت الرحلة 14 ساعة. عاش الدكتور خليفة مدة سنة كاملة في السودان، وبعد التخرج عرف أن الوحدة التي كان يعمل من ضمنها قد انتقلت إلى الجاهلي في العين، فذهب إلى الجاهلي وهو في منصب ملازم، وكانت التدريبات في منطقة الصاروج وقرب المنطقة الصناعية، وحينها حدث موقف لا يزال نابضاً وحياً بشكل قوي في ذاكرته، حين أتى قائدهم سلطان بن سهيل، ووجه تعليمات أن يكون خليفة من بين مجموعة من المظليين، وعندما علمت والدة خليفة بذلك حلفت يميناً ألا ينضم لفرقة المظليين، وحلف هو أن ينضم إليها، فقامت الأم بالصوم كفارة عن يمينها. سافر الدكتور خليفة مع مجموعة من المرشحين للدورة، وهي دورة مظليين أساسيين في مصر مدة شهرين ونصف الشهر، وبعد عودتهم كان قائدهم صالح ناصر، وقد طلب منهم أن يستعدوا لدورة تخريج مكونة من 26 قفزة، وبدأت التدريبات في دبي من أجل العرض في منطقة المرقاب، وفي يوم العرض كانت الرياح شديدة والمنطقة محاطة بالمنازل، وعند هبوط المظليين هبط أحدهم في أحد المنازل، بينما كان نصيب الثاني على قرب عمود للكهرباء. وبعد تلك المرحلة تم تشكيل أول سرية للقوات الخاصة لواء اليرموك وهي سرية المظليين، وبعد سنتين انضمت السرية إلى القوات الخاصة في أبوظبي، وفي عام 1983 تم تشكيل كتائب القوات الخاصة وقد تمت ترقية الدكتور خليفة، وعندما أسست أول كتيبة في سويحان كان هو قائدها، وفي عام 1984 أرسل إلى السودان في دورة أركان، وعاد عام 1985 إلى إمارة أبوظبي في منصب ركن تدريب ثم ركن عمليات، وبعد ذلك ركن عمليات وتدريب، حتى عين في منصب رئيس شعبة التخطيط بمديرية الإمداد والتموين بالقيادة العامة عام 1990. رشح بعد ذلك لدورة قيادة حرب عليا في مصر عام 1994، وعاد للقوات الخاصة في منصب نائب قائد القوات الخاصة، ثم أرسل أيضا مرة أخرى في دورة حرب عليا في مصر لمدة عام كامل، وبعد الدورة تم منحة إجازة مفتوحة مدة ستة شهور، وعين بعد ذلك قائد لواء الظفرة مدة عام ونصف العام، ثم حصل على التقاعد في عام 1996 بعد عمر حافل بالعمل العسكري. حول حصوله على الدكتوراه، قال إنه كان خلال فترة عمله الطويلة في الخدمة العسكرية، يستغل الأوقات الخاصة به في إكمال دراسته الأكاديمية، وقد استطاع التوفيق رغم كل الصعوبات والمهام الملقاة على كاهله كقائد عسكري، وحصل على الدكتوراه عام 1999 وكانت الرسالة بعنوان العلاقات الإيرانية الخليجية وأثرها على الأمن القومي لدولة الإمارات، ويعيش الدكتور خليفة اليوم في منطقة سهيلة بالمنطقة الوسطى.
المصدر: المنطقة الوسطى
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©