آمنة الكتبي (دبي)
غداً الساعة 5:56 بالتوقيت المحلي، يسجل التاريخ إنجازاً جديداً للإمارات مع انطلاق هزاع المنصوري أول رائد فضاء مواطن، في رحلة استثنائية من مركز بايكونور الفضائي كازاخستان، إلى محطة الفضاء الدولية على متن مركبة الفضاء الروسية «سيوز ــ إم إس 15» مع رائدة الفضاء الأميركية جيسيكا ماير، ورائد الفضاء الروسي أوليغ سكريبوتشكي.
ويأتي هذا الإنجاز التاريخي، وسط حفاوة محلية وعربية ودولية بالغة بالطفرة الهائلة التي تحققها الدولة في شتى المجالات.
وقبيل الرحلة مباشرة يعمل خبراء الصحة على تعقيم مقصورة مركبة الفضاء الروسية «سويوز أم أس 15»، إضافة إلى وضع رواد الفضاء فيما يسمى بـ «الغرفة النظيفة»، حيث يخضعون والحمولة التي تنطلق معهم إلى المحطة الدولية للتعقيم الصحي الأخير استعداداً لرحلة الإقلاع. ومن ثم يدخل رواد الفضاء إلى داخل قمرة القيادة في المركبة الروسية، وقبل انطلاق الصاروخ إلى الفضاء يقضي رواد الفضاء نحو ساعتين داخل الكبسولة في انتظار الانطلاق إلى الفضاء، ومن ثم يرى الطاقم الثواني العشر الغير منتهية، الطويلة، الأخيرة تنقضي، إلى أن يبدأ الانطلاق، وتعمل مضخات الوقود وتشتغل المحركات في ثلاثة مستويات أدائية متعاقبة، ولكن بالكاد يستطيع رواد الفضاء أن يسمعوا أو يشعروا بكل تلك الأشياء.
ويعجز رواد الفضاء عن رؤية أي شيء في تلك اللحظة، حيث تكون النوافذ في الــ 157 ثانية الأولى مغطاة بسبب وهج النار القادم من المحركات ومن سحب الدخان الضخمة، ومن ثم يبدأ الصاروخ بالاهتزاز قليلاً، بعد ذلك تشد قوة الدفع رائد الفضاء فجأة إلى المقاعد بشكل مناسب، في بداية الأمر يكون الشد مماثلاً لما هو على حاله في الطائرة العادية، ومن المقرر أن تلتحم المركبة بالمحطة الفضائية الدولية في غضون 6 ساعات، بعد أن كانت تقضي نحو يومين لأداء المهمة نفسها.
ساعات الوصول
ومن المثير للغاية معرفتنا بأن رواد الفضاء يظلون على اتصال دائم وجيد بالأرض، في الوقت الذي يعاني بعضنا سوء تغطية الهواتف المحمولة خلال سفرنا داخل قطار متحرك على سبيل المثال، فكيف يمكن أن يظل رواد الفضاء على اتصال دائم بالأرض بصورة تتيح لهم دائماً بث الصور وإجراء المكالمات الصوتية والفيديو بكل سهولة، في وقت يدورون فيه حول الأرض بسرعة تفوق 27.5 ألف كيلومتر في الساعة.
يعد الاتصال المنتظم بين رواد الفضاء ووحدات التحكم الأرضية أمراً حيوياً للحفاظ على سلامتهم والتشغيل الصحيح لمحطة الفضاء الدولية؛ لذلك لا يمكن الاعتماد في الاتصال على إرسال الإشارات بين غرفة التحكم ومحطة الفضاء الدولية على جهاز إرسال واستقبال على الأرض، من أجل حل هذه المشكلة، تعتمد وكالة الفضاء الأميركية «ناسا» NASA على شبكة من الأقمار الصناعية، تعرف بالنظام الفضائي لترحيل البيانات TDRS، والتي تقوم بدور الوسيط الذي يستقبل ويرسل الإشارات فيما بين محطة الفضاء الدولية وبين محطات عدة على الأرض.
ساعات عمل مقننة
سيقضي هزاع المنصوري رائد الفضاء الإماراتي وطاقم الرحلة 8 أيام يتخللها العديد من التفاصيل، إلا أنها تتمحور حول إجراء تجارب علمية والقيام بأعمال صيانة دورية للمحطة، فضلاً عن الرياضة اليومية، وسيجري المنصوري 15 تجربة علمية، فيما سيتم رصد هذه الأنشطة يومياً وبثها باللغة العربية من خلال منصات مركز محمد بن راشد للفضاء على وسائل التواصل الاجتماعي، كما سيتم إعداد محتوى شامل لكي يستفيد منه الجميع من طلبة وباحثين ومتخصصين في مختلف الدول العربية.
ولا تخلو الرحلة بالطبع من الصعوبات، حيث قد يستغرق رائد الفضاء 4 ساعات لارتداء بدلة الفضاء ومراجعة قائمة السلامة التي تزيد على 100 صفحة.
وسيجري هزاع المنصوري التجارب العلمية، ويرسل النتائج إلى الأرض لمقارنتها بين البيئتين المختلفتين، وستكون هناك تجارب لدراسة تفاعل المؤشرات الحيوية لجسم الإنسان داخل المحطة مقارنة بالأرض قبل وبعد الرحلة، وهي المرة الأولى التي سيتم فيها هذا النوع من الأبحاث على شخص من المنطقة العربية، حيث ستتم مقارنة النتائج مع أبحاث أجريت على رواد فضاء من مختلف مناطق العالم، وتشمل التجارب كذلك تأثير الجاذبية الصغرى على نمو الخلايا والكائنات الدقيقة والجينات، ومعدلات إنبات البذور والفطريات والطحالب وتأثير المضادات الحيوية على البكتيريا، والتفاعلات الكيميائية الأساسية في الفضاء، وغير ذلك من تجارب فيزيائية وبيولوجية وكيميائية.
35 ساعة
وتعتبر محطة الفضاء الدولية بمثابة قمر صناعي ضخم صالح لحياة البشر فيه وتدور في مدار منخفض حول الأرض، وتحمل على متنها طاقماً من 6 رواد فضاء سينضم إليهم هزاع المنصوري وقائد الرحلة رائد الفضاء الروسي أوليغ سكريبوتشكا، ورائدة الفضاء الأميركية جيسيكا مير، يقضون 35 ساعة أسبوعياً، لإجراء أبحاث علمية بمختلف التخصصات الفيزيائية والبيولوجية، ويوجد بها على الأقل 4 مختبرات تحتوي على أجهزة لإجراء بحوث واسعة النطاق في مجالات مختلفة مثل المواد السائلة، وعلوم الحياة والاحتراق والتقنيات الجديدة.
وتم تحديد توقيت غرينتش ليكون هو المعتمد على متن المحطة الدولية، وذلك حرصاً على راحة رواد الفضاء، خاصة أن الشمس تشرق وتغرب عليها أكثر من مرة، وعندما تغرب الشمس في لندن، يتم غلق نوافذ المحطة آلياً لإعطاء الرواد شعوراً بقدوم الليل ومن ثم الخلود للنوم، ومن ثم الاستيقاظ صباحاً ليواصلوا عملهم وأبحاثهم، كما توجد محطتان أرضيتان للتحكم بالمحطة الدولية، الأولى بهيوستون بأميركا والثانية بموسكو.
وتحلق محطة الفضاء الدولية حول الأرض حاملة على متنها رواد الفضاء الذين يقضون أوقاتهم وفقاً لجدول محدد يشمل إجراء الأبحاث والتجارب في مختلف المجالات، والتواصل مع محطة التحكم الأرضية على مدار الساعة، إضافة إلى الأنشطة الأخرى التي تمثل جزءاً من الحياة اليومية على الأرض.
4 وحدات للنوم
وتضم محطة الفضاء 4 وحدات للنوم، وليس فيها أسرّة بالشكل الذي نعرفه، بل هي أكياس مثبتة بالجدران، حيث يثبت رائد الفضاء نفسه بطريقة محكمة حتى يستطيع أن ينام بشكل مستقر وأكثر تركيزاً، ويبتدئ صباح كل يوم عندما تضيء وحدة التحكم مصابيح المحطة، لينطلق في السادسة صباحاً منبه الاستيقاظ، حيث يتحرر رائد الفضاء من قيود فراشه، ثم يطفو داخل المركبة ليبدأ يومه بالذهاب إلى الحمام، في الأغلب، وهي عملية معقدة بالطبع، على الرغم من أن أنظمة المراحيض أصبحت أكثر تطوراً مقارنة بالرحلات الفضائية الأولى التي لم تكن تشمل أي وسائل راحة. ويعتبر وقت غسيل الأسنان تجربة أكثر صعوبة مما نتخيل، فليس هناك أحواض في المحطة لذلك يجب على رائد الفضاء ابتلاع غسول أسنانه، ولا يغتسل رواد الفضاء بالماء لكنهم يستخدمون مناديل مبللة خاصة، حتى إنهم يستخدمون شامبو جافاً للشعر من دون استخدام الماء.
الإفطار فواكه
ويبدأ رائد الفضاء بعد ذلك بتجهيز الإفطار الذي يحتوي على أنواع مختلفة من الأطعمة، فهناك أطعمة يمكن تناولها بصورتها على الأرض مثل الفواكه، بينما هناك أطعمة أخرى تتطلب إضافة الماء إليها وتسخينها في فرن مخصص داخل المحطة، فيما يمكنهم إضافة التوابل والبهارات كيفما يشاؤون، وكذلك «الكاتشب» والفلفل والملح وغيرها، لكنها تكون في صورة سائلة بأكياس مخزنة؛ لأن صورتها الصلبة قد تتسبب في أخطار على المحطة في ظل انعدام الجاذبية، وقد تتسبب في إتلاف لأجهزة أو سد فتحات التهوية أو أنها قد تدخل في أعين رواد الفضاء.
ليلة الطعام الإماراتي التقليدي
وسيستضيف «ليلة الطعام الإماراتي التقليدي» على متن المحطة، حيث سيرتدي خلالها الزي الإماراتي التقليدي ويقدم لزملائه من رواد الفضاء ثلاثة أطعمة إماراتية، وهي المضروبة والصالونة والبلاليط.
وسيكون حدثاً فريداً من نوعه على متن المحطة، ولأول مرة سيتذوق رواد الفضاء أكلات عربية، وتحديداً خليجية في بيئة منعدمة الجاذبية تقريباً.
كما وتتأكد محطة الاستقبال على الأرض من تناول رواد الفضاء وجبات متوازنة تحتوي على البروتينات والفيتامينات، كما تمدهم بالسعرات الحرارية المطلوبة، بينما تأتي المشروبات، مثل القهوة والشاي والعصائر في عبوات مثل الطعام، وبعد الانتهاء من تناول الطعام يتم إلقاء الأكياس في أماكن معينة وتجميعها وإعادتها للأرض للتخلص منها.
ويتم نقل الأطعمة الطازجة والفواكه إلى المحطة بصفة مستمرة بوساطة مركبات الشحن، ويجب تناول الأطعمة الطازجة في وقت محدد بعد وصولها؛ لأنها تتعرض للتلف سريعاً خارج الغلاف الجوي للأرض، وبعد الانتهاء من الإفطار، يحين الوقت للاتصال بمركز التحكم للتعرف على جدول اليوم، وعادة ما يتضمن أعمال صيانة روتينية يجب القيام بها، وتختلف مهام الصيانة كل يوم، فهي تتراوح ما بين تنظيف وتعقيم الأسطح، والقيام بإصلاحات ضرورية للأجهزة.
ممارسة الرياضة يومياً
ويمارس رواد الفضاء الرياضة بشكل يومي، حيث يذهبون إلى الصالة الرياضية يومياً وتحتوي الصالة على أجهزة رياضية معقدة، فهي تتألف من جهاز مشي، ودراجة تمارين من دون مقعد، وأجهزة رفع أثقال من دون أثقال بالطبع، إذ يستخدمون أنابيب مفرغة من الهواء لإيجاد المقاومة، ولا تعتبر التمارين أمراً ثانوياً بل ضرورة ملحة، ففي الفضاء لا توجد جاذبية ويطفو البشر في الهواء طوال مدة وجودهم في الفضاء مما يتسبب في ضمور العضلات نظراً لقلة استخدامها، ومن الضروري ممارسة الرياضة للحفاظ على قوة العضلات والحفاظ على قدرات المشي عند العودة إلى الأرض.
ويعتبر الهدف الرئيس من محطة الفضاء الدولية هو توفير مختبر علمي فريد لإجراء مختلف التجارب والأبحاث العلمية الخاصة بالفضاء، حيث يقضي رواد الفضاء جزءاً من يومهم في إجراء التجارب التي تتطلب انعدام الجاذبية مع اتباع الخطوات العلمية التي يضعها العلماء على الأرض، فيما تتألف محطة الفضاء من مختبرات عدة.
ويقوم رواد الفضاء بتجارب تشمل مختلف التخصصات على متن المحطة، بعضها يدرس تأثير انعدام الجاذبية على جسم الإنسان وعلى الجوانب الأخرى في حياتنا اليومية، كما يتم تنفيذ العديد من الدراسات على الطعام وإمكانية زراعة خضراوات مثل الخس والفجل والبازلاء في حديقة المحطة، إضافة إلى الدراسات التي تركز على الأرض وتشمل دراسة وتحليل التغيرات التي تحدث لسواحل البحار والمحيطات، وكذلك المناطق الحضرية.
المشي في الفضاء
ويقوم رواد الفضاء في المحطة بأعمال صيانة دورية للمحطة، وأحياناً يتوجب عليهم الخروج من المحطة لإصلاح الأعطال أو مواصلة أعمال الصيانة، وهذا هو الجزء الذي يدعى «المشي في الفضاء»، حيث تعد هذه المهمة من أكثر المهام تحدياً في المحطة، إلا أنها لا تخلو من المرح وروح المغامرة، وقبل خروج رائد الفضاء من المحطة، يجب أن يدرس الخطوات كافة بدقة شديدة لضمان تحقيق المستوى الأمثل للسلامة.
وقد يستغرق رائد الفضاء 4 ساعات لارتداء بدلة الفضاء ومراجعة قائمة السلامة التي تزيد على 100 صفحة، ولا يمكن الخروج من محطة الفضاء إلا مع رفيق، بحيث يساعد أحدهما الآخر في حالة حدوث مشكلة ما، وبمجرد الخروج من المحطة قد يقضي رواد الفضاء ما يصل إلى 8 ساعات في أعمال الصيانة اللازمة.