إبراهيم سليم (أبوظبي)
أكد الدكتور سالم بن محمد المالك، المدير العام لمنظمة «الإيسيسكو»، أن تصحيح الصورة الذهنية عن الدين الإسلامي، جزء من مهام المنظمة بطبيعة الحال، باعتبارها مؤسسة تعمل في قطاعات عدة من أبرزها الثقافة. جاء ذلك على هامش انطلاق الدورة الأربعين للمنظمة التي تستضيفها أبوظبي لمدة يومين. وأشاد المالك بدور الإمارات وتبنيها العديد من المبادرات ذات الصبغة العالمية التي أسهمت في تصحيح الصورة الذهنية للإسلام، كما تصدت لمنظمات الإرهاب الفكري والتطرف، والتصورات الخاطئة التي تتبناها بعض الفئات من الرأي العام الدولي حول الإسلام والمسلمين. وقدم الدكتور المالك الشكر للإمارات، ممثلة في وزارة الثقافة والمعرفة، على استضافتها الدورة الأربعين للمجلس التنفيذي لـ«الإيسيسكو»، مشيداً بما لمسه من استعداد كبير وتسهيلات لاستضافة هذا الحدث الكبير.
واعتبر المالك في حواره مع «الاتحاد»، أن دور الإمارات يعد ريادياً في هذا المجال، والمنظمة تثمن هذا الدور، ولا شك في أن العالم الإسلامي أصبح يعاني منذ أحداث سبتمبر 2011 صعوبات كبيرة ومتزايدة في تقديم صورته الحقيقية ونموذجه الحضاري المبني على قيم السلام والحرية والكرامة والمحبة والتسامح، كما تراجعت مكانته وهيبته بين دول العالم جراء الحملات المغرضة لعدد كبير من وسائل الإعلام الغربية التي تنسب للإسلام، عن قصد أو جهل، التصورات الخاطئة التي تتبناها بعض الفئات من الرأي العام الدولي حول الإسلام والمسلمين.
وقال: في هذا الإطار، ستعمل «الإيسيسكو»، المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة التي تضم في عضويتها 54 دولة، ووفق رؤيتها الجديدة، على دعم الجهود الدولية في مجال الحوار بين الثقافات، والتعايش بين الحضارات، وتصحيح الصور النمطية ومكافحة ظاهرة «الإسلاموفوبيا»، وتعزيز ثقافة السلم والعيش المشترك، ونشر المعلومات الصحيحة عن الإسلام والمسلمين، من خلال وسائل الاتصال الجديدة من أجل تعزيز قيم العدل والسلام والحرية وحقوق الإنسان، وتلكم رسالة «الإيسيسكو» إلى المراكز الثقافية العاملة في الغرب.
وأضاف المالك: وقد ضمنا خطة عمل «الإيسيسكو» المعدلة للعامين 2020 - 2021 برنامجاً رئيساً يعنى بهذا الموضوع المهم، انطلاقاً من المرجعيات الحضارية للإسلام، دين التسامح والتعايش، واحترام الآخر وقبوله، والتصدي لثقافة التمييز والإقصاء للآخر، وما التوجهات الجديدة لـ«الإيسيسكو» في انفتاحها على المنظمات والهيئات الدولية والإقليمية التي تتقاسم معها قيم الحوار والتسامح والحرية والعيش المشترك، إلا مؤشر ناجح لهذه الاختيارات.
وثمن جهود دولة الإمارات والقيادة الرشيدة ودعمها المنظمة التي تستضيف الدورة الـ 40، معرباً عن تقديره الجهود الحثيثة للإمارات على المستويين العربي والإسلامي في المجالات كافة، كما أشاد بجهود معالي نورة الكعبي وزير الثقافة وتنمية المعرفة وجهودها البناءة، والمقدرة من «الإيسيسكو».
التغييرات المرتقبة
وحول التغييرات المرتقبة، خلال هذه الدورة الأربعين للمجلس التنفيذي للمنظمة التي تستضيفها دولة الإمارات، أكد الدكتور سالم بن محمد المالك «وجود الكثير من التغييرات التي أعددناها كاقتراحات مقدمة للمجلس التنفيذي، ونأمل أن يتم اعتمادها من قبل المجلس، وفي حال تحقق هذا الأمل، فإن الرؤية الإستراتيجية الجديدة للمنظمة تبشر بتغييرات كبيرة ليس فقط في الأهداف والتطلعات، وإنما في الهياكل التنفيذية وأطر العمل، ومصادر التمويل، وحتى الاسم والشعار».
وفيما يتعلق بأبرز مهام المنظمة ودورها، أفاد بأن العالم يمر في الوقت الحالي بفترة انتقالية تتفاعل فيها جملة من المتغيرات التي تهم مستقبل البشرية، وتؤثر في مساراتها في ظل السياسات العالمية الجديدة الهادفة إلى تجاوز الحدود الجغرافية بين الدول لتنفتح على بعضها البعض في جميع القطاعات الحيوية.
عوائق التنمية
وقال المدير العام لمنظمة «الإيسيسكو»: «يصنف عالمنا الإسلامي من بين مناطق العالم التي تتفشى فيها العديد من عوائق التنمية، رغم ما تمتلكه من إمكانات بشرية واقتصادية تتمثل في اتساع مساحته الجغرافية التي تبلغ حوالي 32 مليون كم2، وامتلاكه قوة ديمغرافية تقارب ربع سكان العالم، وتوافره على ثروات طبيعية هائلة، إلا أن مؤشرات التنمية به لا تزال ضعيفة، وهنا يبرز دور المنظمات الإقليمية والدولية المتخصصة في قضايا التنمية لدعم القدرات التنموية للدول واقتراح الحلول المبتكرة لمواجهة هذه التحديات في إطار العمل الإقليمي والدولي المشترك، وتعد المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو)، بوصفها جهاز العمل المتخصص لمنظمة التعاون الإسلامي من أبرز هذه المنظمات ومنارة العالم الإسلامي في مجالات عملها، وهي التربية، والعلوم والتكنولوجيا والابتكار، والثقافة والاتصال، والعلوم الإنسانية والاجتماعية، والإعلام».
الأولويات للمنظمة
وفيما يتعلق بأولويات المنظمة في المرحلة المقبلة، قال المالك: «انطلاقاً من المسؤوليات الملقاة على عاتق المنظمة للنهوض بقطاعات التربية والعلوم والثقافة لتحقيق التنمية المنشودة لدول العالم الإسلامي، فإن منظمة «الإيسيسكو» عازمة على قيادة التغيير المنتظر ولعب دور القاطرة التنموية نحو مستقبل أفضل، والقطع مع السياسات الكلاسيكية المعتمدة، من خلال تحديث شامل لوسائل عملها ولاستراتيجياتها المعتمدة؛ بهدف إحداث تأثير عميق ينعكس بطريقة مباشرة وإيجابية على حاضر ومستقبل العالم الإسلامي».
وسيتم في ما يتعلق بآليات العمل المقرر اعتمادها في خطة العمل الجديدة المعدّلة، تعزيز النهج القائم على تنفيذ البرامج الكبرى والمشاريع الإقليمية وشبه الإقليمية والمشتركة بين قطاعات المنظمة التي أصبحت تحظى بدعم تقني ومالي مطرد من شركاء المنظمة الدوليين والإقليميين، وتوسيع مجالات مراكز «الإيسيسكو» الإقليمية للتدريب والتأهيل، وتوجيه مزيد من الدعم الفني للدول الأعضاء، وتعزيز استخدامات الذكاء الاصطناعي وتوفير الخبرة والمشورة لجهات الاختصاص فيها، ومواصلة عقد دورات المؤتمرات المتخصصة لوزراء التربية، والثقافة، والتعليم العالي والبحث العلمي، والبيئة، والتنمية الاجتماعية، وإنشاء المجلس الاستشاري الدولي، وإطلاق الملتقى الثقافي لـ«الإيسيسكو»، والاحتفاء بعواصم جديدة للثقافة، ومنح جوائز «الإيسيسكو» التقديرية في مجالات محو الأمية والوسائط التعليمية الرقمية والعلوم والتكنولوجيا والابتكار، وتعزيز الحوار وقيم العيش المشترك، وتنظيم القوافل الطبية والاجتماعية والثقافية لفائدة النساء والأطفال والشباب في المناطق النائية، وفي مخيمات اللاجئين، وتعزيز العمل الإسلامي لفائدة المجتمعات الإسلامية خارج العالم الإسلامي، وغيره من المشاريع والبرامج الحضارية الكبرى في إطار تطوير العمل الإسلامي المشترك.
وتابع: إن وضع التعليم والتقنيات الحديثة يعد معضلة في العالم الإسلامي، ويظهر تراجع المستوى مقارنة ببقية العالم، وإن هناك قطاعين من أكبر قطاعات المنظمة ينصب جزء كبير من عملهما على معالجة الفجوة الكبيرة بين واقع قطاعي التربية التعليم، والعلوم والتكنولوجيا في معظم الدول الأعضاء بـ«الإيسيسكو»، والوضع الذي تتطلع إليه شعوبها، والذي نشاركها فيه، قطاعا التربية والعلوم والتكنولوجيا، وربما يمكننا إعطاء لمحات عن بعضها، ففي قطاع التربية تم تحقيق انفتاح أوسع وأعمق على الشركاء الدوليين الكبار في مجال التربية والتعليم.
وذكر المالك أنه تم الانخراط في التوجه الاستشرافي الدولي نحو نموذج المدرسة الرقمية في أفق عام 2030، وتجسَّم هذا الانخراط من خلال إعداد مشروعٍ تربويٍّ متكامِل بعنوان «مدرستي الرقمية 2030» لدمج التكنولوجيا التعليمية في المنظومات التربوية لدول العالم الإسلامي.
رؤية جديدة
قال المالك: «تعبّر مشاريع الخطة المعدّلة (2021 - 2020) لقطاع التربية في (الإيسيسكو) عن التزام المنظمة القويّ، في إطار رؤيتِها الجديدة، بتكثيف معاضدتِها لجهود الدول الأعضاء في طريقها نحو تحقيق الهدف الإنمائي الرابع لعام 2030: (ضمان التعليم الجيّد والمنصف والشامل للجميع وتعزيز فرص التعلّم مدى الحياة للجميع)، فاستناداً إلى التقارير الدولية الموثوقة والدراسات المتخصصة، سواء منها المعنيّة بتحليل معطيات الأوضاع التربوية في دول العالم كافة، ومنها دول العالم الإسلامي، ورصد مدى التقدم المحرز على درب تحقيق التزامات 2030 أو القائمة على الاستشراف الاستراتيجي لمآلات التعليم وتطوراته المستقبلية على المدييْن المتوسط والبعيد، يتّسم واقع التربية والتعليم في دول العالم الإسلامي بخصائص مشتركة وظواهر تتقارب حيناً وتتباين أحياناً أخرى وفق تفاوت المؤشرات الفرعية بين المجموعات الإقليمية داخل العالم الإسلامي».
انطلاق «تنفيذي الإيسيسكو» اليوم بأبوظبي
تنطلق اليوم بأبوظبي أعمال الدورة الـ40 للمجلس التنفيذي للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة «إيسيسكو»، وتكتسب هذه الدورة أهمية بالغة، حيث يتمتع المجلس خلالها بصلاحيات المؤتمر العام، أعلى سلطة تمثل الدول الـ54 الأعضاء في الإشراف على عمل المنظمة وسياساتها العامة.
وقالت معالي نورة بنت محمد الكعبي وزيرة الثقافة وتنمية المعرفة رئيسة اللجنة الوطنية للتربية والثقافة والعلوم: «إنه لشرف كبير أن نستقبل في دولة الإمارات اجتماعات المجلس التنفيذي لهذه المنظمة الرائدة والعريقة والتي تدشن فصلاً جديداً لمسيرتها الممتدة لأكثر من أربعة عقود. نؤكد التزامنا بترسيخ دور (إيسيسكو) على الساحة الدولية، انطلاقاً من إيماننا الراسخ بأن التعاون والتنسيق بين الدول الأعضاء هما السبيل الأمثل لتحقيق أهداف المنظمة من خلال ما تقدمه من برامج ومشاريع، وكذلك تحفيز مساهمة الدول الإسلامية في تمويل تلك البرامج التي تستجيب لاحتياجات قطاعات تنموية مهمة، مثل الثقافة والتربية والعلوم».
الدعم والخدمات التربوية
قال الدكتور سالم المالك: حرصنا في «الإيسيسكو» على توفير الدعم والخدمات التربوية للدول الأعضاء وللمسلمين خارج العالم الإسلامي، من خلال تنفيذ برامج تربوية متنوعة، فقد قامت مديرية التربية، خلال النصف الثاني من عام 2019، بمتابعة تنفيذ ما تمت برمجته من أنشطة وبرامج في إطار مشاريع تربوية متنوعة، ومنها: برامج مراكز «الإيسيسكو» التربوية في تشاد وموريتانيا والنيجر وماليزيا، وبرنامج العون الفني في مجال الأنشطة المدرّة للدخل الذي استفادت منه مائة من الفتيات والنساء المتحرّرات من الأمية في بنين والكاميرون، وبرنامج جوائز «الإيسيسكو» التربوية في مجاليْ محو الأمية والموارد التربوية الرقمية المفتوحة، وبرنامج تطوير مناهج التعليم العربي الإسلامي والتعليم القرآني في الدول الأفريقية، وبرنامج دعم المؤسسات التربوية في فلسطين في إطار الاحتفاء بالقدس عاصمة الثقافة الإسلامية لعام 2019.