شهدت بطولة كأس آسيا 2019 تساقط عدد من المنتخبات العربية، بعضها في الدور الأول، وأخرى في الأدوار الإقصائية، وقد تفاوت السقوط، ما بين منتخبات كانت مرشحة للقب، وودعت في وقت مبكر قياساً بالآمال المعقودة عليها، وأخرى كان متوقع لها إحداث خرق كبير في جدار المنافسة، لكنها خيبت التوقعات بخروجها المبكر.
ومع هذا الخروج تفاوتت ردود فعل مسيريها، فلكل منهم تبريراته، وقراراته التي ولّدها الوداع المبكر، فيما عادت آراء وتنظيرات النقاد والمحللين، وكذلك الجماهير إلى المربع الأول، الذي لم ما تكد تغادره إلا لتعود إليه، حيث أديرت الأسطوانات القديمة والمستنسخة، والتي ظللنا نسمعها بعد كل إخفاق.
ردود الفعل تلك، لا تكاد تختلف من بلد عربي إلى آخر، إلا في حيثيات بسيطة، إذ تتشابه التنظيرات حد التطابق، فالحديث لا يعدو النقاش حول قيمة المدربين، ومستوى الإداريين، وتطبيق الاحتراف الداخلي والخارجي، والبنى التحتية، من ملاعب وأكاديميات، قبل التعريج على المسابقات المحلية، ومستوى المنافسة فيها، وأحياناً كثيرة يطال النقد منظومة العمل برمتها، إذ لا ينسى الكثيرون حتمية حل مجلس الإدارة، بالمطالبة باستقالة الرئيس ومعاونيه.
حينما ندير رؤوسنا إلى ما يطرح إعلامياً في هذا البلد العربي أو ذاك، سنجد ذات الكلام، ونفس العبارات، وقد لا نحتاج إلا لتغيير اسم هذا المنتخب بذاك، لنكتشف حالة التطابق إلى حد بعيد، وهو ما يكشف عن أن الأزمة واحدة، والحلول هي ذات الحلول، إذا ما قفزنا على بعض الآراء «الشاطحة» في قراءة المشهد، والمتطرفة في التعاطي، أو تلك المبنية على نوازع خاصة بالميول للأندية، وطبيعة المنافسة بينها على حساب منتخب الوطن.
هذا الواقع إن كان يزيح الستار عن شيء، فهو يكشف عن أن الأزمة الحقيقية للكرة العربية تبدأ وتنتهي عند صناعة كرة القدم، بكل متعلقاتها، إذ لا يمكن أن نتحدث عن الخصخصة، والاحتراف، والاستثمار، والقوانين، والبنى التحتية، وتكوين النشء، وبناء المنتخبات، وتنظيم المسابقات، وهجرة اللاعبين للاحتراف الخارجي، وغير ذلك، وليس هناك مشروع حقيقي بتحويل كل ذلك إلى صناعة، أسوة بما هو معمول به في الدول المتقدمة رياضياً.
ثمة بلدان تملك كل المقدرات التي تمكنها من هذه الصناعة، وأخرى تملك بعضها، بينما هناك من لا يملك الحدود الدنيا منها، لكن كل ذلك يبقى مرهوناً بوجود إرادة حقيقية في هذا التحول، لكن -للأسف- هذا غير موجود، حتى وإن قيل إن في هذا البلد أو ذاك ثمة مشروعاً حقيقياً، فإن وجد فعلاً، فالآليات خاطئة، أو الأدوات لا ترقى إلى إنجاز المشروع، أو أن يكون النفس قصيراً، حين تأتي إدارة لتهدم ما بنته سابقتها، وكأني بهم كما قال بشار بن برد:
متى يبلغُ البنيانُ يوماً تمامهُ
إذا كنتَ تبنيه وغيركَ يهدمُ