اليابان في نصف النهائي، لم تتعب كثيراً لتصل إلى هذا الدور، لم تلعب أي مباراة بشكل ساحق، و«الساموراي» يبدو قادراً على الفوز من دون أن نراه يستحوذ، أو يهجم بكثافة، ومن دون الحاجة إلى التضحية البدنية، ما يجعل الموضوع لغزاً حتى اللحظة.
التساؤل الذي يحاصرني ويحاصر آخرين، هل هذه اليابان فعلاً ومستواها انحدر بسبب مرحلة تغيير الدماء؟، أم أنهم يأخذون كل مباراة على قدرها وبأسلوبها، فدافعوا وعادوا إلى مناطقهم ضد السعودية، وهاجموا بحذر ضد فيتنام، ويفوزون من دون الحاجة لإظهار أنهم متفوقون جداً.
الجواب الحقيقي سيظهر عندما يواجهون إيران، المنتخب الذي يعيش فترة مميزة للغاية منذ 2014 تحديداً، فهم أصحاب أقوى دفاع في القارة، واستدامة كيروش معهم جاءت بالنتائج، والفوز عليهم يتطلب الكثير من الذكاء والجهد، فحتى مسألة تهديد مرماهم صعبة للغاية.
لو أظهرت اليابان فعلاً أن لديها القدرة على المضي أمام إيران، وتحولت إلى طرف في المباراة النهائية، فعلينا التوقف قليلاً، لندرس سلوك المنتخبات في البطولات المجمعة خلال السنوات الأخيرة، وكيف تستطيع الوصول إلى النهائي من دون إظهار أي خطر على الآخرين، ما يجعلهم أقرب لتخدير منافسيهم.
لعل المثال الذي كررته كثيراً هنا لدرجة الملل هو فرنسا 2018، المنتخب لم يكن متفوقاً على أي منافس بشكل ساحق، لكن لم يستطع أحد أن يهزمه، عانى أمام أستراليا بالقدر الذي عانى فيه أمام بلجيكا، واستطاع بالنهاية التتويج، وهذا الأهم في هذه البطولات.
علينا أن ندرس سلوك عديد المنتخبات التي أدت اللعبة نفسها، وكأن هذا نمط جديد للتتويج، وهو أمر يحتاجه العرب في آسيا، ونحن بعيدون عن الكؤوس منذ فترة، سواء في كأس آسيا أو دوري أبطالها، هم دائماً يظهرون أكثر حنكة منا للوصول إلى اللقب، ولو كنا أفضل منهم في الملعب يوم الحسم.
من الواضح أن الأمر يحتاج إلى إدارة ذهنية صعبة للغاية، وتدريب مستمر على الأمر، ومن الصعب أن تحكم جهودك على القدر المطلوب بدقة، من الصعب أن تقوم بما تفعله اليابان، ترفع «الرتم» دقائق قليلة، ثم تعود لتهدأ وكأنها منتخب آخر، تماماً كما كانت تفعل فرنسا، التي قامت برد فعل لدقائق، بعد تعادل الأرجنتين، فحسمت اللقاء، ثم عادت فرنسا التي ينتقدها الإعلام حتى النهاية.
هي مثل المشي على حبل، تحتاج إلى مهارة، تحتاج إلى تدريب، وعلى الأغلب تحتاج إلى ذهنية غير مشوشة تعرف ما تريد، وهذه الذهنية هي أكثر ما نحتاجه.