رام الله- تغريد سعادة :
تمر الايام على الشعب الفلسطيني مر السحاب وهم تحت نير الاحتلال الاسرائيلي، ففي كل عام يحيون يوم الارض الذي صادف امس· وينفذ الفلسطينيون داخل اسرائيل -مناطق 48- في مثل هذه الايام المسيرات السنوية كما اعتادوا منذ 29 عاما في عدد من القرى التي سقط فيها شهداء يوم الارض الاول وتحديداً في البطوف وسخنين وعرابة ودير حنا وكفر كنا والطيبة·
كما ستنظَّم في هذه المُناسبة حملات لاستصلاح الاراضي العربية في اسرائيل في الجليل والمثلث والنقب، وزراعتها بآلاف أشتال الزيتون، تعبيراً عن إصرار الجماهير العربية على تمسكها وتجذرها في وطنها واعلان الاضراب الشامل في المناطق العربية·
وكانت انتفاضة يوم الارض بدأت في 30 مارس 1976 حيث أضرب العرب في اسرائيل لأول مرة منذ قيام الدولة العبرية اضرابا شاملاً أدى الى سقوط عدد من الشهداء·
وكان السبب الأساسي لإعلان الاضراب في يوم الأرض الخالد هو مصادرة الأراضي العربية منذ قيام الدولة العبرية والتي استمرت بعد قيامها ، وقبل هذا اليوم الخالد قررت الحكومة الاسرائيلية برئاسة اسحاق رابين مصادرة المزيد من الأراضي العربية واعلنت عن مشروع سمي في حينه بمشروع تهويد الجليل، وفي 29/7/1975 بادر عدد من الشخصيات الوطنية بحملة احتجاج على مصادرة الأراضي ، وقد عقدت لجنة المبادرة للدفاع عن الأراضي مؤتمرا وطنيا في فندق غراند نيو في الناصرة ، ثم عقدت لجنة المبادرة هذه عشرات الاجتماعات في النقب والجليل والمثلث اعدادا لمؤتمر عقد في 18/10/1975 في الناصرة وهو أكبر مؤتمر شعبي عرفه العرب في اسرائيل منذ قيامها ، وقد قرر هذا المؤتمر اعلان الاضراب الكبير والتظاهر امام الكنيست اذا لم تتراجع حكومات اسرائيل عن المصادرة وتهويد الأرض وقد تألفت لجنة الدفاع عن الأراضي من 121 شخصية اجتماعية وتمثيلية وصاحبة اراض ومهنية وتجارية من مختلف قطاعات الشعب·
ومما جاء في البيان العام للمؤتمر القطري للدفاع عن الأراضي العربية في اسرائيل المنعقد في 18 تشرين الأول 1975 'انه لمن المستغرب ان نعقد هذا المؤتمر بعد سبعة وعشرين عاما على قيام الدولة للاحتجاج على مصادرة أراض جديدة واستنكار مخططات حكومية للاستيلاء على اراضي الفلاحين العرب'، 'الحكومة مقدمة على خطوات جديدة لتجريد العرب من اراضيهم'، 'منذ عدة اشهر تعقد اجتماعات على اعلى مستويات حكومية لتنفيذ مشروع ما يسمى بتهويد الجليل وبعدها اطلقوا عليه اسم تطوير الجليل الا ان المضمون يبقى واحداً' وجاء في البيان 'ان السلطات عليها ادراك انها لا تستطيع الاستمرار في مصادرة اراضينا' وجاء في البيان أيضاً 'ان السلطات تتحدث الآن عن اقامة مدن ومستوطنات ومراكز صناعية في منطقة كرمئيل تهدد اراضي البعنة ونحف ودير الأسد ومجد الكروم وعرب السواعد ، كذلك تهدد المصادرات أراضي كسرى ويانوح والمكر وجديدة وطمرة وكابول ومعليا ويدور الحديث عن مصادرات جديدة'، 'كذلك يخططون لنقل عشرة آلاف مواطن عربي من عكا الى جديدة المكر ويخططون لسلخ اراض ومناطق عن القرى العربية لضمها لمناطق نفوذ سلطات يهودية' ومما جاء في البيان ايضا 'من واجب السلطات المحلية الوقوف الى جانب الفلاحين وان تطالب بتخصيص مئات الدونمات لتوزيعها على المحتاجين لاقامة المساكن عليها وحل مشكلة السكن في القرى العربية' كذلك تشن الحكومة هجوما مركزا على منطقة النقب وتجريد بدو النقب من مليون و900 الف دونم من المراعي والأراضي الزراعية ، اننا نرفع من هنا صوتنا ونقول 'ارفعوا ايديكم عن اراضينا' لسنا ضد التطوير ولكن ليس على حساب ما تبقى لنا من ارض وقد استنكر المؤتمر قرارات المصادرة·
وكانت البؤرة التي أججت وأعدت الأجواء ليوم الأرض في مثلث يوم الأرض سخنين عرابة البطوف دير حنا ، فقد قامت الشرطة الاسرائيلية بتاريخ 29/2/1976 بارسال أمر الى رؤساء السلطات المحلية في هذه القرى يمنع بموجبه الفلاحون من دخول اراضيهم الواقعة في ما يسمى المنطقة 9 وتبلغ مساحة هذه الأراضي 17 الف دونم، وجاء في أمر الشرطة الاسرائيلية 'كل من يدخل هذه الأراضي يعاقب وكأنه يدخل منطقة عسكرية' وفي 26 من الشهر نفسه عقد مؤتمر صحفي في بيت سوكولوف في تل ابيب حضره رؤساء مجالس القرى الثلاثة محمود نعامنة رئيس مجلس عرابة وجمال طربيه رئيس مجلس سخنين ومحمد نمر حسين رئيس مجلس دير حنا، وكذلك محمد سواعد عن عرب السواعد والقس شحادة شحادة عضو لجنة الدفاع عن
الأراضي، ذكروا فيه خطورة تحويل المنطقة رقم 9 الى منطقة عسكرية وطالبوا بالغاء التمرينات عليها وتحدثوا للصحافة عن مصادرة اراضيهم·
وبدأت المشاورات للاعداد لاضراب احتجاجي على مصادرة الأراضي العربية ، الا أن السلطات الاسرائيلية تدخلت لمنع الاضراب الذي بدأ بعد المشاورات للاعداد له ، وبدأت الضغوط على رؤساء المجالس العربية وقتها من قبل شيمون بيريز وزير الامن الاسرائيلي ورئيس الحكومة الاسرائيلية اسحاق رابين ويغآل ألون وشموئيل طوليدانو رئيس بلدية القدس ويسرائيل كينغ حاكم لواء الشمال وغيرهم ، واستعملت شتى الوسائل لمنع الاضراب وادخلت قوات حرس الحدود الى المدن العربية وخصوصا الناصرة ، واجتمع رؤساء سلطات محلية في شفاعمرو انتزعت السلطات منهم تصريحا بعدم الاضراب في 25/2/1976 ولكن الجماهير اصرت على الاضراب·
واصدرت لجان الطلاب العرب ولجنة المبادرة الدرزية والمنظمات الشعبية والنوادي وفرق الكشافة الاسلامية والمسيحية بيانات دعت فيها للاضراب في الثلاثين من مارس·
وفي صبيحة يوم الأرض اقتحمت قوات كبيرة من الشرطة الاسرائيلية القرى العربية التي انجحت الاضراب فمعظم العمال لم يذهبوا الى اعمالهم واغلقت المتاجر والورش والمحلات التجارية ، وكان مركز الحدث في مثلث يوم الأرض البطوف حيث سقط ثلاثة شهداء في سخنين وشهيد في عرابة البطوف وشهيد في كفر كنا وآخر من مخيم نور شمس سقط على أرض الطيبة ، والشهداء هم خير ياسين من عرابة البطوف ، ومحسن طه من كفر كنا ، ورجا ابو ريا ، وخضر خلايلة ، وخديجة شواهنة من سخنين ، ورأفت زهيري من مخيم نور شمس من منطقة طولكرم والذي استشهد على ارض الطيبة· هذا وشمل الاضراب التضامني عددا من مدن الضفة الغربية وقطاع غزة ووقعت صدامات مع قوات الاحتلال ، واعتقل المئات وجرح العشرات وطرد المئات من أعمالهم في ذلك اليوم الخالد الذي تحول الى يوم للأرض تحتفل به كل الجماهير العربية في جميع اماكن تواجدها·
وبعد يوم الارض أثيرت قضية الاعتراف بالسكان العرب في اسرائيل كأقلية قومية · ومعروف ان الحكم العسكري الاسرائيلي لا يمنح العرب اية حقوق جماعية الا على اساس الانتماء الديني ، وهذا لا يحدث في حالة الاقلية المسلمة من دون مراقبة من قبل السلطة وتدخل فيها (مثلا قضية الوقف الاسلامي وتعيين القضاة الشرعيين) ·
وكان الثلاثون من مارس عام 76 لحظة انعطاف متميزة في تاريخ نضال الشعب الفلسطيني في الأرض المحتلة عام 1948 وذلك بسبب أن هذا اليوم كان تأكيدا لحقيقة الانتماء الوطني لهذه الجماهير، ورفضها لمصادرة ما تبقى من أرضها ، الأمر الذي يعتبر تأكيدا للرفض القديم لكل ما صودر ، كما كان إعلانا واضحا منها بتمسكها بأرضها ورفض اقتلاعها منها · وأن أحداثه جاءت متميزة بتحول نضالي قائم على الفعل والمبادرة قبل أن يكون قائما على رد الفعل ، فقد أبدت الجماهير يومها استعدادا كبيرا للمشاركة والتضحية والمقاومة ، فقد كانت أحداثه ضخمة والمشاركة فيه واسعة ، مما دفع السلطة الإسرائيلية لقمع المسيرات بشكل وحشي مما ادى إلى استشهاد ستة فلسطينيين وجرح العشرات واعتقال المئات ·
عرب 48 ·· نبذة تاريخية
تعيش الاقلية العربية التي نما عددها من 160 الفاً عام 1948 الى ما يزيد عن المليون نسمة حالياً تناقضاً معقداً بين انتمائهم القانوني لدولة لا تعترف الا باليهود مواطنين فيها، وبين انتمائهم الحقيقي الى الشعب الفلسطيني الذي اتجهت مؤسسته الرسمية (منظمة التحرير الفلسطينيه سابقاً ، والسلطة الفلسطينية لاحقاً) إلى قبول مشروع دولة فلسطين في الضفة الغربية وقطاع غزة والتي لن تضم المناطق التي يعيش فيها هؤلاء السكان·
وقد تعرض الشعب الفلسطيني في المناطق المحتلة عام 1948 -كما بقية الشعب الفلسطيني في داخل فلسطين والشتات- إلى تحولات اجتماعية وسياسية كشفت مدى ارتباطهم بهويتهم الفلسطينية التي يطلق عليها الباحثون اسم 'فلسلطنة' في مواجهة ذوبان هذه الهوية أو طمسها 'المواطنة الاسرائيلية' -اسرلة· وقد تأثر وضع هؤلاء الفلسطينيين منذ تأسيس الدولة العبرية وحتى الآن بما كان يجري سلماً او حرباً على جبهات الصراع العربي- الإسرائيلي وبما كان يعيشه الشعب الفلسطيني من تحولات فكرية سياسية وتبدل في أساليب النضال ضد الاحتلال من القتال من خارج الحدود ، إلى اندلاع الانتفاضة عام 1987 إلى توقيع اتفاقيات أوسلو عام ،1993 و 'وآي بلانتيشن' ، وصولاً الى مشروع إعلان الدولة الفلسطينية المرتقب في الضفة الغربية وقطاع غزة وانتفاضة الاقصى·
وكان من الطبيعي ان يجد العرب الفلسطينيون في تلك البقعة من ارض فلسطين أنفسهم مع بداية احتلال فلسطين أقلية مقهورة ومستضعفة تواجه خطر الاحتلال والذوبان ·
وقد اختار الخطاب السياسي الإسرائيلي اسم عرب ،48 وربما تكون هذه التسمية الرقمية هي الأولى والأخيرة في تاريخ الأمم·
والعرب في إسرائيل هم جزء من الشعب الفلسطيني في تشكلهم التاريخي، وفي مبناهم الحاضر، وتسميتهم بالأقلية العربية في إسرائيل او حتى عرب 48 كان مع نشوء قضية الفلسطينيين واقامة دولة إسرائيل في فلسطين هي نقطة الانطلاق او البداية في كتابة تاريخ الفلسطينيين خارج إسرائيل·
وما اصبح يميزهم عن بقية الفلسطينيين هو نقل وجودهم إلى هامش المجتمع الإسرائيلي كأقلية دائمة داخل دولة اليهود ، كمواطنين في دولة لم يختاروا المواطنة فيها، ولم تقم هي من أجلهم كمواطنين ، دولة ليست دولتهم ، وذلك وفقاً لما تعرف هذه الدولة نفسها به ، وتحدد هويتها نظرياً وعملياً ، قانوناً وممارسة·
فقد عرفت إسرائيل منذ تأسيسها كدولة يهودية 'دولة تجسد القومية وتخدم المصالح القومية للشعب اليهودي'· وحقيقة فان الشخصية اليهودية لإسرائيل واضحة من كل زخارف وجودها الرسمية ·· من نشيدها الوطني الى ختامه ، شعاراتها ، تقويمها ، وطوابع بريدها ·
وكانت القضية الاولى التي واجهها النظام السياسي في اسرائيل فيما يتعلق بعلاقته بالفلسطينيين هي قضية الهوية وحدود المجتمع ، فالهوية الاسرائيلية -عرفت على اساس اثني- ديني ، وخصوصًا تطابق الهوية المدنية والانتماء اليهودي ، ولذلك فان المجتمع الاسرائيلي غير اليهودي ، وخصوصاً الاقلية الفلسطينية ·
وهذه الظروف جعلت الاقلية العربية في داخل اسرائيل تعيش حالة من الغموض في التصور الصحيح لهويتها ، فيما اذا كانت أقلية في اسرائيل ، أم تابعة للأمة العربية العريقة في الشرق الاوسط وفيما اذا كانت اسرائيلية ام فلسطينية ؟ ·
والسياسات التي انتهجتها 'دولة اسرائيل' ضد العرب شكلت عاملاً مهماً في ابراز تميز العرب عن الاكثرية اليهودية لانها حددت مكانة الاقلية العربية كجماعة مرفوضة وهامشية على المستوى الرسمي والشعبي·