أحمد شعبان (القاهرة)
أكد الدكتور محمد مطر سالم الكعبي، رئيس الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف، أن الفقه الحضاري لبناء الدولة قد تعرض لتشويه في فهمه، وتطرف في طرحه من قبل جماعات تنسب نفسها إلى الإسلام، وتعتبر الجنة حكراً على من يعتنق مفاهيمها المنحرفة، وترتكب باسم الدين أبشع الجرائم الإرهابية، وتتبنى في إقامة دولتها الإسلامية المزعومة تفسيرات مغلوطة لنصوص القرآن الكريم والسنة النبوية.
جاء ذلك خلال مشاركته في أعمال المؤتمر الدولي الثلاثين للمجلس الأعلى للشؤون الإسلامية التابع لوزارة الأوقاف المصرية، الذي انطلقت أعماله أمس بالقاهرة، ويستمر يومين، تحت عنوان: «فقه بناء الدول.. رؤية فقهية عصرية»، برعاية الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، ورئاسة الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف، ومشاركة 90 وزيراً ومفتياً وعالماً من مختلف أنحاء العالم.
وقال الكعبي: ليس غريباً أن نناقش في هذا المجلس الموقر فقه بناء الدولة برؤية عصرية على منصة جمهورية مصر العربية الشقيقة، التي خلد القرآن ذكرها بقوله على لسان نبي الله يوسف عليه السلام حين قال: «ادخلوا مصر إن شاء الله آمنين»، فلقد قامت على أرض مصر الحبيبة دول حضارية عريقة، حققت لشعوبها استقرارها وازدهارها، وأفاضت على الإنسانية من علومها وخيراتها، وهي لا تزال نموذجاً للدولة المدنية الحديثة، وتحظى بمكانة ريادية في الساحة العربية والإسلامية والدولية.
ووجه الكعبي تحية مفعمة بالحب والتقدير، إلى الحضن العربي الكبير مصر العروبة والأمان، مصر الأزهر والأخوة الإنسانية، مصر الحضارة والريادة، التي تلقى كل الدعم والتأييد من شقيقتها دولة الإمارات العربية المتحدة وقيادتها الرشيدة. وتشارك دولة الإمارات في المؤتمر بوفد رفيع المستوى برئاسة الدكتور محمد مطر سالم الكعبي، رئيس الهيئة العامة للشؤون الإسلامية والأوقاف، ويضم المستشار السيد علي الهاشمي، مستشار الشؤون الدينية والقضائية بوزارة شؤون الرئاسة، والدكتور جمال سند السويدي مدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، ومعالي الدكتور علي راشد النعيمي، رئيس المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة. وأكد الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف، خلال كلمته في الجلسة الافتتاحية، أن قوة الدولة قوة لجميع أبنائها وقوة للدين وللأمة، وبالتالي فإن بناء الدول وتقوية مؤسساتها مطلب هام وأساسي، مشدداً على أنه بقدر اختلال هذا الانتماء أو ضعف ذلك العطاء والنكوص عن التضحية بالنفس أو المال في سبيل الوطن، يكون ضعف الدول أو سقوطها أو تمزقها، مؤكداً أن الوقوف خلف الحاكم العادل مطلب شرعي ووطني لا يستقر أمر الوطن إلا به.
وأكد الدكتور شوقي علام، مفتي مصر، أن مصر بلد الأزهر الشريف تتصدى لأكاذيب وأراجيف الجماعات والتنظيمات الإرهابية التي تجعل من الدولة الوطنية نقيضاً للدولة الإسلامية وتجعل من الوطن مجرد حفنة تراب، وذلك على غير الحقيقة وما يعكسه الواقع من حث الشريعة الإسلامية على الانتماء للوطن وبذل الغالي والرخيص للدفاع عنه.
كما أكد المستشار السيد علي الهاشمي، مستشار الشؤون الدينية والقضائية بوزارة شؤون الرئاسة، على أنه لكي يتم بناء دولة قوية وصاعدة، وتكون عنواناً للدول الراقية، يجب أن تتبنى هذه الدولة العدل والحق والنصرة، وتنبني على ركائز من الأخلاق والقيم التي دعت إليها الأديان ودعا إليها الإسلام، لأن هذه القيم والأخلاق هي أساس بقاء الأمم. وأشار الهاشمي في تصريح خاص لـ«الاتحاد»، إلى أن الإمارات دولة قامت بفضل الله سبحانه وتعالى وبهمة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، على التسامح والعدل والبذل والسخاء، وعلى معاملة المسيء بالإحسان حتى يرتدع.
جمال السويدي: بناء الدولة الحديثة على أسس المواطنة
دعا سعادة الأستاذ الدكتور جمال سند السويدي، مدير عام مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية، إلى بناء الدولة الوطنية الحديثة على أسس المواطنة وسيادة القانون، وقال إن عوامل بناء الدولة الوطنية وترسيخ أركانها وتحقيق طموحاتها في التنمية والتطور، لم تعد لغزاً، فوصفة النجاح والتقدم باتت معروفة للجميع، وأولى خطواتها تحقيق الاستقرار والأمن في دولنا ومجتمعاتنا، وترسيخ دولة المواطنة وحكم القانون، ومجابهة الأفكار المسمومة التي تروج لها الجماعات الدينية السياسية.
جاء ذلك خلال مشاركته في مؤتمر «فقه بناء الدول.. رؤية فقهية عصرية». وقد استهل الدكتور السويدي كلمته أمام المؤتمر، بالحديث عن الهجمة الشرسة للجماعات والتيارات الدينية المتطرفة التي تسعى إلى تقويض الدولة الوطنية، وقال: لم يعد خافياً علينا جميعاً أن القاسم المشترك بين جميع التيارات الدينية السياسية، هو أنها جميعاً ترفض فكرة الدولة الوطنية، وترى في الوطن مجرد «حفنة تراب»، ولا تؤمن بالحدود الجغرافية للدول الحديثة، وتسعى إلى إعادة أمتنا إلى عهود اندثرت، متجاهلة حقيقة أن الإسلام ترك للناس حرية اختيار ما يناسبهم، من نظم حكم وإدارة بما يواكب العصر الذي يعيشون فيه، تجسيداً لقول الرسول، صلى الله عليه وسلم: «أنتم أعلم بشؤون دنياكم».
وأكد الدكتور السويدي، أن ترسيخ أسس الدولة الوطنية الحديثة في عالمنا العربي والإسلامي هو خيار لا بد منه، والحديث بشأن تحقيقه هو حديث طويل.