14 يناير 2011 22:01
بتعيين "بيل دايلي" كبيراً لموظفي البيت الأبيض يكون قد صعد إلى موقع متقدم في السلطة أحد أشد المدافعين عن التجارة الحرة في أميركا، ولاسيما أنه قاد في السابق حملة ناجحة عندما كان يعمل مع إدارة كلينتون للمصادقة على اتفاقية التجارة الحرة مع أميركا اللاتينية المعروفة اختصاراً بـ"نافتا".
ولكن على رغم رجوعه اليوم إلى البيت الأبيض لم يبدِ بعد أوباما استعداده للدفع باتفاقيات التجارة الحرة مع حلفائنا في أميركا اللاتينية، فقد حذر أوباما في العام الماضي خلال خطاب عن "حالة الاتحاد" من أنه "إذا جلست أميركا على الهامش فيما البلدان الأخرى توقع اتفاقيات للتجارة الحرة فإننا سنفقد فرصة خلق الوظائف"، حيث تعهد حينها بمضاعفة الصادرات الأميركية بحوالي 15 في المئة بحلول عام 2015 من خلال "المبادرة الوطنية للتصدير"، كما تعهد بـ"تعزيز علاقاتنا التجارية مع شركائنا الأساسيين مثل كوريا الجنوبية وبانما وكولومبيا". وكان لمثل هذه الوعود دور كبير في تحفيز دول أميركا اللاتينية وإنعاش الأمل لديها في تحسين علاقاتها التجارية مع الولايات المتحدة. ولكن ما حصل في الشهر الماضي لا يبشر بتحقيق هذه الوعود، إذ في الوقت الذي أعلنت فيه إدارة أوباما أنها ملتزمة بالمصادقة على اتفاقية التجارة الحرة مع كوريا الجنوبية بعد مراجعتها تراجع الناطق باسم البيت الأبيض، عن التزام أوباما بالتصديق على اتفاقية مماثلة مع كولومبيا وبانما على رغم الوقت الطويل الذي استغرقته للمراجعة، مبرراً ذلك بقوله إنها "لا تحظى بقبول الناخبين".
والحال أن الإدارة لم تبذل أي جهد سياسي لكسب الأصوات الضرورية للمصادقة على الاتفاقية المهمة مع حلفائنا في أميركا اللاتينية قبل أن تقرر الاستسلام ورفع الراية البيضاء.
والحقيقة أن إدارة أوباما لو كانت مضطرة للاختيار بين التوقيع على الاتفاقية مع كوريا الجنوبية أو دول أميركا اللاتينية لقلنا إن الأولوية الاقتصادية والأمنية تفرض عليه قراره بتأخير المصادقة على اتفاقية كولومبيا وبانما، فكوريا الجنوبية على كل حال يفوق ناتجها الإجمالي المحلي بثلاث مرات ما تنتجه كولومبيا وبانما مجتمعتين، كما أنه في ظل الهجمات التي شنتها بيونج يانج على جارتها الجنوبية تمثل الاتفاقية إشارة إلى الإقليم بأن الولايات المتحدة تدعم حليفتها اقتصاديّاً وأمنيّاً، ولكن الإدارة لم تكن في وضع يدفعها إلى التضحية بأميركا اللاتينية وكان بإمكانها التوقيع على الاتفاقيات جميعها دون مشاكل، فالقادة الجدد في مجلس النواب الأميركي يؤيدون، خلافاً للنواب السابقين، التوقيع على اتفاقية التجارة الحرة مع البلدين في أميركا الجنوبية، وهم أكثر تفهماً من غيرهم لضرورة الانخراط في التجارة الحرة مع العالم الخارجي، وكان بمقدور إدارة أوباما الضغط قليلاً في إطار جهودها لتكريس التعاون الحزبي في أميركا لنيل الأصوات الضرورية لتمرير الاتفاقية.
وأكثر من ذلك أن أميركا خسرت حصة مهمة من أسواقها بمماطلة الإدارة الأميركية بسبب تقدم كل من البرازيل والأرجنتين وكندا بتوقيع اتفاقيات تجارية جديدة مع كولومبيا في وقت انخفضت فيه الصادرات الزراعية الأميركية بمعدل النصف إلى كولومبيا.
ويبقى التفسير الأرجح لمثل هذا التحفظ الأميركي في التوقيع على اتفاقية للتجارة الحرة مع كولومبيا وبانما هو تخوف الإدارة من استياء الناخبين الليبراليين وقاعدة أوباما بعدما تنازل لـ"الجمهوريين" بتمديد الإعفاءات الضريبية للأغنياء الأميركيين وخفض الضريبة على العقار، ولاسيما أن فريق أوباما يهيئ نفسه للانتخابات المقبلة ولا يريد إغضاب قاعدته الانتخابية من اليساريين والليبراليين، فقرر التضحية باتفاقية التجارة الحرة مع أميركا اللاتينية لإرضاء مؤيديه في الداخل.
وهنا لابد من التذكير بأن هذه ليست هي المرة الأولى التي تعاني فيها أميركا اللاتينية من تردد الإدارات الأميركية وتراجعها عن التزاماتها السابقة، إذ غالباً ما تصطدم وعود الرؤساء الأميركيين تجاه النصف الجنوبي للقارة الأميركية بالصراعات السياسية الداخلية التي تعصف بالوعود على حساب مستقبل الشراكة القارية، ففي عام 2001 أعلن بوش ونظيره المكسيكي "فوكس" خلال قمة ثنائية عن تقاسمهما لرؤية مشتركة حول إصلاح شامل للهجرة، ولكن إثر اللغط الذي أثاره ذلك من قبل معارضي بوش اضطرت الإدارة إلى سحب تعهداتها وخرج "فوكس" من السلطة دون تحقيق ما وعد به الناخبين.
أما اليوم فكولومبيا تمثل أحد أهم حلفاء الولايات المتحدة في أميركا اللاتينية، فهي ترأس اللجنة التي تشرف على تطبيق العقوبات على إيران، كما أنها تعاونت مع واشنطن لتقديم الدعم الأساسي للمكسيك في حربها ضد عصابات المخدرات، وفي أفغانستان وفرت كولومبيا بطلب من أميركا التدريب للقوات الأفغانية لمكافحة المخدرات والتصدي لها.
ولاشك أن تراجع أميركا عن اتفاقية التجارة الحرة التي وقعت مع كولومبيا قبل أكثر من أربع سنوات والتقاعس عن تمديدها سيمثل ضربة للبلاد ولرئيسها المنتخب مؤخراً والموالي لأميركا.
وأكثر من ذلك أن مؤدى الرسالة التي تبعث بها أميركا إلى كولومبيا وبانما هو أنها تتخلى عن أصدقائها في أول امتحان فيما هوجو شافيز يقدم النفط المدعوم لدول أميركا اللاتينية الموالية له، دون تأخير.
برنارد أرونسون
مساعد سابق في وزارة الخارجية لشؤون الأمركتين
ينشر بترتيب خاص مع خدمة
«واشنطن بوست وبلومبرج نيوز سيرفيس»