أعطى شكعل حسن 1000 دولار للمهربين وهو واثق من أنه بذلك يكون قد أمَّن مروره من ليبيا إلى إيطاليا، وإلى سوق العمل الكبيرة في الاتحاد الأوروبي· غير أنه بعد ثلاثة أيام في مياه البحر الأبيض المتوسط، اعترضت القاربَ السريع الصغير الذي كان يقل الشاب الصومالي ذا الثلاثة والعشرين عاماً، إضافة إلى أربعة وعشرين مهاجراً غير شرعي آخرين دورية بحرية تابعة للاتحــــاد الأوروبي، وتم اقتيـــاد الجميــــع إلى مركز اعتقــــال بجزيرة مالطا المجـــاورة التي تعد أصغر دولة عضو في الاتحاد الأوروبي·
ويروي حسن قصته فيقول إنه فر من العاصمة الصومالية مقديشو بعد مقتل صديقه المقرب في تبادل لإطلاق النار بين المليشيات· ولكنه اليوم وبعد مرور خمسة أشهر في جزيرة مالطا يرى أن الآفاق المفتوحة أمام مستقبله باتت محدودة للغاية، إذ يقول: ''إن الشعب المالطي لا يريدنا· كما أنه لا يوجد عمل هنا وحين نجده، فإننا لا نتقاضى شيئاً''، مضيفاً: ''في الصومال إما أن يعيش المرء أو يموت··· أما هنا، فأنا لست بصدد الموت، ولكنني لست حياً أيضاً· وكل ما أريده اليوم هو الذهاب إلى إيطاليا''· وحسن هذا واحد من بين 2500 أفريقي تقريباً -أغلبيتهم من الصومال وإرتيريا وإثيوبيا والسودان- وصلوا إلى مالطا هذا العام، غير أن بعض التقارير تفيد بأن 550 مهاجراً آخرين فروا من الحرب والفقر ماتوا خلال الرحلة، وإن كـــان من المرجح أن يكون الرقـــم الحقيقي أكبر مــن ذلك بكثير·
ونظراً لموقعها الجغرافي، توجد جزيرة مالطا التي تبلغ مساحتها 112 ميلاً مربعاً على الخطوط الأمامية للمعركة التي يخوضها الاتحاد الأوروبي ضد الهجرة غير الشرعية؛ حيث درست الحكومة المالطية منذ 2002 ملفات 11500 لاجئ ومهاجر اقتصادي· وفي محاولة لإغلاق الباب المتوسطي المفضي إلى أوروبا، تعهد قادة الاتحاد الأوروبي السبعة والعشرون بتشديد إجراءات مراقبة الحدود وسد الفراغ في سوق العمل بعمال من بلدانهم· غير أن ذلك لم يثن القوارب عن الاستمرار في القدوم، متحديةً الأمواج والدوريات البحرية والجوية المكثفة التي يقوم بها الاتحاد· بيد أن كل موسم العبور -بين شهري مارس وسبتمبر تقريباً- يجلب معه ازدياداً في التوتر العرقي بالجزيرة حيث يشتبك المالطيون، المتجانسون عرقياً والمعروفون باهتمامهم الكبير بالسياسة وشعورهم الوطني المتوقد، مع المهاجرين، في وقت باتت فيه الرسومات المعادية للمهاجرين شيئاً مألوفاً على جدران العاصمة المالطية فاليتا· وفي هذا الإطار يقول نيل فالزون، الممثل المحلي للمفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة: ''هناك تنامٍ بشع لمشاعر معاداة الأجانب هنا، والحكومة تتحمل نصيباً من المسؤولية عن ذلك''، مضيفاً: ''ذلك أنها تستمر في محاولة الترويج لفكرة أن مالطا لا يمكنها أن تتعاطى مع هذا الوضع· والحال أن عليها أن تقـــوم بادماجهم في الوظائف والتعليم وغيرهمـــا، بدلاً من المشاركة في هذا النوع من الهستيريا الوطنية''·
ومعروف أن مالطا هي العضو الوحيد في الاتحاد الأوروبي الذي يعتقل بشكل تلقائي كل المهاجرين غير الشرعيين لفترة تصل إلى 18 شهراً -يوجد منهم حالياً حوالي 2000 في مخيمات مزرية- ولكن هذه السياسة تلقى تنديداً واسعاً باعتبارها غير إنسانية وتمثل ربما انتهاكا لاتفاقية جنيف· وقد أُطلق سراح حسن المذكور أعلاه في سبتمبر الماضي ومُنح حماية إنسانية -وهو وضع يُمنح لكل اللاجئين القادمين من الصومال خاصة- ويعمل حالياً ست ساعات في اليوم بإحدى ورش البناء حيث يتقاضى 3,5 يورو في الساعة (4,90 دولار) ويقتسم سريراً من طابقين في مركز مكتظ ورثٍّ أقيم لإيواء القادمين الجدد الذين ليس لديهم مكان يذهبون إليه·
وتقول القوانين الأوروبية الحالية -المعروفة باسم اتفاقية دبلن 2- إن حسن لا يستطيع الخروج من البلاد التي يطلب فيها اللجوء؛ غير أن حكومة يمين الوسط في مالطا تقود جهوداً لدفع المفوضية الأوروبية لمراجعة هذه الاتفاقية، حيث تقول إن موارد البلاد استنفدت إلى حد الانهيار جراء التدفق المفاجئ للمهاجرين· وفي هذا السياق يقول كارميلو ميفسود بونيتشي، وزير العدل والشؤون الداخلية المالطي: ''حين أتى أول قارب، كنا نعتقد أنه سيكون ثمة 100 شخص في حاجة للرعاية، فأنشأنا مركز اعتقال مؤقتا من أجلهم· غير أنه في غضون أسبوع، استقبل المركز 200 شخص، ومنذ ذلك الوقت لم يتوقف أبداً عن استقبال المزيد''، مضيفاً: ''هؤلاء الأشخاص لا يريدون القدوم إلى هنا، بل يريدون الذهاب إلى إيطاليا أو ألمانيا أو هولندا حيث لديهم أقارب أو أصدقاء· إننا جزيرة صغيرة وهذه المشكلة أكبر منا بكثير''·
وحتى الآن، رد الاتحاد الأوروبي عبر إنشاء صندوق بقيمة 5 ملايين يورو (7 ملايين دولار) لتشجيع طالبي اللجوء على العودة إلى بلدانهم مقابل الاستفادة من ''منحة للاستقرار من جديد''· كما عرضت الولايات المتحدة دخول 200 من صوماليي مالطا، وتعهدت باستقبال 400 آخرين العام المقبل· وإذا كانت هذه الجهود تلقى الإشادة والترحيب، فإن بونيتشي يقول إن التدابير المتخذة حتى الآن مازالت دون المطلوب· وفي هذه الأثناء، يحث النشطاء المحليون الحكومة المالطية على تليين موقفها من المهاجرين· ويقدرون أن 98 في المئة من المهاجرين الشباب لا يتلقون التعليم، وأن نحو نصف المهاجرين الـ4000 المفرج عنهم يعيشون في مركزين مكتظين لا يستوفيان الشروط الصحية· ويقبل المهاجرون وظائف الأعمال اليدوية التي يترفع عنها المالطيون الذين يتلقون تعليماً جيداً بشكل متزايد، ولكن فكرة استقرار سكان أفارقة في الجزيرة ما زالت غير مقبولة، عموماً، بالنسبة لعديد من المالطيين·
ويقول القس جوزيف كســار وهو من مركز لإيـــواء اللاجئين يدافع عن حقوق المهاجرين: ''إن النتيجة ستكــــون كارثــــة اجتماعيـــة لا محالة، وأخشى أنه في غضون خمس سنوات ستصبح لدينا جيتوهات وأعمال عصيان مدني وصعــود لليمين المتطرف··· إن هؤلاء الأشخاص فروا من الحدود القصوى للسلوك البشري -التعذيب والاغتصاب والعنف- والفقــر المدقــع· وليس من الإنصاف أن نعاملهم باحتقار وازدراء في أوروبا، بهذه الطريقة''·
آيدن جونس - فاليتا
ينشر بترتيب خاص مع خدمة كريستيان ساينس مونيتور