نوف الموسى (دبي)
صوت نافورة دبي، في هطولها الأخير الساقط بجلّ قوته على الأرض، بعد انتهاء المعزوفة القريبة جداً من «أوبرا دبي»، شكل اللوحة الشاعرية الأولى، لخلفية اللقاء بمعالي الأديب محمد المر، الذي قال عنها بابتسامة ساحرة: «في كل مرة، أشاهد فيها رقصة النافورة، تظل ساحرة ومدهشة»، وربما هو الحس المأخوذ بـالمكتبة الأنيقة في «دار أسولين»، بدبي مول، المليئة بالكتب الزاخرة برسومات ونصوص رفيعة، عاكسةً لواجهة كلاسيكية للمتجر الثقافي، اختاره «المجلس الوطني للإعلام»، مساء أول من أمس، لعقد لقاء ثقافي، يثري التواصل الفكري في الأماكن العامة، ويوجه «الانتباه» إلى التجربة الثقافية في ماهية صناعة «الكتب الجميلة» ومساراتها التي تدرجت إلى تصنيفات عدة من بينها كتب الـ «Coffee Table»، مقدماً كتاب «أم كلثوم في أبوظبي» نموذجاً لثراء المضمون وفخامة الطباعة.
وتوقف جمهور المناقشة، حول الكيفية العملية لـتعميق ما أسموه بـ«الترويج الثقافي» للكتب الجميلة في العالم العربي، والتي اعتبرها معالي محمد المر، مهمة أساسية، تستدعي النقد الأدبي، والإدراك الموضوعي من قبل المنصات الإعلامية، لأدوارها المفصلية في نسج الثقافة ضمن الحياة اليومية للأفراد.
انغماس المثقفين في الجلسة، بإذابة السكر الخفيف، في قهوة الـ (سبرسو)، جاءت شبيهة بشغف الأديب محمد المر، وهو يصف تصوير الحيوانات والبشر، في الأناجيل والمأثورات، ضمن أهم كتب التراث الإيرلندي في بداية القرن الـ19، مترحلاً في حديثه نحو العالم الإسلامي في القرن الـ13، بروية وخفة الفنان العربي محمود الواسطي، وهو يجسد مقامات الحريري، مشكلاً بذلك أهم الكتب الجميلة في الفن العربي، والموجود حالياً في المكتبة الوطنية في باريس. وقبل الولوج للحديث عن ظاهرة «تجميل الكتاب» في العالم الأوروبي مجدداً، وتحديداً كتاب «Book of hours»، أكد الأديب محمد المر أنه رغم ما يقال عن التحفظ الإسلامي حول رسم الأشخاص، إلا أن التاريخ يظهر مستوى التساهل والجمالية عبر الإنتاجات العربية، لاسيما أنه في غزو المغول لبغداد، فقدت الحضارة العربية والإسلامية الكثير من المخطوطات والرسومات، إلا أن هناك كتباً حفظها التاريخ مثل «دلائل الخيرات»، والتي تمثل إحدى تلك البدائع الإسلامية في مجال «الكتب الجميلة»، ولكنها تستدعي النقد الفني، للمساهمة في ديمومة حراكها المجتمعي، وذائقتها الثقافية، كما يحدث مع «ألف ليلة وليلة».
المقهى العام، والتفاف المثقفين الإماراتيين والعرب في الجلسة المطلقة على مجرى مائي، لمح لمشهدية الستينيات، التي عاصرت انطلاق ظاهرة كتب الـ «Coffee Table»، الذي أشار إليها المر عبر كتاب «أم كلثوم في أبوظبي»، مؤكداً أن الرهان الأساسي في اعتباره رافداً للكتب الجميلة في المنطقة، هو إنجازه لمعيار المضمون (الثراء الأكاديمي، فنية الخط العربي، مستوى تحسين الفوتوغرافيا، جودة الطباعة الفاخرة)، إضافة إلى كونه الكتاب الوحيد الذي وثق زيارة كوكب الشرق، خارج الإطار المصري، بهذا الاحتفاء التوثيقي البديع، ولأهمية المناسبة في توازيها مع قيام اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة.متعة النقاش الثقافي، في تحوله إلى فضاء يدفع بالمحرك المجتمعي، نحو مسؤولية الدفع بالثقافة نحو الممارسة اليومية، سعى لها حضور الجلسة عبر مداخلاتهم، وخاصة محور «الترويج الثقافي»، الذي رأى المر أنه لا يزال ضعيفاً في مجال المنتج العربي، سواء على مستوى الكتب الجميلة أو الكتب العربية عموماً. حيث لا نملك برنامجاً يدعم الكتاب بشكل عملي سوى «مهرجان طيران الإمارات للآداب»، وهو برنامج يقدم باللغة الإنجليزية، وبهذه المناسبة، قالت إيزابيل أبو الهول مديرة مهرجان «طيران الإمارات للآداب» في مداخلتها إنها سعت طوال العامين الماضيين إلى التواصل مع منصات إعلامية، لإحداث ترويج أكبر للبرنامج العربي في المهرجان، ولكنها لا تلاقي تفاعلاً إيجابياً، متسائلة حول السبب الفعلي لذلك، ورجح المر أن ضعف الاهتمام بـ«فن الترويج» يعود إلى التكاسل عن اتباع أنماط «عملية» لإثراء تجربة القراءة والكتابة، بالانتقال بالكتاب من الناشر إلى الصحيفة والإذاعة والتلفزيون ومن ثم النقاشات العامة، جميعها وسائل (تذكير/ تنبيه) للجمهور، ضرورية، لكسر الانشغالات السريعة، في حياتنا العصرية.