في سابقة تاريخية من نوعها بسوق العمل الأميركية، نجحت خريجات الجامعات العام الجاري في انتزاع نصف فرص العمل المتاحة أو أكثر من ذلك بقليل. ويثير هذا مخاوف من احتمال تأثر عدد أفراد الأسرة بالانخفاض في أميركا مستقبلاً، لانشغال الزوجة بمستقبلها الوظيفي، خاصة بعد لجوء الشركات إلى تعديل قائمة البدلات والمزايا الوظيفية، لاجتذاب صاحبات المؤهلات الجامعية بدرجة أكبر من الذكور.
وتشكل المرأة ما يصل إلى 46.6% من قوة العمل الإجمالية في الولايات المتحدة عموماً. ومع بداية الألفية الثالثة وصلت نسبتهن إلى 45% من شريحة قوة العمل الحائزة على مؤهلات جامعية. ومنذ عام 2013، بلغت هذه النسبة نحو 49%. وفي العام الجاري، تخطت الجامعيات هذه النسبة للمرة الأولى، ليقتسمن فرص العمل مناصفة مع الذكور من الشريحة نفسها، أو أكثر من ذلك بقليل.
وتوصف هذه النسبة بأنها تطور إيجابي من نوعه، وتشكل تتويجاً لأكثر من 40 عاماً من الجهود، إذ سيصبح أمام المرأة الأميركية فرص أوسع للكسب، وتحقيق الاستقلالية المالية المنشودة، ناهيك عن القدرة على تخطيط حياتهن بإرادتهن.
وتشير أرقام مكتب الإحصاء الأميركي إلى أن المرأة تولت مسؤولية إعالة أكثر من 26% من الأسر الأميركية عام 1980. وبحلول عام 2018، ارتفعت النسبة إلى 30.5% وإن كانت عوامل اجتماعية أخرى أوسع نطاقاً قد أسهمت في تعزيز الظاهرة أيضاً.
وتفسر إليس جولد، كبير المحللين في معهد السياسات الاقتصادية، الظاهرة بقولها إن المرأة تلجأ إلى تحسين مؤهلاتها التعليمية للحصول على المزايا الوظيفية نفسها للذكور الأدنى تعليماً. بمعنى آخر، تدفع الفجوة في الأجور بين الذكور والإناث عند مستويات تعليمية متباينة المرأة إلى تحسين مستواها التعليمي باستمرار للحصول على راتب أفضل.
ومن المرجح أن تستمر هذه الظاهرة استناداً إلى التطورات التي حدثت خلال العقود الأربعة الماضية. فمنذ ثمانينيات القرن الماضي، شكلت النساء غالبية دارسي الجامعة الراغبين في الحصول على شهادة البكالوريوس. وبحلول عام 1999، استأثرت الإناث بنسبة 57% من حائزي هذه الدرجة العلمية، واستقرت النسبة عند هذا المستوى تقريباً طيلة العقدين التاليين.
وتسهم عوامل عدة في تحديد حصة المرأة من سوق العمل لذوي المؤهلات الجامعية مستقبلاً ومنها، حجم الطلب المستقبلي على المهن التي تهيمن عليها النساء، إثر التوسع في الأتمتة على مثل هذه الوظائف، وطبيعة سياسات رعاية الأطفال وكبار السن.
ومن اللافت أن ارتفاع أعداد الجامعيات في سوق العمل دفع الشركات الأميركية إلى إعادة هيكلة المزايا الوظيفية المتاحة لاجتذاب المزيد منهن وإغرائهن بمواصلة العمل. ففي عام 2015 على سبيل المثال، لوحظ أن 6% من أرباب الأعمال الذين يوظفون 20 ألف عامل أو أكثر، منحوا العاملات مزايا التغطية المالية الكاملة لبرامج تجميد البويضات.
وقفزت هذه النسبة نحو ثلاثة أضعاف لتصل إلى 17% بحلول عام 2018. وبدا جلياً أن إدارات الموارد البشرية في الشركات باتت تولي اهتماماً أكبر بالعاملات المتعلمات، فتمنحهن مرونة أكبر في ترتيبات العمل، وفي حق الحصول على إجازات مدفوعة الأجر بغرض رعاية الأطفال.
وخلال الفترة من 2015 إلى 2018، ارتفعت نسبة الشركات سخية اليد في تقديم مثل هذه المزايا الوظيفية، ومن أبرزها الإجازات مدفوعة الأجر لرعاية المواليد. وقفزت نسبة هذه الشركات من 24% إلى 40% خلال تلك الفترة. كما لوحظ تحسن ملموس في نسبة العاملات ممن يشغلن مراكز قيادية في السلم الوظيفي للشركات لتوافر أعداد أكبر من الحاصلات على مؤهلات جامعية، وهو شرط متعارف عليه للترقي الوظيفي.
ورغم هذا التحسن الملموس، مازال معدل الطلب على بعض الوظائف يعتمد على نوع جنس طالب التوظيف بصفة رئيسة، ومنها وظيفتا التدريس والتمريض. إذ تعتبر الخريجات الوظيفتين فرصة جيدة لتحقيق الدخل، وإن كانت رواتب الفئتين أدنى عموما من الفرص الأخرى المتاحة للذكور بصفة أساسية. ولعل بقاء مستوى المعروض مرتفعاً لهاتين الفرصتين هو ما يعادل مثل هذا الخلل.
من جهة أخرى، يهدد التوسع في توظيف خريجات الجامعة بخلق مشكلات اجتماعية مستقبلاً. فقد لوحظ انخفاض معدل الخصوبة بين العاملات، جراء اهتمامهن بمستقبلهن الوظيفي بدلاً من اتخاذ قرار بناء أسرة والإنجاب في التوقيت المناسب. ويعني هذا تقلص عدد المواليد ومعدل النمو الكلي في قوة العمل، مع ارتفاع أعداد كبار السن في المجتمع. وبطبيعة الحال، يترجم هذا إلى التوسع في الإنفاق الحكومي لرعاية المسنين. وهي مشكلة.
بقلم: ليخيتا بوتشير إديجاري