بسام عبد السميع، سعيد الصوافي (أبوظبي)
عبر سماع حديث دائر بين عدد من المواطنين عن ضرورة «الواسطة» لتوظيف شاب مواطن، حدثت الصدمة وتولدت الفكرة، فكيف لهذه الكلمة أن تتردد بين أوساط المواطنين الباحثين عن عمل، بالتزامن مع الحديث الإعلامي الدائم عن جهود حثيثة للتوطين والبحث عن مواطنين لشغل الوظائف، وقبل ذلك توفر قوانين الدولة الخاصة بالشفافية مع تنوع الفرص وكثرتها في أرض «اللامستحيل»، لتبدأ رحلة التحقيق التي لم تكتمل لأسباب تتعلق بمستوى التواصل من جانب بعض الجهات العاملة على التوطين، وأدت أحياناً لضبابية في المشهد العام لقضية التوطين، وغياب الإدراك لمستوى تناغم الواقع مع البيانات الرسمية لبعض الجهات المختصة بتوظيف المواطنين، ومن يسبق الآخر في معركة التنمية «التوطين» أم تمكين المواطنين لشغل الوظائف؟
وفي المقابل، وعند السؤال عن الباحثين عن عمل من المواطنين والمواطنات، كانت رحلة الوصول إليهم سهلة وسريعة، ويجري عدد من الباحثين عن عمل مقارنات بين قيمة الراتب في القطاع الحكومي وفي الخاص ورغبة كثيرين في الحصول على راتب مرتفع في بدء مسيرته العملية، فيما يرغب آخرون بالحصول على فرصة عمل في القطاع الخاص أو الحكومي لبدء المسيرة العملية مع اعتزامهم تطوير مهاراتهم، والانتقال إلى مواقع عمل أخرى في المستقبل ذات دخل مرتفع وأثر فعال لجهودهم ومشاركتهم في مسار التنمية والتطور الوطني.
وما بين معارض التوظيف وجهات حكومية وخاصة، أكد عدد ممن ارتادوها، أن بعضها شكلية و«ديكور» لم تحقق نتائج حقيقية وأغلبها للعرض والتصوير، وبمعنى آخر «شو إعلامي»، مشيرين إلى أن ارتيادهم جهات عديدة حكومية وخاصة لم يسفر عن شيء سوى زيارة هذه الأماكن.
وتقول المواطنة عهد كرامة، بكالوريوس علاقات عامة: تخرجت العام الماضي وبدأت رحلة البحث عن وظيفة مستخدمة الطرق التي تعلن عنها الجهات الرسمية، فذهبت إلى 7 معارض توظيف وقدمت الأوراق المطلوبة، والتقيت عدداً من مسؤولي الموارد البشرية في الجهات العارضة ولم تثمر تلك المحاولات عن شيء، سوى التأكد من أن معارض التوظيف للعرض والتصوير فقط، وبمعنى أدق «شو»!
وتابعت: «تفاءلت خيراً عندما تم الإعلان عن توفير نظام وآلية جديدة للحصول على فرصة عمل عبر رحلة «تم»، حيث قدمت السيرة الذاتية فتم ترشيحي إلكترونياً لـ95 فرصة وظيفية من جانب نظام «تم»، الذي يوفر الاطلاع بشفافية على مسار الطلب الوظيفي، وقامت 8 جهات حكومية وخاصة بالاطلاع على طلب التوظيف عبر «تم». وبسؤالها عن النتيجة النهائية لمحاولاتها المتكررة، أفادت بأنه أشبه بالجري في حلقة مفرغة في تجربة أكدت غياب تفاعل أي من الجهات المعلنة عن شواغر وظيفية للمواطنين، لأنها بعد كل هذا لم تتلق أي اتصال من أي جهة.
واختتمت إفادتها بقولها «لا أملك سوى تكرار المحاولات، لكني أشك في حدوث نتائج إيجابية».
التمكين الوظيفي للمواطن
ومن المؤكد، أن عملية بناء الدول يصبح الاعتماد فيها على أبنائها الركيزة الأساسية في مختلف القطاعات ومع تطور سوق العمل، وخروج الوظائف والعمالة التقليدية، يتوافر لدى الدول قليلة تعداد السكان فرصة ذهبية لزيادة حصة أبنائها في مختلف القطاعات، وتقليص الاعتماد علي العمالة الوافدة خاصة في ظل وصول التكنولوجيا لكل نواحي العمل المتنوعة والقطاعات كافة، وهو ما يؤكد ضرورة التمكين للمواطن ليشغل وظيفة تحل مكان عشرات الأفراد الوافدين، معتمداً على التقنية والمهارات الرقمية والمعرفية.
وفي غضون سنوات قليلة يصبح أبناء الدول قليلة التعداد السكاني هم المحور الرئيس في الأعمال الحكومية والخاصة، ويتوقف استقدام الوافدين على الخبرات والكفاءات غير المتوافرة محلياً.
سنوات البحث
وأما المواطنة دولة علي سالم، التي تخرجت عام 2016، شهادة بكالوريوس إعلام، فتحكي قصة أعمق، قائلة: «قدمت أنا وزميلات لي في كثير من الأماكن والدوائر الحكومية والقطاع الخاص وعبر «تم» و«تسهيل» وأجرينا مقابلات عديدة، وحصلنا على وعود بالعمل، وفي كل هذا لم نشترط راتباً محدداً، بل كنا نؤكد في كل مقابلة أن قضيتنا هي العمل، والنتيجة 4 سنوات من البحث، ولم نعثر على شيء».
وبسؤالها عن صديقاتها قالت «أنا في تواصل دائم مع زميلاتي وصديقاتي من الجامعة، وقد حدث معهم السيناريو نفسه».
ما زالت تنتظر
وأما أمل الجنيبي خريجة معهد الإمارات للدراسات المالية والمصرفية 2019، التي عملت خلال دراستها في قسم التدقيق بأحد بنوك أبوظبي، وأجرت مقابلات للتوظيف في هيئات محلية بالإمارة، وقدمت سيرتها الذاتية في قطاعات كثيرة في أبوظبي، فقد أسعفها الحظ.. إلى حد ما.
التحقت أمل ببرامج تدريبية عديدة، آخرها برنامج «تمكين» داخل شركة إعلامية لمدة 6 أشهر، واتصلت بها الشركة لتوقيع عقد العمل خلال يونيو الماضي، وقامت بتوقيع العقد، وإلى الآن تنتظر مكالمة طلبها للعمل!! ولا تعرف هل ستعمل أم لا؟، ولم تستطع الحصول على إفادة من الموارد البشرية بهذه الشركة.
وتابعت: «لم أتعجب من هذه النتيجة التي وصلت إليها فقصص وحكايات الباحثين عن عمل مليئة بالمفارقات، ولكن ما حدث معي مثير فعلاً للاستغراب، فقد طلبت من الشركة التي تدربت فيها تسليمي شهادة تفيد بالتحاقي ببرنامج (تمكين) لمدة 6 أشهر لأضمها إلى أوراقي المقدمة في جهات أخرى للحصول على وظيفة، إلا أن المفاجأة كانت في عدم الرد على طلبي الذي يشكل حقاً بسيطاً لكل متدرب»، مختتمة إفادتها بالتساؤل عن جدوى هذه الممارسات وكيف تحدث؟.
التخصص والمهارات المتوافرة
وبدوره قدم حسين النعيمي الحاصل على دبلوم في ديسمبر 2018 تخصص هندسة ميكانيكا، على عدة وظائف عبر توطين وشركات حكومية، ما دفعه للتقديم في القطاع الخاص عبر أحد البنوك والشركات الصناعية دون أن يتلقى إجابة.
وبمراجعته بشأن التوجه لقطاعات مغايرة لتخصصه التعليمي، أفاد بالقول: «إن عدم وجود فرصة في مجالي التعليمي دفعني للبحث في أي مجال آخر رغم اعتقادي بأن هذه المحاولة غير صائبة، وهو ما سأعمل على تفاديه خلال المرحلة المقبلة»، مضيفاً: أخطأت بالتوجه لقطاعات مغايرة لمؤهلاتي التعليمية، داعياً زملاءه المواطنين الباحثين عن عمل بالتوجه المباشر إلى القطاع الخاص أو الحكومي وفق التخصص التعليمي والمهارات المتوافرة.
اختبارات تعجيزية
وأما المواطنة مريم الكندي، حاصلة على «دبلوم عالي» من كليات التقنية العليا، فتقول: «لا أزال أبحث عن وظيفة منذ سنوات إلا أنني لم أتمكن من تحقيق ذلك رغم متابعتي لمعارض التوظيف وتسجيلي في مختلف القنوات الخاصة بالتوظيف».
وبينت أن العديد من مؤسسات القطاع الخاص تضع اختبارات تعجيزية لقبول التوظيف دون النظر إلى التخصصات التي يحملها المواطن.
وطالبت الكندي، بإعادة النظر في آلية تعيين المواطنين بجانب برامج التدريب والتأهيل ونشر الوعي الاجتماعي في وظائف مختلفة، وتوجيههم في تخصصات تناسبهم.
وفي جانب آخر من القضية، تبين أن عدداً من الباحثين عن عمل، غير مؤهلين إما مهارياً أو تعليمياً، أو لغياب الجدية في اكتساب متطلبات الالتحاق بالوظائف الحالية، ناهيك عن وظائف المستقبل، التي تتطلب الذكاء والمهارة والتصميم والإبداع.
تشريعات ومبادرات
ومن الجدير بالذكر، أن الإمارات أقرت منذ سنوات، إجراءات داعمة لرفع مستوى مشاركة الكوادر المواطنة في سوق العمل، كإصدار القرارات الملزمة للمؤسسات العاملة في قطاعات محددة، كالقطاع المصرفي وقطاع التأمين، بتوظيف الكوادر المواطنة، بمعدلات سنوية تصل إلى 4%، وتحفيز الشركات والمؤسسات الخاصة على المشاركة في عملية التوطين، من خلال تحمل الدولة جزءاً من المكافآت الشهرية التي يحصل عليها المواطنون العاملون في تلك المؤسسات، بالإضافة إلى تحمّل تكاليف التدريب المقدمة للموظف المواطن.
مضاعفة التوطين
وفي العام 2016، أعلنت الإمارات عن استهدافها مضاعفة عدد المواطنين العاملين في القطاع الخاص إلى 10 أضعاف الرقم المسجل في العام 2016 بحلول عام 2021، ولغرض سد الفجوة الهيكلية التي يتميز بها سوق العمل الإماراتي من حيث غلبة القوى العاملة الوافدة على المحلية، وتمركز أغلب المواطنين في القطاع الحكومي، بينما العمالة الوافدة في القطاع الخاص.
وأطلقت الحكومة الاتحادية مبادرة التوطين، لزيادة انخراط المواطنين الإماراتيين في سوق العمل، وبشكل خاص في القطاع الخاص، وأولت أهمية كبرى لخلق فرص وظيفية لهم، وتوفير ما يلزم من برامج الإرشاد والتوجيه المهني، والتدريب والتطوير، وتشجيع المواطنين للالتحاق بالعمل.
وتشجع حكومة الإمارات كلاً من القطاعين العام والخاص على تعزيز سياسات توطين الوظائف في الجوانب كافة، وذلك من خلال تأسيس إدارة خاصة للتوطين، وزيادة حصة نسبة المواطنين في قطاعات العمل المختلفة، فضلاً عن تقديم الحوافز لرفع معدلات المواطنين العاملين في القطاعات المختلفة.
إفــادات جهـــات «التوطيـن» عبـــر
بالتواصل مع الجهات المسؤولة عن تنفيذ التوطين لم يتسن لـ«الاتحاد» الحصول على إفادة بشأن قصص المواطنين الباحثين عن عمل الواردة في هذا التحقيق وغيرها من قصص البحث عن وظيفة، وتلك معضلة أخرى في الإفصاح عن الجهود والآليات التي تنفذها تلك الجهات لتحقيق «التوطين» أو «التمكين»، كما أنها ليست متوازية مع منهج الدولة في تطبيق أعلى المعايير والشفافية وتنفيذ توجيهات القيادة الرشيدة بالتواصل مع الجمهور والحديث بصراحة عن قضايا الناس، وتنتظر الصحيفة عبر موقعها الإلكتروني -alittihad@alittihad.ae- لاستقبال إفادات الجهات حول هذه القضية وما هي نتائج الجهود المبذولة بشأن التوطين أو التمكين، وأن تكون مدعمة بالأرقام الحقيقية عن عدد المسجلين في نوافذ التوظيف، وعدد المستهدفين وعدد الذين تم تعيينهم وفي أي القطاعات تم توظيفهم والجهات المسؤولة عن تنفيذ «التوطين».
واستناداً إلى تقرير المصرف المركزي بشأن العاملين في الدولة حتى نهاية مارس 2019، بلغ إجمالي العاملين في الدولة 5.06 مليون موظف وعامل، بما فيهم المواطنون، ويستحوذ القطاع الخاص على 78.5%، بنحو 4 ملايين عامل وموظف، فيما يستحوذ قطاع البناء والعقارات على 45.9% من إجمالي العاملين في الدولة، وسجل الربع الأول نمواً في عدد العاملين بنسبة 1.2%، ووفقاً للتوزيعات الجغرافية يتواجد في إمارة أبوظبي نحو 27.1% من العاملين بالدولة، و51.6% في دبي و21.4% بالمناطق الشمالية.
وبالاطلاع على هذه البيانات تتبادر تساؤلات عديدة تتركز في كم نسبة المواطنين إلى عدد الوظائف المشغولة فعلياً والمناسبة لعمل المواطنين سواء في القطاع الحكومي أو في الخاص؟ وكم عدد الباحثين فعلياً عن عمل حالياً؟ وما هو إجمالي الفرص المتاحة للمستويات التعليمية المختلفة للمواطنين؟ وما هي القطاعات التي يمكن أن تستوعب هذه الأعداد؟ وما صحة الأرقام المعلنة بشأن التوظيف للمواطنين أو التمكين؟ وما حقيقة ظاهرة «التوظيف الشكلي» للمواطنين؟ وما جدوى معارض التوظيف مقارنة بإعلانات وظيفة بالصورة التقليدية عبر الصحف والمواقع الإلكترونية؟ وما هي تكلفة معارض التوظيف وأيام التوظيف المفتوحة، مقارنة بعدد الذين يتم إلحاقهم بتلك الجهات؟ وما أبرز نتائج المبادرات التي تم إطلاقها لتمكين المواطنين؟.
دعم لوجستي للتوظيف
تعد رحلة «تم» عبر موقع https://www.tamm.abudhabi/journeys/find-a-job/؟lang=ar، أبرز الآليات اللوجستية في أبوظبي لإيجاد أكثر الفرص الوظيفية ملاءمة لتطلعات وطموحات الباحثين عن عمل،
وعبر موقع وزارة الموارد البشرية والتوطين https://www.mohre.gov.ae/ar/our-services/jobseeker.aspx، تتوافر فرصة التقديم للحصول على عمل خلال دقيقتين.
كما يوفر رابط بوابة حكومة دبي الإلكترونية بيانات عن كثير من فرص العمل في مؤسسات رائدة في القطاعين العام والخاص
http://www.dubai.ae/ar/citizens/pages/default.aspx؟category=Citizens