محمد نجيم (الرباط)
لا تحظى القصة البوليسية في العالم العربي بالمكانة التي تحظى بها في الغرب، حيث حظيت برواجٍ هائل وانتشار واسع يفوقان ما نالته الأنواع الأدبية الأخرى مجتمعة. ففي فرنسا وحدها، توجد ثلاث سلاسل كتب بوليسية هي: (السلسلة السوداء) و (القناع) و (النهر الأسود).
وقد نشرت القناع، خلال الخمسين سنة الأولى من تأسيسها، أكثر من 1350 رواية، طبعت من كل واحدة منها ما معدّله 25000 نسخة. وباعت هذه السلسلة 130 مليون نسخة، منها مليون ونصف المليون نسخة من رواية «مقتل روجر اكرويد» للكاتبة البريطانية (أغاثا كريستي). وعلى ذكر هذه الكاتبة، فإن روايتها البوليسية «المصيدة» تُمثَّل على أحد مسارح لندن منذ سنة 1952 يومياً بلا انقطاع، وهو رقم قياسي لم تبلغه أيٌّ من مسرحيات وليم شكسبير. وحسب الدكتور علي القاسمي، الذي ترجم مؤخراً كتاباً يؤرخ القصة البوليسية. وهو من تأليف جوليان سيمونز، فإن القصة البوليسية أكثر الكتب ترجمة إلى اللغات الأخرى. ففي إحصائية لليونسكو، احتلت الكاتبة (أغاثا كريستي) المرتبة الثالثة (بعد لينين وتولستوي) للكتّاب الذين يحظون بالترجمة أكثر من غيرهم في العالم.
ويرى الدكتور القاسمي أن الكثير من النقاد العرب يميلون إلى الاعتقاد بأن القصة الحديثة، رواية وأقصوصة، قد عرفها الأدب العربي في أواخر القرن التاسع عشر نتيجة احتكاكه بالأدب الغربي قراءة وترجمة. غير أن الأدب العربي سرعان ما أقلم هذا النوع الأدبي لبيئته، وطعَّمه بثقافته، وسخّره لأغراضه، فكتب القصة الأصيلة وطوّرها مضموناً وشكلاً. مضيفاً: يحقُّ لنا أن نتساءل لماذا لم يكتب الأديب العربي القصة البوليسية، على الرغم من أنَّ كثيراً من القصص البوليسية قد تُرجِم إلى العربية ولقي رواجاً ملحوظاً ونال انتشاراً مُشجِّعاً؟ لقد أعملتُ الفكر في هذه الظاهرة، باحثاً عن عِللها، مستقصياً أسبابها، كما طرحتُ المشكل على عدد من الأدباء والنقّاد، فوقفتُ على تعليلات متنوِّعة، وتلقّيتُ تفسيرات متعدِّدة.