29 نوفمبر 2008 00:43
أصبح انخفاض أسعار الطاقة يشكل أنباءً سارة لجموع المستهلكين في جميع أنحاء العالم· ولكن الغريب أن هذا الانخفاض أصبح يشيع أيضاً نوعاً من الارتياح المطلوب في أوساط كبريات شركات النفط العالمية· وكانت أسعار النفط الخام والجازولين المرتفعة قد ساعدت شركات الطاقة العالمية على تحقيق أرباح قياسية في العام الماضي قبل أن تتمكن بعض هذه الشركات مثل كونوكو فيليبس من الاستمرار في هذا الازدهار حيث بدأت الدخول في الربع الثالث من العام بقفزة في الأرباح بنسبة بلغت 41 في المائة· إلا أن انتشار التباطؤ الاقتصادي في جميع أرجاء العالم أدى إلى تراجع الطلب على الوقود الأحفوري وبعث بالأسعار إلى أدنى مستوى لها في فترة قصيرة مقارنة بـ 145 دولارا للبرميل في يوليو المنصرم وسعر حالي يراوح مستوى 50 دولاراً للبرميل·
كما أن العديد من الخبراء ما زالوا يعتقدون أن هذا السعر ربما يمضي إلى المزيد من الانخفاض، وهو أمر من شأنه لا محالة أن ينال من هوامش الأرباح التي تحققها كبريات شركات النفط الغربية·
ولكن ورغم ذلك فإن التراجع في أسعار النفط يمكن أن يحمل في طياته أيضاً بعض المكاسب والفوائد لهذه الشركات· فالخام الذي ظلت أسواقه ساخنة حتى وقت قريب أدى إلى مستوى غير مسبوق في تضخم التكاليف في قطاع الطاقة وشجع الحكومات على ممارسة ضغوطها السياسية من أجل رفع الضرائب على الأرباح وجعل من الصعب على الشركات إبرام صفقات طويلة المدى من أجل الدخول إلى الاحتياطيات الجديدة الهائلة·
أما الآن فإن جميع هذه العوامل المهددة أصبحت في طريقها للتراجع والانزواء بسبب انخفاض الأسعار وفي نفس الأثناء فإن الأحوال المالية لهذه الشركات نادراً ما اتسمت بهذه القوة التي تشهدها حالياً· فالمسيرة الطويلة نسبياً لارتفاع أسعار الطاقة سمحت لهذه الشركات بالعمل على تحصين ميزانياتها وتقليل حجم ديونها إلى مستويات تاريخية بالاضافة إلى تمكنها من تكديس أموال سائلة بأحجام هائلة·
وقال جاري اوافر نائب رئيس ادارة بيزنيس النفط والغاز في شركة ديلويت للاستشارات ''إن عمالقة النفط العالميين ولدوا لكي يبقوا على مر الزمان أمام مختلف الأعاصير''·
وبينما ظل الانخفاض في أسعار النفط يعمل على تقليل الدخل المستدر من انتاج النفط فإن هذا الانخفاض استمر يتم تعويضه ولو بشكل جزئي من قوة الأرباح المتحققة من عمليات التكرير والتسويق·
ففي أوائل هذا العام كانت الشركات تعاني الأمرّين من أجل تحميل المستهلكين بعضاً من التكاليف المرتفعة للخام· أما الآن فإن هذه المسألة قد عكست اتجاهاً فيما يبدو خاصة في الربع الثالث من العام عندما انخفضت أسعار الوقود في محطات التوزيع بمقدار أكبر من الانخفاض في أسعار الخام· وهو الأمر الذي أدى إلى انتفاخ هوامش الأرباح في كبريات الشركات التي لا تعمل فقط في استخراج النفط وإنما أيضاً في تكريره وبيع الجازولين إلى جموع المستهلكين· ويقول مارك جيلمان المحلل في شركة بينش مارك ''أعتقد أن المناخ الأمثل لكبريات شركات النفط ذلك الذي ترتفع فيه الأسعار ثم تتجه إلى الانخفاض''·
وبالاضافة لذلك فإن كبريات شركات النفط العالمية أصبحت تتطلع إلى الاستفادة من المناخ الحالي لانخفاض الأسعار عبر استخدامها لموقفها المالي القوي من أجل شراء الشركات والموجودات الخاصة بمنافسيها المتعسرين والأصغر حجماً·
وفي خلال فترة العامين الماضيين ظلت هذه الشركات الكبيرة تجأر بالشكوى من أن ارتفاع الأسعار قد شجع الدول الغنية بالنفط على الحد من الدخول إلى الاستكشافات والفرص الجديدة· إلا أن المحللين أصبحوا يتوقعون الآن أن التغير في التدفقات النقدية سوف يجبر بعض هذه الدول لا محالة على مواجهة المشاكل المالية في تنفيذ العديد من المشروعات الكبرى·
بل إن هذه الشركات التي أضحت متسلحة بالميزانيات القوية والأموال النقدية والخبرة العملياتية قد أصبح بإمكانها مرة أخرى أن تستعيد مكانتها كشريكة لا غنى عنها للدول الغنية بالموارد في ظل ما تعانيه من ضغوط متزايدة في تطوير المشاريع الضخمة والأكثر أهمية لهذه الدول·
و يقول توم كوران محلل الطاقة في شركة واشوفيا للسندات والأوراق المالية المعني بمتابعة نشاط التراخيص الممنوحة من الحكومات الأجنبية ''أعتقد أننا سوف نشهد نوعاً من الابتعاد عن تلك الروح الوطنية التي ظلت سائدة في الماضي فيما يختص بالموارد· وفي خلال فترة الـ 18 أو 24 شهراً المقبلة سوف يحدث تحسن هائل في الشروط الخاصة بالتراخيص الممنوحة لشركات النفط العالمية''·
وهنالك عامل آخر من شأنه أن يساعد شركات النفط الغربية بسبب انخفاض الأسعار وهو يكمن في أن المنافسة على الموارد في الصناعة سوف تقل قوتها كثيراً نتيجة لاتجاه الشركات الأصغر حجماً نحو خفض برامج التكاليف الرأسمالية ومعاناتها في الحصول على التمويل، وهو الأمر الذي سيؤدي إلى تقليل تكاليف خدمات حقول النفط مثل التصوير السيزمائي أو أسعار تأجير الحفارات وأسعار المواد الأولية مثل أسعار الفولاذ التي شهدت انخفاضاً بمعدل بلغ 65 في المائة منذ الصيف بينما انخفضت أيضاً أسعار الاسمنت بمعدلات متفاوتة·
ولكن المحللين ما زالوا يحذرون من أن هذه الفوائد والمكاسب ربما لن تتحقق إذا ما استمرت أسعار النفط في التراجع إلى مستويات اكثر من ذلك طالما أن العديد من المشاريع المستقبلية قد جرى تنفيذها على أساس سعر بمستوى 60 دولاراً ولا يقل عن 50 دولاراً للبرميل·
عن ''وول ستريت جورنال''
المصدر: أبوظبي