7 أغسطس 2010 20:07
تبدو مائدة الطعام الإماراتية زاخرة بعشرات الاطباق، منها المتأصلة في أرض الإمارات، ومنها الوافدة إليها مع أصحابها، والتي تعكس ثقافة ملايين المقيمين القادمين للعمل فى الدولة من قارات الدنيا الست. هكذا أمكن المطبخ الإماراتي الشهي أن يستوعب أطباقاً لبنانية ومصرية ومغربية وهندية وباكستانية وصينية ومكسيكية وأميركية أيضاً، وراحت هذه الوجبات جميعها تزاحم الأكلات الشعبية المعروفه مثل الهريس والثريد واللقيمات التي ظلت، إلى وقت قريب، تتسيد المائدة الاماراتية.
آلاف المطاعم الاجنبية المنتشرة في طول البلاد وعرضها تقدم في الوقت الراهن وجبات شهية متعددة المذاقات والاشكال والالوان. ورغم انها اقيمت فى البداية لسد رمق ابناء جلدتها بوجبات اعتادوا على تناولها فى بلدانهم، الا انها تشهد حالياً اقبالاً من جنسيات أخرى، حتى انها تقدم الطبق الواحد بأكثر من نكهة، فصرنا نسمع الآن عن برياني اماراتي، وآخر هندي، وثالث باكستاني.
وسط هذا الكم الكبير من انواع الطعام ماذا يأكل الاماراتيون؟ وهل تغير المطبخ الاماراتي بالفعل شأن غيره من مطابخ الأرض؟
يقول عبدالله الخميس، منسق انشطه بأحد المراكز التجارية: بالطبع، يوجد خليط كبير فى المجتمع من جنسيات متباينة في الوقت الراهن، حدث بينها احتكاك اسفر عن تبادل للعادات ومنها الطعام، ونحن الاماراتيين لم نكن بمعزل عن هذا التطور، فصرنا نتناول كل شيء من الوجبات الوافدة الى جانب اطباقنا الرئيسية، وأنا شخصيا تعجبني المشاوي اللبنانية، بأشكالها المختلفة، والسمبوسة الهندية، لكنني لا احب المحاشي على عكس بعض افراد اسرتي الذين تستهويهم، وعندما اعد وليمة احرص على تنويعها بمأكولات عربية وغربية.
ويردف قائلاً: لكل ثقافة خصوصيتها في الطعام تميزها عن سواها، وشوربة الحريرة المغربية وثمار البحر الصينية التي تحتوي على كل ما هو موجود في احشاء البحر: سمك، جمبري، حبار، كابوريا، هي الأشهر ويفضلها كثيرون، وفى حين يهوى البعض الحلوى البحرينية بنوعيها الملكي والعادي، يقبل اخرون على الكنافة بالعسل التى توجد منها اصناف عربية كثيرة. باختصار لا توجد وجبة واحدة يفضلها الجميع كما كان الأمر من قبل، والمسألة تتفاوت من شخص لآخر، البرياني مثلا يفضله كثيرون، ويعتقد البعض خطأ انه طبق اماراتي، لكنه فى الأصل هندي، ونحن طورناه بأن اضفنا اليه المكسرات، وخففنا من حدة البهارات فيه، وصار يوجد اكثر من صنف.
تغير المزاج
بدورها ترى فاطمه سجواني، مدرسة، أن المزاج الاماراتي تغير في الأكل واصبح يهوى اصنافا غير إماراتية، مصرية، عراقية، اميركية، صينية، هندية. وتقول: المائدة الاماراتية تطورت بالفعل نتيجة تعدد الثقافات الموجودة في الامارات وتأثرها ببعضها، ومن ثم حدث تغير متبادل في كل شيء، وبالتبعية العادات الغذائية ونوعيتها شكلا وموضوعا، وفي الماضي مثلا كان كل افراد الاسرة يجلسون على الارض، يتناول طعامهم فى اناء واحد، ويلتزمون بمواعيد محددة لذلك، أما الآن الكل صار يأكل من طبق خاص به، ولاينتظم في الجلوس مع كل أفراد العائلة. وتضيف: العادات الشكلية تغيرت، وظروف الحياة واختلاف مواعيد العمل ربما تكون السبب في ذلك، وهناك من يفضل تناول غذائه في المطعم لضيق وقته، وهو يأكل أصنافاً مختلفة عن تراثنا ومع الوقت اعتاد عليها واصبحت فيما بعد وجبته الرئيسية.هناك سبب اخر هو ان بعض الاسر لديها ازدواج فى الثقافة ، مثل تلك التى يكون فيها الاب او الام اماراتي والاخر من جنسية اخرى، وكلاهما بالطبع يتأثر بعادات الآخر الغذائية ويراعيها فى كل تصرفاته.
الظاهرة منتشرة اكثر بين الشباب الذين يرغبون في مجاراة الجديد، بينما يحافظ جيل الآباء على تراثنا الشعبي في الطعام.
تقول سجواني: أبناؤنا يفضلون وجبات المطاعم الاجنبية المنتشرة في كل مكان بنكهاتها الغريبة عن مجتمعاتنا، وخاصة طلبات”الدليفري” التي تطارك بعروضها اينما ذهبت، تلح عليك بوجباتها، والشباب يحبون التغيير بطبعهم، ويمكنهم ان يستغنوا عن الاكلات الشعبية، ويندفعون الى الاصناف الوافدة، معتقدين انها تحافظ على مظهرهم الخارجي ورشاقتهم، او ان اكلاتنا تسبب السمنه! عكس الآباء والاجداد الذين يتمسكون بالمائدة القديمة، ويمكن ان يتناولوا الطعام الوافد ايضا لكن في المناسبات أو في اوقات متباعدة. وتضيف: اولادي يحبون الوجبات الاجنبيه مثل المعكرونة بانواعها، والمحاشي المصرية والشامية، والمرأة الاماراتية واكبت هذا التغيير الثقافي، واصبحت تتقن طهي اكلات وافدة من اجل ارضاء ذوق الابناء.
تروق الوجبات المكسيكية والاميركية لـمحمد مجاهد، طالب، وهو يقول: في الاولى احب طبق”فاهيتا”، وهو عبارة عن خبز مكسيكي ملفوف بشرائح دجاج او لحم، وبعض الكريمة والخضار. وفي الثانية يطيب لى اللحم المشوي. ويضيف: المسألة مرتبطة بوقت الوجبة، في العشاء مثلا اتناول اكلات تقليدية بسيطة: معكرونة لبنانية، مع شوربة خضار مغربية، او شوربة عدس مصرية... أما الفواكه فأحب المانجو الهندي والبرتقال المصري.
لكن مريم السويدي، موظفة، تعشق الأكلات الهندية الحارة المشبعة بالبهارات.تقول: اتناول البرياني والكاري الهندي، وهو عبارة عن خبز مع لحم وكثير من البهارات، وكذلك اللحم المكسيكي المشوي، وهو شهي لذيذ الطعم. تضيف: اجيد طهي هذه الاصناف وافضلها على الأكلات الشعبية. وبالنسبة للاصناف العربية، فطبقي المفضل هو “التبولة” والمشويات اللبنانية و”الكبة” السورية، و”الكيك”المصري.
وتخضع بدريه آل علي لريجيم تحافظ به على رشاقتها، وتعتقد ان الأكلات الاماراتية تسبب زيادة الوزن، وتحتوي على معدلات مرتفعة من الدهون. وتقول: بعض الاطعمة الشعبية تسبب السمنة لانها تحتوي على نسب كبيره من السمن والطحين واللحم، ووجبتي المفضلة هي ـ”الفتوش” اللبنانية، وهي سلطة تتكون من كل انواع الخضروات تقريباً، وقيمتها الغذائية كبيرة. وتضيف: لكنني مع ذلك اكسر احياناً نظامي الغذائي، واتناول المحشي المصري بكافة انواعه: ورق عنب، باذنجان، كوسه، او الملفوف واللحم، وأجيد طهي هذه الاصناف، لكن اخوتي يفضلون الوجبات السريعة مثل “البرجر” و”الفطائر”.
العودة في المواسم
مع ذلك هناك عودة شبه جماعية للمائدة الإماراتية في الاعياد والمواسم مثل شهر رمضان الكريم، وعيدي الفطر والاضحى. تقول السجواني: هذا حقيقي، ففي تلك المناسبات تتسيد الوجبات الاماراتية مرة اخرى المائدة التي تخلو تقريباً من اى اطعمة اخرى وافدة، وتتزين بأطباق اللقيمات والهريس والثريد التي تفضلها الغالبية بعد الصيام في الشهر الكريم، وربات البيوت لا تطهينها فى الايام العادية كثيرا، ربما لأنها تأخذ وقتا طويلا في اعدادها يصل احيانا الى عشر ساعات. ليس هذا وحسب، بل تعود لنا في هذه المناسبات عاداتنا الجميلة الاخرى مثل الالتزام بمواعيد الطعام في اوقات الافطار والسحور، ويلتقي القاصي والداني ايضا خلال هذه المواسم الجميلة.
الرأي نفسه يطرحه عبد الله الخميس، ويضيف: الثريد والهريس واللقيمات تكاد تكون وجبات كل الاماراتيين والطبق الرئيسي في الشهر الكريم والاعياد، واذا خلت منها السفرة يكون الطعام متواضعا في عرفنا، وهي تؤكل على مدار العام بالطبع، ولكن بمعدل قليل لانها تحتاج الى مجهود. يضيف: الوافدون يحبون هذه الاصناف ايضا، ويتناولونها بنهم.
ابحث عن المناسبة
المناسبات تحدد شكل المائدة اذن؟ يقول الخميس: بالفعل تتغير المائدة الاماراتية حسب المناسبة، والامر ليس قاصراً على الاعياد وحسب، أيضاً في الافراح والولائم تمتد السفرة لتأخذ نصف مساحة الحجرة تقريبا لكثرة الاصناف المعروضه عليها، والتي تكون متنوعة. وإن كان ليس بالضرورة ان يكون الطبق الرئيسي اماراتياً.
رغم ان الاطباق الوافدة اثرت على عادات كثير من الاماراتيين الغذائية، الا ان المائدة لا تخلو من الأكلات الشعبية التي تمثل الطبق الرئيسي فى معظم الاحوال، خاصة بالنسبة للآباء والاجداد. يقول الخميس: هذا تراثنا ولاغنى عنه، وطعامنا غني بالعناصر المفيدة، وانا شخصيا احب ان اتناول الثريد في افطاري، وهو عبارة عن خبز وصالونه يشبه الشوربه، ونسميها “تشريبه”. وتتكون من اللحم او الدجاج، وكذلك”المكبوس” ويتكون من الارز واللحم او الدجاج او السمك، وهى اكله خليجية. كما يوضح: “البلاليط” و”الخبيص” من الاطباق الاماراتية المعروفة وتتكون من البيض والزعفران والكنافة، لكنها ليست رئيسية على السفرة بالنسبة لي في الولائم، عكس “القوزى”وهو عبارة عن ذبيحة بالكامل مثل خروف او ماعز، يتم شيها ووضعها كاملة فوق ارز مطبوخ. وكذلك السمك يعد من الاطباق الرئيسية لاننا خليجيون نطل على البحر، واباؤنا عاشوا فى الماضى على الصيد، وكان مصدر رزقهم وطعامهم، ونحن ورثناه عنهم.
يفضل مجاهد تناول الاسماك على الطريقة الاماراتية، ويعتبرها وجبته الاساسية، يأكلها بانتظام اكثر من مرة فى الاسبوع، يقول: الاطباق البحرية احدى الاكلات المرتبطة بنا، لأننا دولة ساحلية، هي اكلة اماراتية بامتياز وقيمتها الغذائية كبيرة. يضيف: الطعام الاماراتي نوعان: احدهما دسم مثل البلاليط و الباجيلا والدنجو، أو السمك، وانا افضل الاخير.
البعد الصحي
يقول الدكتور سمير غويبه، اخصائي طب الاسرة بوزارة الصحة: اثار هذا التنوع سيئة للغاية، وهو يتسبب بظهور امراض لم تكن منتشرة بين الآباء والاجداد مثل السكر وضغط الدم والقلب.
ويضيف: خرج المطبخ الاماراتي عن مساره، وهذا التغيير في الثقافة الغذائية ناجم عن انتشار مطاعم الوجبات السريعة التي تحمل هوية غير اماراتية. لكن الخطوره تكمن فى ان الجيل الحالي يقبل على هذه النوعية من الوجبات في الوقت الذي يوجد فيه النمط الاماراتي الغذائي الذى اثبت فاعليته، بدليل ان الاجداد يعتمدون عليه، ولك ان تعرف مثلا ان العيش “البر”، وهو اماراتي يتكون من الطحين والتمر واللبن، وايضا”الهريس” عبارة عن قمح ولحم غنم، وقيمته الغذائيه كبيرة جدا. ومكونات المطبخ الاماراتي الغذائية عالية القيمة، والاباء والاجداد لم يكونوا يعرفون “الساندوتشات”، وكان أكلهم الاساسي الارز واللحم والسلطة والاسماك، ومن ثم لم يكونوا يتعرضون لامراض العصر الحالي بسبب ذلك، وحالتهم الصحية جيدة.
وفي تقديري ان الانفتاح في العادات الغذائية اتى بهذه الاصناف من الطعام وغالبيتها ضار. وتسببت فى ظهور مشاكل صحية اصبحت منتشرة بيننا مثل امراض القلب والسكر وضغط الدم وارتفاع نسبة الكوليسترول لان هذه الاطعمة غارقة في الدسم والزيوت والسمنة وهى انظمة غذائية خاطئة، صاحبتها سلوكيات غير صحية ايضا مثل قلة الحركة وركوب السيارة باستمرار ، الامر الذى غير خريطة الامراض للمواطنين والمقيمين وادى الى انتشار السمنه بينهم.
ويضيف: نحن كعرب ليست لدينا للاسف ثقافة غذائية، وهويتنا الغذائية اختلت مع غزو الاطباق الوافدة القادمة مع المقيمين... في تقديري ان المطبخ الاماراتي والعربي يمر بأزمة، وهذه الاطعمة غير مناسبة للبيئة الاماراتية بحريراتها المرتفعة.فالبهارات والمقليات والاطعمة المشبعة بالدسم تزيد الشعور بارتفاع حرارة الجو، اضف الى ذلك ان مكونات بعض الاطعمة مشبوهة وغير مطابقة للمواصفات الصحية مثل “البرجر”، وتجزم احدى الاحصائيات الاميركية بأن بين كل اربع قطع “برجر” توجد واحدة غير ناضجة، وهو ما يؤدي الى ارتفاع حالات التسمم بين الاميركيين الذين يتناولونه باستمرار، لايمكن المقارنه بين “البرجر” و”الهريس” او “الثريد” الذى يبقي على النار لمدة تصل الى اثنتي عشرة ساعة من حيث القيمة الغذائية او حتى المذاقية... كذلك الخبز الاماراتي ويسمى “جباب” يتكون من الطحين والبيض وزعفران وهيل، وهو، علاوة على طعمه اللذيذ، مفيد وظاهره رغيف، لكن باطنه الطاقة.
خارج المنزل
عما يتناول الإماراتيون خارج المنزل يقول احمد بدير احد اصحاب المطاعم الشهيرة: «لا يوجد صنف بعينه احيانا عربي، واحيانا اخرى غربي، وغالبية زبائننا تغير اطباقها من حين لآخر، هم يحبون التغيير شأن الجنسيات الاخرى.. مثلا يطلب احدهم كباباً لبنانياً مرة، وفي المرة التالية يطلبه بنكهة سورية او عراقية، وهكذا. عموماً هم يقبلون على المشويات بالنسبة للاكلات العربية، والمعكرونة بأشكالها المختلفة في الطعام الغربي، إضافة إلى البيتزا والفطائر. وقائمة الطعام الخاصة بنا تشتمل على كل انواع الطعام العربية والاجنبية حتى نرضي جميع الاذواق».
المصدر: دبي