27 نوفمبر 2008 02:17
بانتخاب باراك أوباما رئيساً للولايات المتحدة تتوفر لواشنطن فرصة جديدة لإنعاش علاقاتها مع أميركا اللاتينية، هذا ما خلص إليه تقرير أخير يوصي أميركا بإعادة تقييم سياستها في مجال محاربة المخدرات وانتهاج دبلوماسية التقارب مع كوبا· ويوجه التقرير الذي أعده مسؤولون أميركيون بارزون من الولايات المتحدة وأميركا اللاتينية وأصدره يوم الإثنين الماضي معهد بروكينجز دعوة إلى الإدارة الأميركية الجديدة بوضع أميركا اللاتينية في صلب اهتماماتها الخارجية· ومن بين أهم التوصيات اللافتة التي تضمنها التقرير تغيير شبه كلي للسياسة الأميركية تجاه كوبا، إذ يدعو إلى رفع جميع قيود السفر نحوها المفروضة على الأميركيين والتواصل أكثر مع الدبلوماسيين الكوبيين، فضلاً عن شطب كوبا من قائمة وزارة الخارجية للدول الراعية للإرهاب· ويعبر عن هذه الدعوة إلى تغيير المقاربة الأميركية حيال كوبا ''توماس بيكرين''، الدبلوماسي الأميركي المخضرم ووكيل وزارة الخارجية السابق قائلاً: ''قد يولد هذا التقارب استياء لدى جيل كامل من الكوبيين الذين يتجاوزون الأربعين، لكن الأجيال الأصغر سناً تريد من الولايات المتحدة تغيير علاقاتها مع كوبا''·
ويعتبر توماس ''بيكرين''، السفير السابق للولايات المتحدة لدى السلفادور، أحد رؤساء اللجنة التي أشرفت على إعداد التقرير إلى جانب الرئيس المكسيكي السابق إرينيستو زيديلو، وفي هذا السياق يضيف الدبلوماسي الأميركي أن الأجيال الشابة من الأميركيين من أصول كوبية أقل اهتماماً بعزل حكومة كاسترو مقارنة برغبتها في تحسين ظروف أسرها التي مازالت تعيش في كوبا· وبحسب التقرير فإن من شأن إزالة الحواجز والقيود عن العلاقات بين البلدين أن تشجع الأصوات المعتدلة داخل كوبا وتدفعها إلى مزيد من التقارب مع الولايات المتحدة· لكن التقرير يبحث أيضاً قضايا أخرى عدا العلاقة مع كوبا مرتبطة بأميركا اللاتينية مثل مصادقة الكونجرس الأميركي على اتفاقية التجارة الحرة مع كولومبيا وبنما، وإعادة تقييم السياسة الأميركية في مجال مكافحة المخدرات، تلك السياسة التي يصفها التقرير بأنها فاشلة· ويوضح بيكرين ذلك قائلاً: ''لقد ترددنا كثيراً في الولايات المتحدة قبل الاعتراف بعقم سياستنا في القضاء على تجارة المخدرات، وبدلاً من تسليط الضوء على أنفسنا كنا دئماً نلوم الآخرين ونحملهم المسؤولية''· ويؤكد الدبلوماسي الأميركي أن جهود مكافحة المخدرات في كولومبيا والبيرو وبوليفيا أصبحت أقل نجاحــــــاً من ذي قبل بسبـــــب تحويل التجار لأنشطتهم بعيداً عن الأنظار في وسط الأدغال· وفيمـــــا يوصـــــي التقرير بضرورة استمرار الجهود الأميركية، يركز أيضاً على الحاجة إلى الحد من الطلب الداخلي على المخدرات·
فحسب التقرير لم يتغير عدد المدمنين الأميركيين على الهيروين والكوكايين اليوم مقارنة مع عددهم في الثمانينيات، وهو ما يرجعه التقرير إلى الفشل في وقف إنتاج المخدرات من جهة وإلى العجز الحكومي عن تطبيق برامج الوقاية والعلاج من جهة أخرى· وفي نفس الإطار يقول الرئيس المكسيكي السابق ''زيديلو'' خلال مكالمة هاتفية إن تجارة المخدرات التي تغذيها سوق متعطشة للمزيد منها انتقلت من معاقلها التقليدية في كولومبيا والمكسيك وبوليفيا إلى عموم أميركا اللاتينية· وكان التقرير واضحاً أيضاً بشأن اتفاقية التجارة الحرة مع كولومبيا التي دعا الكونجرس إلى التسريع بالمصادقة عليها حفاظاً على المصداقية الأميركية، مؤكداً أنه يتعين على الولايات المتحدة التقليل من إبرام الاتفاقيات الثنائية والتركيز بدلاً من ذلك على مباحثات التجارة الدولية المعروفة باسم جولة الدوحة· لكن انتخاب أوباما يرسل إشارات ملتبسة حول توقيع الاتفاقية مع كولومبيا، بحيث يُعتقد على نطاق واسع أن أوباما مازال في العمق من مناصري العولمة والتجارة الحرة، إلا أنه قاوم تمرير الاتفافية عندما كان سيناتوراً، خوفاً من أن يؤدي ذلك إلى اندلاع العنف في كولومبيا وتتأثر النقابات العمالية فيها·
ويوضح ستروب تالبوت، رئيس معهد بروكينجز، مهمة أوباما في الشهور القادمة قائلاً: ''سيكون الأمر صعباً على أوباما للعمل مع الكونجرس الديمقراطي والتوفيق بين أهدافه ومبادئه المختلفة أحياناً''، مشيراً في الوقت نفسه إلى احتمال تنامي المشاعر الحمائية في الولايات المتحدة بسبب الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد· ويتوقع الخبراء أنه في حال عدم تمرير الاتفاق مع كولومبيا فإن أول المتضررين سيكون المصدرين الأميركيين، لأن التجار الكولومبيين يحظون بامتيازات مسبقة، ليبقى المتضرر الأكبر، حسب المراقبين، الرئيس الكولومبي ألفارو أوريبي الذي يعتبر من أكثر قادة المنطقة موالاة لأميركا· ويرى الخبراء أيضاً أن انتخاب أوباما قد يغير من طبيعة العلاقة بين أميركا والرئيس الفنزويلي هوجو شافيز، ذلك أن هذا الأخير كما يقول الدبلوماسي الأميركي بيكرين: ''يدرك أن أوباما يمثل الشرائح المظلومة في المجتمع تماماً كما يسعى هو إلى تصوير نفسه في فنزويلا، فهل يريد أن يدير ظهره لأوباما؟''·
وفيما يحجم التقرير عن توجيه انتقادات مباشرة لإدارة الرئيس بوش يؤكد في المقابل أن العلاقات مع أميركا اللاتينية دخلت في السنوات الأخيرة مرحلة من الفتور بسبب اهتمام الإدارة بقضايا عالمية أخرى· ويأتي التقرير بعد الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس بوش إلى بيرو فيما يعتبر آخر زيارة خارجية له للمشاركة في اجتماع دول آسيا والمحيط الهادئ، حيث التقى بالرئيس الصيني ''هو جينتاو'' في إشارة مهمة إلى الدور المتنامي للصين في أميركا اللاتينية· وهذا التواجد الصيني في دول أميركا اللاتينية بات ملحوظاً على أكثر من مستوى سواء في المجال التجاري أو الاستثماري، وهو ما لم يغب عن التقرير الذي توقع تنافساً بين بكين وواشنطن على النفوذ في أميركا اللاتينية·
مارك لاندلير
محلل سياسي أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة نيويورك تايمز