أسماء الحسيني (القاهرة)
أعادت اللحظات التاريخية بقاعة الصداقة في الخرطوم، الفرحة والابتسامة للشعب السوداني من جديد بعد سنوات ثلاثين عجاف، قضاها في بؤس وحروب وتشرد، وها هي جموع الشعب السوداني تخرج بالأمس لا للتظاهر والاحتجاج كما فعلت خلال الأشهر الثمانية الماضية، بل للاحتفال والفرح، وقد رددت جنبات قاعة الصداقة وخارجها أهازيج الفرح وزغاريد النساء السودانيات، تفاؤلاً وتيمناً بالاتفاق التاريخي الذي جاء بعد ليالٍ وأيام حزينة شهدوا خلالها أحداثاً جساماً.
وأهم ما يميز فرح السودان هو تلك اللمسة الإنسانية المتحضرة التي أدهشت كل من حضر وتابع هذا الاحتفال بمكافأة القدر لهذا الشعب الصابر الذي تمكن بكل قطاعاته المدنية والعسكرية أن يثبت للعالم صحة قول الشاعر الكبير أبوالقاسم الشابي: إذا الشعب يوماً أراد الحياة.. فلابد أن يستجيب القدر.
ومن اللقطات المضيئة في الاحتفال، أمس، وجود الصادق المهدي، آخر رئيس وزراء شرعي في السودان في الصف الأول مع رؤساء الدول، وهي إشارة حضارية وذكية في الوقت نفسه، تشير إلى أن الشعب السوداني لا يتخلى عن خياره الديمقراطي، وقد أكد المهدي في كلمته أن هذا البلد أمامه تحديات جدية، وأن الشعب بكل طوائفه قادر ومؤهل للتغلب عليها.
ومن اللقطات الحضارية التي يتميز بها السودان، شعباً وحكومة، هو ذلك التكريم الذي منحه للوسيطين الإثيوبي والأفريقي بأوسمة رفيعة تعبر عن أن السودان لا ينسى من قدموا له العون في وقت الشدة، كما يعبر ذلك أيضاً عن قيمة الوفاء الأصيلة لدى السودانيين.
وكان من اللافت ذلك الاستقبال الشعبي الحار داخل القاعة لرئيس الوزراء الإثيوبي الذي لقى حفاوة ملموسة، وذلك تقديراً لمساعيه ومبادرته لحل الأزمة التي كانت مستحكمة.
وإذا تأملنا في كلمة الدكتور محمد ناجي الأصم التي عبرت عن قوى الحرية والتغيير، نلمس شمولية الرؤية السياسية التي لم تترك أمراً إلا وتعاملت معه، أما في كلمة المجلس العسكري التي قدمها الفريق أول عبدالفتاح البرهان، فقد اتضح أن تلك الفترة الماضية من المفاوضات قد ذوبت الفوارق، واتضح أن الأشقاء في السودان قد أجمعوا على احترام ثورة الشعب وإرادته في التغيير والانتقال إلى الدولة المدنية، واتضح ذلك في حديث البرهان الذي أكد أن المؤسسة العسكرية دورها حماية مصالح ومقدرات الوطن وتدعيم إرادة الشعب، مثلما أشاد ممثل قوى التغيير بدور المؤسسة العسكرية في تأمين الوطن والمحافظة على مقدراته وخياراته.
في الحقيقة لم يخطئ منظمو الاحتفال عندما وضعوا للاحتفال شعار «فرح السودان»، وكأنما لسان حالهم، أنه آن لهذا الشعب أن يخلع رداء الحزن ويشمر عن ساعديه ليبني وطناً يسعد فيه أبناؤه.