بقلم - فيليب سولرز
ترجمة - أحمد عثمان
في هذا الكتاب الخرافي والمجهول اسم مبدعه، تضاف خيالية روائية، الطريقة التي ظهرت بها في أوروبا خلال القرن الثامن عشر، وامتداد سحرها إلى بروست وجويس.
أنا مثلكم: إذا قالوا لي «ألف ليلة وليلة» أرى من فوري، عبر الطفولة، مصباح علاء الدين، كهف علي بابا، السندباد البحري (1)، الحكام القساة، الراقصات الماجنات، الجن، العباقرة، الأبسطة والأسرة الطائرة، الخونة، اللصوص، التحولات اللا نهائية – باختصار، مشهد خرافي خارق يلخص صيغة سحرية : «افتح يا سمسم!». هنا، الصخرة المسحورة، الخزائن والمجوهرات تتبدى وتنساب، الكنز مختف في الجبل، يكفي أن تتكلم نفس اللغة، قوة الكلمة قانون.
في الحقيقة، انه كتاب. افتحوه، صدقوني، إنه قابل للإثبات. ثم، بالتأكيد، هناك شهرزاد، التي تمضي حياتها وسط الليالي، بما أن زوجها المرعب حقد على جميع النساء بعد أن خانته امرأته. هذا الملك المخدوع يعدم كل فجر غنيمته الليلية. وهذا القاتل له أكثر من حجة لغياب ذهنه. نذرت شهرزاد نفسها وقبلت التحدي. تتحكم في جسدي، غير أنني سأحكي لك حكايات رائعة. في الفجر، تكون في حاجة إلى معرفة التتمة ولن تقتلني. هو ذا عقد مشوب بالمخاطر، ضرب من «الحكاية المفتوحة» القديمة، لعبة مجددة من ألف ليلة وليلة، تكفي زمنا لكي تحطم الرجل الجهنمي وتنجب له ابناً (ربما ثلاثة). هذا الكتاب يموضع شرف نساء كل العصور. شهرزاد أو اللذة المعمقة بالكلام الملهم لا ننسى أن أختها دنيازاد حاضرة هنا أيضا. والملك مرهق، مأخوذ، يريد أن يعرف. الشخصيات الثلاث لا تنام كثيرا، ونحن أيضا، ولكن لا يهم بما أن الحياة حلم، ونحن نحلم لئلا نموت. من جوهر الموت الممكن ، تتبدى الحياة بثراء أحمق. الكتاب جيد والحكايات أفضل: يكفي التفكير فيها واستخلاص النتائج.
«ليالي» غالان
هذا الكتاب مجهول اسم مؤلفه، لا نعرف بالضبط موطنه. من فارس أم من الهند، بالتأكيد، عن طريق بغداد (الحضارة الرائعة) والقاهرة. آلاف الحكائين حكوا مغامراتهم في المساء وقدموا لرؤيتي في الغد. ولكن هذه الترجمة الغربية تعد رواية. تبدأ تحت حكم لويس الرابع عشر مع عبقري متواضع، أنطوان غالان (1646-1715). كان يعرف اليونانية، العبرية، التركية، الفارسية. اقتحم المخطوطات، قرأ، ترجم، حقق، نشر. ترجع الترجمة الفرنسية الأولى إلى عام 1704، إنه انتصار عالمي. كان يمثل أول تيار استشراقي عظيم. كان يقيم حتى وفاته في نزل باريسي يسمى «الطوق الذهبي». قالوا طويلا في فرنسا «ليالي غالان». امتد تأثير هذا الاكتشاف إلى كل مكان، انجلترا، سويفت وديفو، فرنسا، عصر الأنوار. من الضروري القول: نحن جهلاء (وما زلنا). لم تعلمنا الحروب الصليبية شيئا يذكر، الأحكام المسبقة تتضاعف.
الحدث الثاني
(نهاية القرن التاسع عشر) هناك جوزيف – شارلز ماردروس، طبيب غريب الأطوار ولد في القاهرة. قدم «لياليه» على خلفية من الاخفائية الوهاجة، يثير مالارميه، يغوي الرمزيين وال ما قبل رمزيين. هنا، نحن في قلب «الاستشراق» الذي قدم طوفانا من الصور عديمة الذوق عامة، كطريقة للكشف عن ما تخفيه «ألف ليلة وليلة»: القدرة الكلامية للارتجال المنضبط، المسحور. تتدفق الصور وتتجمد. ثم الدعاية («ألف ليلة وليلة» لبيع شوكولاته بولان أو فتوة الأب صوري!)، السينما (رغما عن بازوليني) تزيد سوء الفهم الظاهر حتى الآن في اللوحات الرديئة. باختصار، نحن بعيدون عن فن الخط العربي بالنسبة «لحكاية علاء الدين» الذي قال: «المعرفة أرض الجنة». من الأفضل الاستماع ثانية إلى «احتلال السراي» لموتسارت، وبالأخص فهم لماذا بروست، أكبر عشاق «ألف ليلة وليلة»، مسح بحثاً كيتش مونتسكيو وأخطاؤه. يلزمه هذا اللون العميق، اللاذع، البعيد عن صور التعجب الموجودة في «القوت الدنيوي» لجيد (آندريه جيد): «آه! يحيا ماردروس! آه! شكرا! هنا نفرح، ننفجر». رامبو، من ناحيته، قريب للغاية من «الليالي» في «اشراقات» عن هوجو وبلزاك (عاشقان آخران من عشاق الحكايات) بدون أن نشير إلى هيريديا وكاتول ومنيس، أو كبار مثل فاليري وجاري. والتدخل الحيوي، على نفس الأرضية، يتمثل في تدخل جويس في «عوليس». رأى العلاقات بين «أوديسا» و«الليالي»، وأدرك في الفصل ما قبل الأخير «ايثاكا»، حيث يستريح بلوم بعد رحلته الطويلة التي دامت يوما واحدا، عبر استدعاء «سندباد المليح الوجه». هنا، شهرزاد أصبحت موللي اللامعقولة: تحوّل. بالتالي، ملآنة بالحكايات المجنونة والأبسطة الطائرة، وأيضا بالرؤوس.
لا ننسى أبدا رجالاً بسطاء، سذج، نزقون، منتقمون لشرفهم، مسيطرون، ودوما مضحكون وأحيانا كرماء بمعرفة أخطائهم. النساء، بالتعريف، حسيات (حالمات دوما)، طامعات، خائنات، مغنيات، راقصات، ساحرات، مضجرات، معذبات، على أي حال غامضات. ينبجس الجن من الأرض لكي يخدموننا (جلب ألذ الوجبات، مثلا). الخليفة يريد أن يلهو، والوزير يرتجف. بدعكِ خاتم، العالم الآخر تحت تصرفنا، كما جرى مع ستندال و«مواهبه».
شيء جميل. هو ذا بورتريه شهرزاد كامرأة تحلم بفلسفة حقيقية: «بفرح، مارست الفلسفة، الطب، التاريخ، والفنون الجميلة، ونظمت قصائد أفضل من شعراء عصرها المشهورين. علاوة على ذلك، كانت ذات جمال خارق...». افتحوا الليالي، اقرؤوا: يفكر الملك في هذه اللحظة أنه لن يقتلها قبل أن تتم حكايتها، طالما وجدها رائعة. وهكذا قضيا الليل متعانقين.
(*) عن: لوموند.
(1) أضاف آنطوان غالان الى ترجمته لألف ليلة وليلة قصتي «السندباد البحري» و«مصباح علاء الدين».