17 نوفمبر 2008 03:31
رغم أن الحكومة السودانية التي تهيمن عليها الأغلبية العربية، وحكومة إقليم جنوب السودان الذي يتمتع بحكم ذاتي، قد ظلا في حالة سلم خلال السنوات الثلاث الماضية، إلا أن ثمة مؤشرات على أن الجانبين يحثان الخطى باتجاه الدخول في سباق تسلح من النوع الذي كان سائداً إبان حقبة الحرب الباردة·
ففي شهر سبتمبر الماضي، اختطف القراصنة البحريون الذين ينشطون في سواحل الصومال، سفينة أوكرانية كانت تحمل على متنها شحنة دبابات روسية، متوجهة إلى جنوب السودان· بعد ذلك بشهر، احتجزت السلطات السودانية طائرة شحن إثيوبية، قالت إنها كانت محملة بكميات من الذخيرة والأسلحة لنقلها إلى مدينة ''جوبا'' عاصمة جنوب السودان·
وفي شهر أكتوبر الماضي، استدعت حكومة السودان سفيريها في كل من كينيا وأثيوبيا، لأنهما دأبتا على شحن أسلحة إلى جنوب السودان· فبعد حرب بينهما استمرت قرابة21 عاماً، نجد أن الشمال والجنوب لا يكتفيان الآن بعدم نزع سلاحهما، وإنما يستعدان، على قدم وساق، لاحتمال اندلاع جولة جديدة من الصراع، وهو ما يعلق عليه ''أليكس ديه وال''، مدير برامج في ''مجلس أبحاث العلوم الاجتماعية''، والذي يتخذ من نيويورك مقراً له، بالقول: ''سباق التسلح هذا مستمر منذ بعض الوقت، وهو ما يرجع إلى أن كلا الطرفين يتوقعان حدوث الأسوأ''·
يشار إلى أن الحرب الأهلية في السودان قد استمرت بين عامي 1983 و،2005 وأسفرت عن مصرع نحو مليوني شخص، وأجبرت 4 ملايين آخرين على الفرار من ديارهم· وعندما توقف القتال ووقع الطرفان اتفاقية سلام، فقد نصت تلك الاتفاقية على عدم جواز قيام أي طرف بتعزيز قواته العسكرية دون إذن مسبق من ''مجلس الدفاع المشترك'' الذي يتم الإشراف عليه من قبل الشمال والجنوب· ورغم ذلك، فإن بعض المراقبين يؤكدون أن القوات المسلحة السودانية (التابعة للشمال)، و''جيش التحرير الشعبي السوداني'' (حركة التمرد الجنوبية السابقة)، قد ظلا يعملان بنشاط من أجل زيادة قدرات قواتهما المسلحة، وإن كان من غير المعروف على وجه الدقة ما هو حجم العمليات غير المشروعة التي تتم من قبلهما في هذا الإطار·
وبحسب المحللين العسكريين، يشتري الجنوب دبابات، وحاملات جنود مدرعة، وبنادق هجومية، وقاذفات صاروخية (آر·بي·جي)، وقذائف هاون، وذخائر متنوعة··· كما يتلقى جنوده تدريباً من قبل إثيوبيا، وكينيا، وجنوب أفريقيا، والولايات المتحدة، وبريطانيا· أما الشمال (الحكومة المركزية) فهو يحصل على تشكيلة أكثر اتساعاً من المعدات العسكرية الأوروبية الشرقية والصينية، بما في ذلك الطائرات المقاتلة، والطائرات النفاثة· وفي تقرير نشرته منظمة ''هيومان رايتس فيرست''، جاء أن الصين، والهند، وكينيا، وإيران، وروسيا، تشحن أسلحة مباشرة إلى شمال السودان· وهناك دول أخرى عديدة تصدر أسلحة للسودان لكنها قلما تذكر شيئاً عن ذلك·
ويقول دبلوماسي غربي يعمل في السودان، إن ''الجيشين مسلحان تسليحاً ثقيلا··· والعدد الإجمالي لجيش تحرير السودان الجنوبي يبلغ 170 ألف رجل مسلح، وهذا الجيش (أو الميليشيا) لم يُقْدم بعد انتهاء الحرب على أي إجراءات عملية ملموسة لنزع السلاح، أو تسريح الجنود، أو الاندماج في جيش السودان وفقاً للبنود الواردة في اتفاقية السلام''· وحسب البيانات الواردة في ''مراجعة النفقات العامة للدول'' الصادرة عن البنك الدولي لعام ،2007 وفي باب السودان، فإن نفقات حكومة الوحدة الوطنية، على القطاع العسكري والأمني، بلغت 1,175 مليار دولار، وهو ما يقدر بنحو 20% تقريباً من إجمالي نفقات الحكومة القومية· أما النفقات العسكرية لحكومة جنوب السودان وحدها، في عام ،2006 فقد بلغت 555 مليون دولار، أي ما يمثل 42% من إجمالي نفقاتها· فضلا عن ذلك صوت برلمان الجنوب على مضاعفة ميزانية عام 2009 لتغطية نفقات الدفاع·
''إنه نوع تقليدي من ممارسة الردع''، هذا ما يقوله ''روبرت موجاه''، مدير البحوث في ''المشروع المسحي للأسلحة الصغيرة''، وهو مشروع مقره جنيف· ويضيف موجاه:''لا أعتقد أن هناك أحدا يريد لشمال السودان وجنوبه أن يعودا للحرب مجدداً، بيد أن هناك إحساسا بأن تحقيق نوع من التوازن في القوة العسكرية، كفيل بالمحافظة على نوع من الاستقرار القلق انتظاراً لما يسفر عنه المسار السياسي''·
وكان الجنوبيون قد كرروا كثيراً القول بأن عدم التزام الحكومة المركزية بتنفيذ كافة بنود اتفاقية السلام، وأهمها تحويل نصيبهم المستحق من العوائد النفطية، وترسيم الحدود بين الشمال والجنوب، وإجراء الانتخابات المقررة بشكل سليم، سوف يُفسر من قبلهم على أنه دعوة من قبل الشمال للحرب· وقد جاء في دراسة أجرتها مجموعة ''بحوث التنمية'' التابعة للبنك الدولي في يوليو من العام الحالي، أن الخرطوم وجوبا ''تلعبان لعبة خطرة، وأنه حتى إذا لم يكن لدى الخرطوم نية للذهاب للحرب، فإن لديها من الأسباب ما يدفعها للمحافظة على تهديد الحرب قائماً، لضمان أن جوبا سوف تختار الوحدة معها في الاستفتاء الذي سيجري في هذا الشأن· أما جوبا، فرغم كونها تعلم أنها لن تكسب شيئا من الصراع، فإنها تواصل التسلح حتى تجعل مثل هذا الصراع -لو نشب- مكلفاً للخرطوم''·
ويرى الخبراء العسكريون أن تغيير عقلية الحصار التي تسيطر على السودانيين في الشمال والجنوب، يعتبر واحداً من أصعب التحديات التي ينبغي التغلب عليها من أجل وضع نهاية لسباق التسلح بين الجانبين·
يقول مقاتل جنوبي سابق رفض ذكر اسمه: ''لا زلنا نشعر بقدر كبير من العداوة تجاههم، ورغم أنه لا توجد لدينا رغبة في استئناف القتال فإننا نشعر بالشك تجاههم كما أن معظم الناس هنا يعتقدون أنه ستكون هنا حرب أخرى''·
هبة علي- جوبا
ينشر بترتيب خاص مع خدمة كريستيان ساينس مونيتور