أسماء الحسيني (القاهرة، الخرطوم)
أكدت قيادات مشاركة في اجتماعات القاهرة بين قوى الحرية والتغيير والجبهة الثورية لـ«الاتحاد»، أمس، حدوث تقدم في المفاوضات الجارية بينهما برعاية مصرية في القاهرة، فيما تحدثت قيادات أخرى عن استمرار تباينات في المواقف.
وقالت مصادر سودانية مطلعة لـ«الاتحاد» إن الخلاف الرئيس بين الجانبين تركز على المادة 69 في الوثيقة الدستورية، والتي تنص على أن يتم إدراج اتفاقيات السلام الشامل التي توقع بين السلطة الانتقالية والحركات المسلحة في هذه الوثيقة الدستورية وفق أحكامها، وتطرح الجبهة الثورية صياغة جديدة معدلة مقترحة تنص على أن يتم إدراج اتفاقيات السلام الشامل التي توقع بين السلطة الانتقالية والحركات المسلحة المنضوية في إطار الجبهة الثورية والحركات المسلحة الأخرى في الوثيقة الدستورية وفق أحكام هذه الاتفاقيات.
وفي هذا الإطار، قال وجدي صالح، القيادي البارز بقوى الحرية والتغيير، إن ما يجري في القاهرة هو حوار داخلي بين مكونات قوى الحرية المدنية والحاملة للسلاح، للتمهيد لإبرام اتفاق سلام شامل مع السلطة الانتقالية القادمة، فيما قال الدكتور جبريل إبراهيم، رئيس حركة العدل والمساواة، إن استضافة مصر لقاء الجبهة الثورية وقوى الحرية والتغيير جاء في الوقت المناسب لحل الأزمة السياسية السودانية التي تترتب عليها أزمات أخرى.
وأضاف لـ «الاتحاد» أن الاجتماع سار بصورة طيبة، وكان هناك مستوى عالٍ من الصراحة والمكاشفة والوضوح، وفي الوقت نفسه كان هناك حرص من كل الأطراف على الوصول إلى اتفاق. وأردف: استطعنا طرح مقترحات لمعالجة القضايا، وتداولنا في هذه المقترحات، وأنا متفائل بالوصول إلى اتفاق، لأن المسافة بيننا قريبة جداً.
وقال إبراهيم: نحن في الجبهة الثورية حريصون على وجود إجماع خلف الاتفاق النهائي، لأن أي اتفاق غير «مسنود» من كل قطاعات الشعب السوداني سيواجه مشكلات. وأضاف أن دعوة رئيس جنوب السودان سلفاكير ميارديت للجبهة الثورية لزيارة جوبا هي دعوة سابقة لاجتماع القاهرة، ولا علاقة لها به، وقال: إن الدعوة تم توجيهها للجبهة الثورية قبل أسبوعين.
ومن جانبه، قال ياسر عرمان، القيادي بالجبهة الثورية، لـ«الاتحاد»، إن اجتماعات القاهرة تسير في جو صحي وصريح، وبين قوى ذات هدف استراتيجي مشترك. وقال: إنه لا يوجد أي شيء يعكر الأجواء، وإنها تمت بدعم كامل من المضيفين. وأوضح عرمان أن الاجتماعات تهدف لاستكمال ما تم توقيعه في الخرطوم، وليس إلى الانتقاص منه، في إشارة إلى الوثيقة الدستورية، وأكد أن قضايا السلام قضايا استراتيجية لكل السودانيين، ويجب عدم التلاعب بها. ونفى عرمان ما تناولته بعض وسائل الإعلام عن اعتذار بعض فصائل الجبهة الثورية عن تلبية دعوة رئيس جنوب السودان سلفا كير ميارديت إلى جوبا، وأكد أن الدعوة لزيارة جنوب السودان هي محل تقدير واحتفاء الجبهة الثورية، وسنقوم بتلبيتها في القريب العاجل، وأكد أن شعب جنوب السودان كان دائماً بالنسبة لنا يمثل ما يمثله الشعب السوداني.
من جانبه، أكد محمد زكريا، الناطق باسم الجبهة الثورية، في تصريحات لـ«الاتحاد» عن أمله في أن تنجح مداولات القاهرة برعاية مصر في إسعاد الشعب السوداني وتوحيد قواه.
وقال المحلل السياسي السوداني عمار عوض لـ «الاتحاد» إنه يؤيد بشدة إدراج بند في الوثيقة الدستورية يجعل اتفاقات السلام القادمة تدرج في الإعلان الدستوري بعد توقيعها مع الحكومة الانتقالية، وتعلو بنودها على نصوص الإعلان الدستوري، متى ما تعارضت معها، لأن اتفاقيات السلام من المتوقع أن تأتي ببنود تتعلق بالترتيبات الأمنية ودمج القوات في جيش وطني واحد، ما سيتعارض مع بنود الإعلان الدستوري حول القوات النظامية للدولة وعملية الإصلاح وتبعية الجيش للمجلس السيادي، وأيضاً من المتوقع أن تأتي اتفاقيات السلام بشكل الحكم للأقاليم، بشكل يعطي ميزات تفضيلية لأقاليم الحرب، وكذلك الحال بالنسبة لشكل مشاركة هذه الأقاليم المتضررة من الحرب بتمثيل يقنعها بوحدة السودان، بدلاً من أن تتبنى بعض الفصائل المسلحة دعوات تقرير المصير التي اتضحت تجربتها العملية بانفصال جنوب السودان.
وقال إن هذه العوامل وغيرها تؤيد دمج اتفاقيات السلام المقبلة في الإعلان الدستوري، وأن تعلو نصوصها عليه، وحذر من أن عدم إدراج هذا البند سيرسل رسائل سلبية جداً للحركات المسلحة داخل قوى الحرية والتغيير وخارجها بأن نخب المركز السياسية غير راغبة في إنهاء الحرب بشكل عادل، وأنها تريد الاستئثار بالسلطة لنفسها، وأنها حددت مستقبل السودان عبر الإعلان الدستوري، وقال عوض إن إهمال هذه النقطة المحورية يعطل أو ينهي الآمال بسلام عادل، كما لن يساعد على رفع أي عقوبات عن السودان لأنها مرتبطة بوضع حد نهائي للحرب في دارفور وجبال النوبة والنيل الأزرق.
وقال القيادي بحركة العدل والمساواة محمد حسن شرف لـ«الاتحاد» إن معالجة البند 69 ستعالج عودة النازحين واللاجئين، وضمان مشاركتهم في الانتخابات والمؤتمر الدستوري، وخصوصية المناطق المتأثرة بالحرب والترتيبات الأمنية وقضايا التهميش والمواطنة المتساوية ونظام الحكم والعلاقة بين المركز والولايات وقضايا الأرض وعدالة توزيع السلطة والثروة والتنمية العادلة والمستدامة وإعادة إعمار المناطق المتأثرة بالحرب، والتعويضات وإعادة الممتلكات والعدالة الانتقالية والمصالحة وإنصاف الضحايا والوضع الإداري للولايات والأقاليم المتأثرة بالحرب وقوات الحركات المسلحة. وأشار شرف إلى وجود قضايا أخرى خلافية، لكنها أقل أهمية من الخلاف الرئيس على المادة 69.
وفى الخرطوم، أكد الفريق شمس الدين كباشي، رئيس اللجنة السياسية، الناطق الرسمي باسم المجلس العسكري الانتقالي، أن قضايا تحقيق السلام والإعمار والتنمية تأتي على رأس أولويات مهام المرحلة الانتقالية. جاء ذلك، خلال لقاء كباشي السفراء المعتمدين لدى السودان لشرح ترتيبات الفترة الانتقالية والاتفاقيات التي توصل إليها المجلس العسكري الانتقالي مع قوى إعلان الحرية والتغيير. وقال كباشي إن التوقيع النهائي على الوثيقة الدستورية، يمثل الحلقة الأخيرة في وثائق الاتفاقيات بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير المتعلقة ببناء وتأسيس مؤسسات الحكم الانتقالي، وصولاً لإقامة الدولة المدنية.