الثلاثاء 26 نوفمبر 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

سوق العرصة في الشارقة همزة الوصل بين الأمس واليوم

سوق العرصة في الشارقة همزة الوصل بين الأمس واليوم
16 نوفمبر 2008 00:47
الجولة بين أرجائه تشعرك وكأنك تجاوزت حدود المكان والزمان، لأنها ترحل بك بعيداً إلى الماضي، إلى زمان لم تكن من أهله، وإلى أيام لم تشهد أحداثها، إلى تلك الليالي التي لم تسهرها، وتلك النهارات التي كنت غائباً عنها· هو سوق عريق ليس لأنه أقدم الأسواق الشعبية في الإمارات، بل لأنه أغنى الأسواق ذاكرة وأقدمها عمراً، ولأنه، دون سائر الأسواق، نجح وبجدارة في أن يصل ماضيه بحاضره· يعد سوق العرصة قبلة التجار، لأنه أقدم الأسواق الشعبية في الإمارات· وسمي بالعرصة لأنه عبارة عن بقعة واسعة بين الدور ليس فيها بناء، وتعني باللغة العرصة، وللسوق الذي تم تشييده قبل مئتي عام أربع بوابات تغلق في المساء لتأمين الحماية، وقد بنيت حول إحدى هذه البوابات مجموعة من الدكاكين التي شكلت خطاً يشوبه التعرج، وتتخلله الأزقة التي شكلت في مجملها ما سمي بسوق العرصة، وأحيانا السوق القديم الذي حوى عددا كبيرا من المحال تجاوز عددها المائه، ويحتوي على البضائع القديمة والنادرة التي كان أسلافنا يجلبونها من دول شرق آسيا وأفريقيا والهند والسند وزنجبار، يحملونها على أكتاف البحر ليتاجروا بها في رحلات تجارية صعبة· كما يعتبر سوق العرصة وجهة للسائحين الذين قدموا إليه من أماكن متفرقة وجنسيات مختلفة، يقصدونه للتبضع بين أرجائه أو لأخذ صورة تذكارية في هذا المكان التاريخي العريق· الموقع يقع سوق العرصة في أرض فضاء بين بيت النابودة ومتحف الشارقة للتراث ومجلس النابودة، وقد كانت هذه الساحة نقطة التقاء الركاب وملتقى التجار حيث تتم فيها عمليات البيع والشراء· تتقدم إلى داخل السوق الذي تنبعث من دكاكينه الصغيرة القديمة رائحة الماضي بعبقه الجميل، فتلمح ذلك الرجل المسن الجالس على كرسيه أمام دكان يبيع فيه التبغ، فتشعر وكأنه صورة حية لماضٍ قد تجسد فجأة أمام عينيك· وتنتقل إلى جاره فتناديك تحفه التي اصطفت على أرفف بإتقان ينافس بعضها بعضاً في الروعة والجمال، فتحتار أيها تأخذ معك النحاسية منها أم الفضية أو حتى الخشبية· وفي زاوية من زوايا السوق تجد تاجر العملات الذي يحتوي دكانه الصغير على عملات كثيرة تباينت بين الورقية والمعدنية من مختلف العصور وأقدمها· تسير قليلا لتشتم من على بعد انبعاث رائحة قوية قد لا تستطيع تمييزها لأنها نتاج مزيج من الأعشاب المجتمعة لدى العطار أو بائع الأعشاب، وقد ضم محله أنواعاً مختلفة من الأعشاب التي استخدمت منذ القدم في التداوي من الكثير من الأمراض، حيث احتل العطار في تلك الحقبة مكانة طبيب اليوم· رواد عريقون لا تستطيع أن تغادر السوق دون المرور على مقهى العرصة، وتجلس على القرب من أولئك الشباب الذين قدموا إلى المقهى من أماكن متفرقة، قد تكون بعيدة عن السوق، إلا أن الحنين والبقاء على العهد مع ذلك الزمن الجميل حملهم على المجيء إلى مكان طالما اتخذوه ملجأ لهم يهربون إليه ليحتموا به من ضجيج الحضارة المزعج· تجدهم يتجاذبون أطراف الحديث، فتارة تسمع ضحكاتهم وتارة يلفهم سكون مطبق· ربما أسفاً على ذلك الماضي البعيد الذي لايزال حاضراً في قلوبهم، وماثلاً أمام عيونهم، وربما لم تتجاوز أحاديثهم تلك الحقبة التاريخية التي عاصروها بحلوها ومرها، بسهولتها والمصاعب التي واجهتهم خلالها· تعتبر إدارة التراث بدائرة الثقافة والإعلام في الشارقة هي المشرفة على هذا السوق· حيث تقوم بإنجاز معارض موسمية لإحيائه، هي عمدت إلى استحداث سوق الجمعة، إحياء لسوق العرصة القديم، وذلك لتخصيص يوم الجمعة من كل شهر وعلى مدار السنة ليكون سوقاً مفتوحة يقام في الساحة، وتعاد فيه نماذج البسطات، وعرض البضائع المكشوفة رغبة في الترويج لهذه الأسواق· يصف لنا عبدالله بن حمد السوق قديما فيقول: ''في الماضي كان السوق أجمل، إذ كانت الساحة مكشوفة تباع فيها اللحوم والخضراوات والتمور· مشيراً إلى أن حكايته مع السوق بدأت منذ الطفولة عندما كان يعمل في البحر، وهو الآن يأتي إليه ليلتقي بأصدقائه القدامى· أما الشاب الثلاثيني جمال حسين، فيأتي إلى السوق بصحبة أبنائه ليعرفّهم على طبيعة الحياة السابقة في الإمارات، ويمنحهم فرصة اللعب في الركن الذي خُصص للألعاب الشعبية القديمة، ثم يستمع وإياهم لقصص الشباب الجميلة في المقهى· ويقول أحد التجار إن السوق يلقى إقبالا من الزوار، خاصة أنَّ أسعار البضائع فيه لاتزال مقبولة خاصة مع ظروف الغلاء المعيشي الذي نلمسه اليوم·
المصدر: دبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©