السبت 23 نوفمبر 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حقن البوتوكس.. تجميل جسدي وتجميد عاطفي

حقن البوتوكس.. تجميل جسدي وتجميد عاطفي
31 يوليو 2010 21:05
تختلف وسائل التواصل وطرقها ما بين المجموعات البشرية بحسب ثقافاتها وعاداتها وسلوكاتها، غير أن لغة الجسد تظل اللغة الكونية الوحيدة التي يفهمها الجميع، فكل شخص يستطيع، من خلال القسمات التي يرسمها على وجهه، التعبير عما يشاء من المشاعر بسرعة قياسية لا تضاهيها أية وسيلة تواصل أخرى. غير أنه ومع التطور العلمي والطبي وما واكب ذلك من تغير في أنماط الحياة وتغير مفاهيم الحياة والسعادة والجمال والحياة، ظهرت تقنيات جديدة مكنت أطباء التجميل والجراحة من عرض نحت جسم الإنسان بشكل عام والمرأة بشكل خاص، فحصلت المرأة على شكل الأنف الذي تتمناه، وحجم الشفة الذي ترغب فيه والوجه المشدود الذي تريد، لكنها وجدت نفسها بالمقابل أعجز ما تكون على إطلاق العنان لقسمات وجهها، حتى صار عاجزاً عن رسم ابتساماته الجميلة على المحيا، وتقطيب جبينه في حالة الاستياء والغضب، وإيصال ما يرغب فيه من رسائل وإيحاءات شعورية بسيطة بسبب حقن البوتوكس، وشد الوجه، وتجميل الأنف، وغيرها من العمليات. مهما تغيرت تصورات الناس للجمال وتعريفهم له، فإن شكل الوجه يظل من المعايير الحاضرة دوماً في تقييم جمال المرأة ووسامة الرجل في جميع الحضارات وكافة الثقافات على مر الأزمنة والعصور. ولذلك فإن تجميل الوجه استحوذ دوماً على حصة الأسد من العناية والتجميل. ومن بين أكثر طرق التجميل شيوعاً في وقتنا الراهن حقن البوتوكس التي صارت مألوفة لدى فئات عريضة من النساء، وأصبح أخذ موعد لأخذ حقن البوتوكس لا يختلف كثيراً عن أخذ موعد لتغيير تسريحة الشعر. وقد لا يختلف اثنان على قدرة حقن البوتوكس في إزالة التجاعيد، غير أن المستور غير المصرح به هو تسبب ذلك في تعطيل شبكة تواصلية بالغة الأهمية بين الدماغ والوجه. إذ لا يقتصر دور تعابير الوجه على ترجمة مشاعرنا، بل إن هذه التعابير ترسل رسائل وتبعث تغذيات راجعة حاسمة إلى الدماغ، وأي غياب لحلقة التغذية الراجعة هذه قد يعرقل عملية فهم رسائل الجسم الداخلية والخارجية على حد سواء. الفرح والحزن في إحدى الدراسات الحديثة حول النساء اللاتي يخضعن لعمليات التجميل عن طريق حقن البوتوكس، وجد باحثون أن العلاج بحقن البوتوكس القائم على تجميد انقباضات الوجه العصبية يتسبب في إبطاء القدرة على فهم اللغة المشاعرية واستيعابها. ويقول دافيد هافاس، متخصص في علم النفس من جامعة وسكونسين ماديسون “نعلم أن اللغة تحركنا عاطفياً كما قد تحركنا جسدياً”. ويقول العالم النفساني فريتز ستراك من جامعة فورسبورج الألمانية “إن محاكاة أي تعابير شعورية ينتج عنه استجابة عاطفية متماهية”. فإذا وضع شخص ما قلماً بين أسنانه على سبيل المثال، فإن عضلات فمه التي تعمل عادةً عند الابتسام تشتغل. وكشفت دراسات مماثلة أن وضع القلم بين الأسنان يجعل أسارير الوجه تنفرج وتجعل الشخص يشعر بالسعادة، أما وضع القلم ما بين الشفتين، فإنه يجعل الشخص يقطب جبينه ويصبح شعوره أميل إلى الحزن. ووجد ستراك وزملاؤه لدى دراسة وضع القلم ما بين الأسنان والشفتين أن المشاركين في وضعية “الابتسام” يختارون لاشعورياً جملاً تبعث على الفرح والسرور مثل “أخيراً، وصلت قمة الجبل” ويقرؤونها بشكل أسرع مما يفعلون عند وضعهم القلم ما بين الشفتين. وبالمقابل، فإن المشاركين الذين يضعون القلم ما بين الشفتين يقرؤون جملاً تبعث على الأسى والحزن مثل “تمالك نفسك وكفكف دموعك عندما تدخل إلى بيت العزاء” بشكل أسرع أيضاً. وفي السياق ذاته، كشفت دراسة استخدمت تقنية تسجيل نشاط العضلات وتقييمه أن قياس نشاط العضلات الرقيقة يشير إلى أن المشاعر المكتوبة تعطي الضوء الأخضر لعضلات خاصة في الوجه لتشتغل. فمثلاً، عندما نقرأ كلمة “قتل” أو “ضرب” فإن عضلة مغضنة الحاجب الموجودة فوق الأنف والتي تمتد باتجاه الحاجبين هي التي تعمل. وهذه العضلة هي المسؤولة عن التغضنات والتجعدات الرأسية التي ترتسم بشكل متواز على الوجه عندما يعبس الشخص ويقطب جبينه. جمال ظاهري وعجز تواصلي يقول هافاس إن نتائج الدراسات الحديثة فتحت الباب للتساؤل حول ما إذا كان التعبير العاطفي بحد ذاته ضرورياً لسلاسة عملية التعبير العاطفي والشعوري. وأجرى هافاس وزملاؤه دراسة عن عضلة مغضنة الحاجب لمعرفة ما إذا كان شل هذه العضلة بشكل مؤقت يوقف قدرة الشخص على إصدار تعابير عاطفية سلبية. فطلب هؤلاء الباحثون من 40 امرأة كن ينتظرن الحصول على الموعد الأول لتلقي حقن البوتوكس قراءة 60 جملة على جهاز الحاسوب والضغط على زر عند فهم كل جملة على حدة. وللتأكد من أن المشاركين يقرؤون فعلاً تلك الجمل، كان الباحثون يقومون بشكل دوري بالتحقق من مدى استيعاب المشاركات للجمل التي يقرأنها. وكررت هؤلاء النساء هذا الاختبار باستخدام مجموعة من الأسئلة بعد مرور أسبوعين من أخذهن حقن البوتوكس، حيث كان تأثير الشلل قد بلغ أوجه. وبعد العلاج بالبوتوكس، لوحظ أن القدرة الاستيعابية لدى هؤلاء النساء صارت أبطأ في قراءة جمل تحمل معاني الأسى والغضب مما كن عليه قبل العلاج بالبوتوكس، وصرن أقل استيعاباً للجمل التي تحمل معاني السعادة والفرح كذلك. وقد استبعدت تحاليل المزاج أي إمكانية لشعور هؤلاء النساء بالسعادة بعد تلقيهن حقن البوتوكس وجعلهن أسرع استيعاباً للجمل ذات الدلالات الإيجابية. ويقول هافاس إن هذا يدل على أن تعابير وجهنا الشخصية تساعد الدماغ على فهم عالمنا الاجتماعي والتجاوب معه بشكل سوي وذي معنى. ويضيف “إن تعابير وجوهنا هي بمثابة مرايا تعكس للمحيطين بنا طبيعة ما نشعر به في سياق اجتماعي معين وحالتنا الذهنية، بل وقد تفصح حتى عما ننوي القيام به. ومن شأن تعابير الوجه أيضاً الكشف عن طريقة ترجمة كل شخص فينا للغة جسده. وعندما يعجز الوجه عن عكس مشاعرنا وترجمتها إلى تعابير وقسمات، كما حصل لمجموعة النساء بعد أخذهن حقن البوتوكس، فإن العملية التواصلية تتأثر وبالتالي يصبح الاستيعاب والتجاوب صعباً”. الاستجابة الشعورية تقول باولا نييدنتال، عالمة نفسانية بجامعة كليرموند فيغان بفرنسا، “إن نتائج آخر الدراسات تتناسب مع النظرية التي صارت مقبولة أكثر من ذي قبل، والتي تفيد أن مظاهر التفكير الأرقى مثل اللغة والتقييم والذاكرة تتبلور من خلال ما تصدره أجسادنا من مشاعر وحركات”. وحسب هذا الرأي المعرفي “المجسد” الذي تزايدت شعبيته في العقد الأخير، فإن الدماغ يفهم ما يقع من أحداث في العالم المحيط ويتجاوب معها ولو جزئياً. وإذا أخذنا هذا الرأي بعين الاعتبار، فإن بعض الباحثين يفترضون أن اللغة العاطفية والشعورية تطلق نفس الأنظمة العصبية المستخدمة في التجارب الشعورية الحقيقية، بما في ذلك تلك الإشارات التي يصدرها الدماغ ويترجمها على شكل تعابير ترتسم على الوجه. وتجد هذه الفكرة سنداً لها في علم الأعصاب، إذ استخدم علماء ألمان قبل سنتين تقنية التصوير العصبي لدراسة نشاط دماغ الأشخاص أثناء قيامهم بتصنع الغضب الذي يتجلى في شكل تعابير شعورية على الوجه تعكس هذه الحالة النفسية. ووجدوا أن حقن البوتوكس في عضلات الحاجبين يضعف النشاط العصبي لمناطق الدماغ التي لها دور في الاستجابة الشعورية والعاطفية. شلل وجمود قد يبدو من المغري الاستنتاج من نتائج هذه الدراسات أن أخذ حقن البوتوكس يمكن أن تجعل من التعاسة أحد الطلاسم المستعصية على الفهم. لكن نييدنتال تنبه إلى أن العكس هو الذي قد يكون صحيحاً. إذ تقول “هناك حوالي عشرين عضلة في الوجه تنتج تعابير شعورية. ويفترض أن يستخدم كل واحد منا هذه العضلات حتى يتسنى له التواصل بشكل فعال حياته الاجتماعية من خلال إرسال إيحاءات تعابير الوجه وفهم ما يصدره آخرون من رسائل عبر قسمات وجوههم”. وكشفت إحدى أحدث هذه الدراسات أن شلل العضلات الناتج عن حقن البوتوكس أبطأ سرعة الاستجابة عند قراءة الجمل التي تعبر عن الغضب والحزن بمعدل عُشُر ثانية. إلا أن مثل هذه التأثيرات قد يرتفع مفعولها بشكل كبير عند التواصل مع الآخرين. وفي هذا الصدد يقول العالم النفساني بجامعة أريزونا، أرثور جلينبورج، “إن اللغة ذات خاصية تفاعلية عالية، ونحن حساسون جداً تجاه كل أنواع الإشارات التواصلية التي يصدرها الجسم بانتظام في الجزء الألف من الثانية”. ويبقى التوقيت عاملاً حاسماً، فعند حصول خلاف زوجي، على سبيل المثال، فإن الزوجة تكون أبطأ في الرد بمعدل الجزء الألف من الثانية بشكل متكرر، تاركةً بذلك المجال لإعطاء الانطباع بشكل متزايد باللامبالاة أو الفشل في الفهم. وإذا كان هذا الفارق الزمني في سرعة التجاوب والتواصل يحدث بشكل مستمر، يقول جلينبورج، فإن ذلك يكفي لجعل الطرف الآخر ينزعج ويفقد أعصابه”. عن “لوس أنجلوس تايمز”
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©