الأربعاء 16 يوليو 2025 أبوظبي الإمارات 34 °C
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

اللاجئون السوريون في تركيا يروون مأساتهم لـ «الاتحاد»: هربنا من جحيم الحرب.. إلى الذل والإهانة

اللاجئون السوريون في تركيا يروون مأساتهم لـ «الاتحاد»: هربنا من جحيم الحرب.. إلى الذل والإهانة
10 أغسطس 2019 23:58

شعبان بلال وعبد الله أبو ضيف (القاهرة)

رحلة من العذاب والمعاناة والإهانة عاشها عمرو دعبول الطالب السوري في كلية الاقتصاد، هرباً من جحيم الحرب والموت المحقق، توجه إلى إدلب ثم تركيا في العام 2017 طلباً للنجاة، ومحاولة للوصول إلى زوجته في بلجيكا.
بصوت يغلب عليه الحزن، يروي دعبول -27 عاماً- قصته لـ«الاتحاد»، بأنه حاول الهجرة من تركيا بحرًا إلى اليونان للم شمل عائلته، لكن خفر السواحل التركي ألقى القبض عليه، وتم تحويله إلى سجن «أيدن»، ومعه مجموعة من مختلف الجنسيات تضم 22 شخصاً و9 أطفال، وفي اليوم الثاني تم إطلاق سراح كل الجنسيات ما عدا السوريين، وبدأوا يستدعوننا للتحقيق شخصاً تلو الآخر.
سأله المحقق عن عمله وعائلته ودراسته، وبعدها طلب منه أن «يضع بصمته» على أوراق مغطاة بأخرى بيضاء، أوهمه أنها روتينية لإرسالها إلى أنقرة لإطلاق سراحهم، هنا أيقن أنه سيتم ترحيله، كما علم ممن سبقوه في التحقيق، مع أن المحقق أقسم له أن الأوراق لإطلاق سراحه ولا أحد يستطيع ترحيله، خاصة أنه يملك بطاقة الحماية المؤقتة.
لكن اللاجئ السوري، كان لديه اليقين أنها أوراق ترحيله، فرفض التوقيع إلا بعد الاطلاع عليها، فقرر المحقق إعادته إلى السجن مرة أخرى، حتى يوقع، واضطر في النهاية على التوقيع.
ويضيف اللاجئ السوري: تم القبض علي يوم 11 يوليو 2019، وقضيت في السجن خمسة أيام، ثم أخرجوني مع مجموعة من السوريين، وتم تسليمنا إلى قوات الجندرما التركية أو حرس الحدود، أدركنا أن ساعة الرحيل قد حانت، لتبدأ رحلة المعاناة والذل في طريق الإعادة إلى سوريا.
في الباص العشرات من المسنين والأطفال والنساء، ومرضى يعانون ضغط الدم والسكري يحتاجون للدواء والعلاج، لكن الحراس رفضوا أن يسمحوا لهم بتناوله ولا إحضاره من حقائبهم.
رحلة استمرت 9 ساعات من تركيا، توقف الباص في محطة وقود مهجورة لقضاء حاجتهم في العراء، لكنهم فوجئوا بأحد عناصر قوات حرس الحدود التركية يقوم بتصويرهم بكاميرا الهاتف الخاص به، نظر إليه دعبول نظرة لوم وغيظ، على هذا الذل والإهانة، ليفاجأ بأن عنصراً آخر جاء من خلفه وتعدى عليه بالضرب.
يوم 16 يوليو، وصل دعبول واللاجئون السوريون إلى معبر باب السلامة، وتم إنهاء إجراءات ملفاتهم مع مفاجأتهم بقرار بمنعهم من دخول تركيا لمدة 5 سنوات وإلغاء بطاقة الحماية المؤقتة. الآن يقيم «دعبول» على الحدود بين سوريا وتركيا، وزوجته في بلجيكا، ليس لديه خيارات، الموت من خلفه حيث الحرب، والعذاب من أمامه في تركيا، ولا يوجد حل للوصول إلى أسرته.

الانتهاكات والترحيل
آلاف اللاجئين السوريين تعرضوا في تركيا للاضطهاد والاعتقال والسجن، ثم الترحيل القسري خلال الأشهر الماضية، هذا ما يؤكده مايكل روبرت كبير باحثين بمعهد انتربرايز الأميركي للدراسات السياسة الأمنية والدفاعية، لـ «الاتحاد»، وقال إن الانتهاكات التركية للاجئين كانت في إسطنبول وأنقرة وإزمير وغازي عنتاب وكهرمان مرعش ومرسين وهاتاي وشانلي أورفة وكلس وديار بكر ومرعش، ومناطق أخرى في الشمال الشرقي من تركيا.
وقال روبرت إن تركيا تعامل اللاجئين السوريين معاملة قاسية، وتقوم الحكومة وبشكل أكثر تحديداً جهاز المخابرات التركي بذلك وهو عميل لجبهة النصرة، موضحاً أن عدد السوريين في تركيا يزيد عن 3.5 مليون في مختلف الولايات يحملون بطاقات الإقامة المؤقتة.
وأوضح كرم سعيد، خبير الشؤون التركية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن جزءاً كبيراً من اللاجئين السوريين يعانون أزمات اقتصادية والبطالة والفقر، وذلك جعلهم لقمة سائغة وورقة ضعيفة يمكن استغلالها من بعض الجهات داخل تركيا لترحيلهم والزج بهم في مناطق الصراعات، مؤكدا أن تركيا جذبت عدداً منهم ودربتهم في معسكرات خاصة لإرسالهم إلى مناطق الصراعات في سوريا وليبيا وغيرهما، نظير منحهم عوائد مالية أو ضمان حياة مستقرة لأسرهم.

4 ملايين لاجئ
ووفقاً لإحصاءات الأمم المتحدة، يشكّل السوريون ما يقرب من ثلث إجمالي عدد اللاجئين في العالم، وتستضيف تركيا حوالي 63.4 % منهم وهو ما يقارب الأربعة ملايين لاجئ، حيث تشير تقارير متخصصة إلى أن هذا العدد الكبير من اللاجئين السوريين، ترك آثاراً كبيرة، ديموغرافياً وسياسياً واجتماعياً على المجتمع التركي، وقد مثل وجودهم، وفقاً لآخر الإحصاءات، ما نسبته 4.2 % من عدد سكان في تركيا.

كراهية واعتداء
الشاب السوري أمجد محمد، قبضت عليه الشرطة التركية في إسطنبول وقامت بترحيله إجبارياً، وروى ذلك في فيديو بثه عبر موقع التواصل الاجتماعي «فيس بوك»، ولاقى انتشاراً واسعا.
يقول أمجد الذي لم يتجاوز الـ 20 من عمره، إن الشرطة التركية اعتقلته أثناء قيامه بشراء بعض الأغراض بالقرب من مكان إقامته، وقد نسي البطاقة في المنزل، موضحاً أنه تعرض لمعاملة سيئة من الشرطة في المخفر، بجانب السب والضرب.
حسب أمجد ولاجئين سوريين، فإن الشرطة التركية تلقي القبض عليهم لأسباب واهية وتعاملهم بقسوة مع الضرب المبرح، ثم تجبرهم على توقيع إقرار برغبتهم في العودة الطوعية، ثم يتم ترحيلهم إلى إدلب.
الناشط السياسي بالائتلاف الوطني السوري عمر القيصار، أكد إدانته لحالة الكراهية التي تنشرها حكومة أردوغان تجاه اللاجئين السوريين، مشددا على أن الرئيس التركي هو الذي فتح الباب على مصراعيه أمامهم منذ سنوات للاستفادة منهم سياسياً، في الوقت الذي يدفع فيه مستشاروه وأعضاء جماعة الإخوان في تركيا للتأكيد على ضرورة ترحيلهم، في الوقت الذي يتم فيه رصد عمليات تسليم غير رسمية للاجئين إلى جبهة النصرة والجماعات المتحالفة مع النظام السياسي التركي.

مكاسب لأردوغان
تورغوت أوغلو المحلل السياسي التركي، أكد لـ«الاتحاد» أن الممارسات التركية إزاء اللاجئين السوريين كانت متوقعة منذ بداية استضافتهم بشكل كبير، خاصة أن المحللين أشاروا إلى أن أردوغان سيستخدمهم في صراع تركيا كدافع لدخول الاتحاد الأوروبي، وتحت بند منع تدفق اللاجئين إلى أوروبا واستضافتهم، بالإضافة إلى المساعدات المالية الأوروبية تحت نفس السبب، والآن انتهى الدور مع تزايد الصراع السياسي بين أردوغان والولايات المتحدة الأميركية وأوروبا.
وكشف المحلل السوري إبراهيم كابان، لـ «الاتحاد»، عن أنه من الطبيعي أن الدولة التركية في الفترات الماضية كانت تستخدم اللاجئين السوريين كورقة ضغط، وأيضا حجة لاحتلال الشمال السوري، وللضغط على الاتحاد الأوروبي لتقديم الأموال لتركيا، والضغط السياسي للانضمام للاتحاد، موضحا أن الاستراتيجية التركية تلزم الشباب السوريين الالتحاق بالميليشيات المسلحة والمرتزقة في إدلب وغيرها، وتم إجبار كثير منهم على ذلك، حتى الأطفال أجبروا على حمل السلاح لاستخدامهم في قتال الأكراد.
وشدد المحلل السوري على أن هذه الورقة لم تأت بمفعولها القوي بعد الخلافات التي حدثت بين تركيا وأميركا والاتحاد الأوروبي وتركيا وحلف الناتو. وفي السياق نفسه أكد خبير الشؤون التركية بمركز الأهرام للدراسات أن ورقة اللاجئين السوريين لم تعد كما كانت قوية لمساومة الاتحاد الأوروبي والضغط عليه، وأن الاتحاد قرر خلال الأيام الماضية، تحويل 1.4 مليار يورو لتركيا، لاستيعاب اللاجئين في إطار اتفاق في مارس 2016 على منحها 6 مليارات دولار نظير استضافتها 3 ملايين لاجئ سوري.

تفريق العائلات
قصص كثيرة للاجئين السوريين تكشف انتهاكات تركيا، كان محمد غازي صاحب الـ 29 عاماً من بين أصحابها، اسطنبول لم تكن إلا مجرد ملاذ له هرب إليه من ويلات الحرب في سوريا، ثمانية عشر شهراً مرت منذ هروبه وزوجته من إدلب، خوفاً من الجماعات الإرهابية التي استولت على بقاع من المدينة القديمة، كغيره من اللاجئين ليس معه أوراق أو إثبات شخصية، لا يحمل إلا اسمه وجنسيته لوطن تم تدميره، أخرجوه وأبناءه وبقي فيه الغرباء يحطمون بقاياه.
يقول غازي لـ«الاتحاد»: كنت أعمل في تركيا بمختلف المجالات، بين المطاعم وأعمال النجارة، لأدبر مصروفات أسرتي التي زادت رضيعاً يحتاج للمأوى والطعام والملبس، مع نظرة دونية من الحكومة التركية بقيادة أردوغان إلى السوريين باعتبارهم درجة ثانية، واكتمل الحظ السيئ الذي قادني إلى أحد الباصات منذ أسبوعين، ليأتي أحد أفراد الشرطة ويقبض علي بعد علمه أنني سوري الجنسية.
الشرطة التركية أخبرت غازي أنه سيتم ترحيله إلى مدينة حدودية في تركيا، ولكنه علم بعد ذلك أن هذا الأمر جاء تخلصا من كون لديه زوجة وابن في اسطنبول، عبثاً حاول إخبار الشرطة بأن يجمعوه معهما بالتهجير أو البقاء، لكنهم ألقوه في عربة الترحيلات تاركاً خلفه زوجة عشرينية وابناً رضيعاً لا يعرف أين ومتى يمكن أن يحتضنه مرة أخرى.
وصل محمد إلى أحد المعابر العسكرية وتم تسليمه لجبهة النصرة في سوريا ليظل بلا أموال أو ملابس هو ومن معه وخلفهم عائلاتهم التي تعمدت حكومة أردوغان تفريق جمعها.
يعمل غازي نجاراً الآن، يحصل على أموال زهيدة، أملاً في ادخار 700 دولار ليتمكن من الرجوع إلى تركيا مرة أخرى، يتم اقتطاع جزء من الأموال لجبهة النصرة.

إدانات دولية
الكثير من التقارير العالمية لمنظمات حقوقية دولية أدانت تعامل تركيا مع اللاجئين السوريين، فحسب تقرير لمنظمة «هيومن رايتس ووتش»، أن تركيا تمارس عمليات الترحيل القسري بحق اللاجئين السوريين الموجودين لديها، موضحة أن السلطات تجبرهم على توقيع إقرارات برغبتهم في العودة بشكل طوعي، ثم تعيدهم قسراً إلى هناك.
وقال المسؤول في المنظمة جيري سيمبسون إن تركيا تزعم أنها تساعد السوريين على العودة إلى بلادهم لكنها تهددهم بالحبس حتى يوافقوا على الخروج، مشيرا إلى أن عمليات الترحيل غير قانونية خاصة أنها تلقي بهم في مناطق حرب خطرة، وتعمد تركيا إلى حرمان طالبي اللجوء من الحماية.
إضافة إلى ذلك فإن الحكومة التركية قررت فرض إجراءات لمواجهة تدفق اللاجئين السوريين - كما يقول خبير الشؤون التركية بمركز الأهرام للدراسات السياسية- سواء بالتشديد على العودة أو فرض رسوم باهظة في المستشفيات والمؤسسات التعليمية وترحيلهم قسراً.

انتظار المحتوم
معاناة أخرى عاشها ويعاني منها الشاب السوري محمود صاحب الـ 22 عاماً، لم يتوقع أن يحل عليه يوم من دون أن يكون بجوار والدته المسنة في تركيا، بعدما نقلته سلطات أردوغان قسراً إلى مدن الجنوب عبر عمليات نقل جماعي للاجئين، في الوقت الذي لا تزال والدته في إسطنبول، وينتظر مصيره المحتوم بالترحيل إلى سوريا قريباً.
ناشد محمود بضرورة التدخل لإنقاذ آلاف اللاجئين السوريين من تصرفات أردوغان وحزبه، حيث يتم الترحيل العشوائي، ومن الممكن أن يقع بعضهم تحت أيدي الإرهابيين، الذين تتواطأ معهم الحكومة التركية.
وأشار إلى أن أردوغان يحرض الشعب التركي ضد اللاجئين السوريين، ويتم طردهم من العمل والضرب والسحل في شوارع تركيا، بشكل يتنافى مع استقدامه لنا في البداية، والتي تبين مع الوقت أنها كانت للاستفادة السياسية ليس أكثر.

شعارات فضفاضة
وأكد المحلل السوري كابان، أن النظام التركي اعتقل آلاف العوائل وألقى بهم خلف الحدود، في إدلب نهباً للقاعدة وجبهة النصرة، بهدف تقوية هذه الجماعات المسلحة والمرتزقة في هذه المناطق.
وانقلب الوضع كما يقول كرم سعيد، فقد كانت استضافة اللاجئين السوريين في تركيا تتم تحت شعار «المهاجرين والأنصار»، وهي شعارات فضفاضة ووهمية، وليس لها وجود على أرض الواقع، وكذلك بدون تأطير قانوني بما يفيد تحديد وضعه كلاجئ أو مقيم أو عامل أو أي تعريف يحفظ حقوقه وكرامته.
وطالب القيصار الناشط السوري، المجتمع الدولي بأن يوقف الممارسات غير الإنسانية، ولا يجب أن يتم ترك اللاجئين فريسة لنظام أردوغان يستفيد بهم تارة ويلفظهم تارة أخرى مع انتهاء المصلحة السياسية مع الغرب الذي كشف ألاعيبه.

حماية اللاجئين
وفي إعلان نيويورك التاريخي للاجئين والمهاجرين للعام 2016، اتفقت جميع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة البالغ عددها 193 دولةً على أن حماية الأشخاص الذين يُجبرون على الفرار ودعم البلدان التي تؤويهم مسؤوليتان دوليتان مشتركتان يجب تحملهما بصورة أكثر إنصافاً وعلى نحو قابل للتوقع. ويهدف الميثاق العالمي بشأن اللاجئين إلى تعزيز الاستجابة الدولية لتحركات اللاجئين الكبيرة وأوضاع اللجوء التي طال أمدها وأهدافه الرئيسة الأربعة هي تخفيف الضغوط على البلدان المستضيفة، وتعزيز قدرة الاعتماد على الذات لدى اللاجئين، وتوسيع نطاق الوصول إلى حلول البلدان الثالثة، ودعم الظروف في بلدان الأصل للعودة بأمان وكرامة.

 

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2025©
نحن نستخدم "ملفات تعريف الارتباط" لنمنحك افضل تجربة مستخدم ممكنة. "انقر هنا" لمعرفة المزيد حول كيفية استخدامها
قبول رفض