29 يوليو 2010 21:18
في ظلّ عطلة صيفية طويلة تمتد لثلاثة أشهر، يبدو من الصعب على الأهالي توفير برامج ممتدة لملء أوقات فراغ أبنائهم، لا سيما إذا ما اضطرت العائلة لملازمة الدولة خلال فصل الصيف كلّه ولم تتمكن من السفر لظروف معينة، في هذه الحالة يكون قد حكم على الأبناء بملازمة المنزل على الأرجح والبقاء تحت حكم جهاز التلفزيون وغيره من الألعاب الإلكترونية التي تبدد الوقت والمال وتؤثر على نمو الأطفال وتفكيرهم بطريقة سلبية لمدة تقارب التسعين يوماً.. وحتى إذا ما تمكنت الأسرة من إلحاق أبنائها ببعض البرامج الصيفية الخاصة كالأندية الصيفية والمراكز الرياضية والثقافية الخاصة، فإن ارتفاع التكلفة المادية وعدم وجود العديد من البدائل بالنسبة لها، يحول دون استمرار تسجيل الأبناء فيها طوال العطلة ما يعني المكوث في المنزل لمدة تقارب الستين يوماً، وهي مدة كافية لحدوث الملل والضجر لدى الأبناء، فضلاً عن وقوع المشاكل فيما بينهم.
كثرت القنوات التلفزيونية المخصصة لعرض برامج الأطفال حتى استعصت على العدّ، وبات من الصعب الحدّ من ساعات مشاهدتها بالنسبة للأطفال، فالبرامج مستمرة على مدار اليوم بكل اللغات العربية والإنجليزية، إضافة إلى «المدبلج».
تأثير سلبي
«الريموت كونترول» في يد الطفل يصعب أخذه منه، ومع هذا الكم المتزايد من قنوات الأطفال يرى كثير من الأهالي أن جهاز التلفزيون تحول إلى شبح يهدد أبناءهم، كونه يفسد العقول بما يعرضه من أفلام ومسلسلات مليئة بالعنف والجريمة، أو حلقات الكرتون الخيالية القائمة على قواعد غير واقعية، فضلاً عن سلبياته الأخرى المتمثلة في تكتيف الطفل أمامه وعدم إعطائه وقت استراحة لممارسة هوايات أخرى كالمطالعة أو الرياضة أو القيام بمجهود بدني ما يسبب البدانة ويمهّد لحدوث الأمراض في أبدانهم.
وتشكو أم مصطفى من تعلّق أطفالها بالتلفزيون، لا سيما خلال العطلة الصيفية، بقولها: «بمجرد أن يستيقظوا من النوم يتسمّر طفلاي أمام التلفزيون فلا يعودا يسمعان صوتي حين أناديهما أو أحدّثهما، كما لا يستجيبا لطلباتي حين أطلب منهما شيئاً، وهكذا يبقى حالهما طوال النهار إلا إذا ذهبا في نزهة خارج المنزل». تتابع قائلة: «الأمر الذي يزيد الطين بلّة هو وجود العديد من القنوات التلفزيونية المخصصة للأطفال، ما يزيد من ساعات المتابعة لهذه القنوات مع إمكانية التقليب بينها مع إهمال الواجبات والفروض المنزلية».
ورغم اعترافهم بسلبيات تعرّض الأطفال لبرامج التلفزيون فترات طويلة، إلا أن بعض الأهالي يرون أنه الخيار الأفضل والأسلم للأطفال بدل اللعب خارج المنزل في هذه الأجواء الصيفية الحارة جداً، تقول سالي شويحات: «لا أنكر التأثير السلبي الذي تحدثه برامج الأطفال على أبنائي، فقد أصبح لعبهم يتسم بالعدوانية، ورغم ذلك فإن خيار مشاهدة التلفزيون يبقى بالنسبة لي هو الأكثر أمناً بدل الخروج من المنزل واللعب في الشوارع».
ألعاب إلكترونية
من جهتها تحدثت راوية عبيد عن تعلّق ابنها ببرامج التلفزيون التي وصل معها حدّ الإدمان، على حدّ تعبيرها، «فهو يصحو وينام أمام التلفزيون، كما أنه يخفي جهاز «الريموت كونترول» الخاص به حتى لا نأخذه منه أو نقلّب على محطة أخرى، وما فاقم المشكلة أن والده اشترى له جهاز «بلاي ستيشن» ليلهو به فأصبح يمضي نهاره بين التلفزيون وهذه اللعبة الإلكترونية دون أن نستطيع السيطرة عليه».
إلى ذلك تفصح ليلى صبحي عن عدم سيطرتها على أطفالها مع ازدياد الساعات التي يقضونها أمام شاشة التلفزيون، أو بصحبة الألعاب الإلكترونية مثل «الجيم بوي» و»البي أس بي» والبلاي ستيشن» التي سيطرت عليهم وشغلت عقولهم طوال الوقت».
تضيف قائلة: «ولمعالجة هذا الأمر فقد ألحقتهم بناد صيفي لكي يمارسوا الأنشطة الرياضية والثقافية المختلفة من سباحة وتايكواندو وكرة قدم وغيرها، حيث يبقون فيه حتى منتصف النهار، لكن المشكلة لم تنته جذرياً، فبمجرد دخولهم إلى المنزل يمسك الولد الصغير بمقبض «البلاي ستيشن»، ويبدأ باللعب إلى أن يرغمه والده على ترك اللعبة وأخذ قسط من الراحة».
برامج بديلة
من جهة أخرى يؤكد الدكتور مصطفى عبدالعظيم، أخصائي الطب النفسي، أن مشاهدة الأطفال لبرامج التلفزيون لفترات غير محددة ودون رقابة وانتقائية تفرز سلوكات سلبية أبرزها الأنانية وعدم التعاون مع الآخرين، وعدم الإحساس بمشاعرهم بل والسخرية منهم إلى جانب التقليد الأعمى لهم في الملبس والمأكل والمشرب والسلوك الاجتماعي.
كذلك تؤدي مشاهدة البرامج بإفراط ودون ضوابط، بحسب عبد العظيم، إلى تأثيرات سلبية على الأطفال تتمثل بالعجز عن ضبط النفس واللجوء إلى العنف بدل التفاوض والافتقار إلى الأمان والشعور الدائم بالخوف والقلق، وترسيخ صور نمطية في عقل الطفل حول المرأة والرجل والمسنين وغيرهم، إضافة إلى قتل روح الإنتاج والإبداع لديهم.
لكنه مع ذلك لم يغفل آثار التلفزيون الإيجابية على الأطفال باعتباره «ثنائي التأثير»، فهو يحفز الطفل على إدراك مفاهيمه وتصوراته وطموحاته، ويعزز لديه قيم الاستقلال في الرأي والرغبة في الحوار والميل إلى التفكير النقدي وانتهاز فرص التعلم الذاتي كما يوسع مداركه وينمي خياله ويرفع مستواه الثقافي والعلمي، فضلاً عن أن مشاهدة التلفزيون باعتدال تزيد قدرة الأطفال على الاستيعاب والتذكّر لاعتمادها على حاستي السمع والبصر ولجاذبيتها في الحركة والصورة، ومع اعترافه بصعوبة السيطرة على الأبناء خلال العطلة الصيفية، إلا أنه نصح الأهالي بتحديد ساعات معينة لأطفالهم كي يشاهدوا فيها برامج الأطفال مع تخصيص برامج بعينها تتم مراقبة مضمونها، مشدداً على ضرورة إيجاد برامج بديلة من شأنها الترفيه عن الأطفال في العطلة مثل إشراكهم في الأندية الصيفية، أو مساعدتهم على ممارسة عادات جيدة مثل القراءة والمطالعة ومساعدة الفتيات على الحياكة على سبيل المثال وإحياء ألعاب شعبية قديمة من شأنها أن تزيد أواصر المحبة بين أفراد العائلة.
برامج الأطفال تطرف وعدوانية
كشفت دراسة صدرت عن المجلس العربي للطفولة والتنمية تناولت أثر البرامج التليفزيونية الموجهة إلى الأطفال، عن حقائق حول هوية هذه البرامج ومضامينها ومن يقوم بإعدادها محذرة من خطورة الوضع على عقول الأطفال، مؤكدة أن هذه البرامج التي يصدرها الغرب إلى العالم العربي والإسلامي، تحمل في ثناياها كل ألوان التطرف والعدوانية تحت شعارات براقة كحرية الإعلام والصحافة النزيهة والديمقراطية، الأمر الذي يدمر قدرات الأطفال الذهنية ويزيد من احتمال حدوث السلوك العدواني لديهم بنسبة أكثر من 70% عن الحد التربوي المتفق عليه.
كما حذرت الدراسة من أن برامج الأطفال التلفزيونية الأميركية التي تعتبر المصدر الأول لاستيراد برامج الأطفال العربية قد وصلت نسبة العنف فيها إلى 99.9% وفقاً لإحصاءات حديثة، وأنه في الوقت الذي تمتلئ فيه قنواتنا التلفزيونية الأرضية والفضائية بهذه البرامج، نجد أن نسبة هذه البرامج في القنوات التلفزيونية الأميركية قد انخفضت استجابة للتحذيرات التي أطلقها المسؤولون هناك من خطورة هذه البرامج، باعتبارها سبباً أساسياً للانزلاق نحو الانحراف وزيادة معدل الجريمة.
الألعاب الإلكترونية تسبب الإعاقات
حذر خبراء الصحة من أن تعود الأطفال على استخدام أجهزة الكمبيوتر والألعاب الإلكترونية ربما يعرضهم إلى مخاطر وإصابات، قد تنتهي إلى إعاقات أبرزها إصابات الرقبة والظهر والأطراف والتي تظهر في العادة عند البالغين بسبب استخدام تلك الأجهزة لفترات طويلة مترافقاً مع الجلوس بطريقة غير صحيحة، وعدم القيام بأي تمارين رياضية ولو خفيفة خلال أوقات الجلوس الطويلة أمام الكمبيوتر. من ناحية أخرى فقد كشف العلماء أن الوميض المتقطع بسبب المستويات العالية والمتباينة من الإضاءة في الرسوم المتحركة الموجودة في هذه الألعاب تتسبب في حدوث نوبات من الصرع لدى الأطفال، محذرين من الاستخدام المتزايد لألعاب الكمبيوتر الاهتزازية من قبل الأطفال لاحتمال ارتباطه بالإصابة بمرض ارتعاش الأذرع والأكف. كما أشارت الأبحاث العلمية إلى أن حركة العينين تكون سريعة جداً أثناء ممارسة ألعاب الكمبيوتر، ما يزيد من فرص إجهادها إضافة إلى أن مجالات الأشعة الكهرو- مغناطيسية المنبعثة من شاشات الكمبيوتر تؤدي إلى حدوث الاحمرار بالعين والجفاف والحكة، وكذلك الزغللة وكلها أعراض تعطي الإحساس بالصداع والشعور بالإجهاد البدني وأحياناً بالقلق والاكتئاب، فضلاً عما تعلمه للأطفال من عنف وعدوانية.
المصدر: أبوظبي