قال الله تعالى على لسان سيدنا يوسف عليه السلام: «اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم». وفي هذه الآية الكريمة يستعرض سيدنا يوسف مهارات الإدارة المالية لديه والتي صقلتها نشأته في بيت النبوة وفي بيت عزيز مصر، فمن منا لا يبتغي لابنه هذه المكانة، وأن يكتسب تلك المهارات والتي تعد رافداً أساسياً في ثقافتنا الإسلامية تفرد لها فصولاً بأكملها في كتب الفقه، إنه فقه المعاملات المالية والبيع والشراء نعلمه أبناءنا في الصغر لينمو معهم في الكبر، إنه واجب تربوي، هذا ما تقوله الدكتورة هبة شركس الأخصائية النفسية، مدرب معتمد وعضو هيئة تدريس بالأكاديمية الأميركية للعلوم والتنمية، وتقول شركس عن مصـروف الطفـل، إنه مبلغ صغير يدبر به الطفل بعض احتياجاته، إنها عادة تكسب الطفل العديد من المهارات حتى لترتقي به لمنصب وزير مالية واقتصاد لوزارته الصغيرة، فهذه الدراهم تأخذ بيد الطفل إلى أرض الواقع لتعلمه مهارات البيع والشراء، وترسم له حدود الملكية الشخصية، وتبين له القيمة الشرائية للعملات المعدنية والورقية،
تقول شركس في السياق نفسه: يعتقد بعض المربين أن المصروف الخاص بالطفل هدفه أن يشتـري الطفل بعض احتياجاته، وأنه متى توافرت له احتياجاته عن طريق البيت أو من المقصف المجاني للمدرسة فلا داعي أبداً للمصروف، ولا يقف الأمر عند هذا الحد بل يمتد إلى ما هو أبعد من ذلك، حيث يعتقد بعض المربين أن وجود النقود مع الأولاد قـد يعرضـهم لبعـض المشكــلات مثـل التحـايل على الطـفل، أو أن يبتاع الطفل سلعاً عديمة القيمة، وفي محاولة من المربي للسيطرة على الوضع وحماية الطفل، يقوم بتلبية احتياجاته كلها ليمنع عنه النقود بشرها ومشكلاتها، متجاهلاً ما يتمتع به الطفل من حب للاستطلاع ورغبة في اكتشاف محيطه وخوض غمار التجارب بنفسه، وهذه الصفات هي جوهر اكتساب المهارات والمفاهيم والقيم الخاصة به.
ينمي المهارات
تضيف هبة شركس عن المصروف اليومي للطفل: يلعب المصروف الخاص بالطفل دوراً كبيراً في تكوين شخصية الطفل وإكسابه العديد من المهارات والقيم والمفاهيم، كما أنه يخلق حدوداً وإطاراً للحياة التي يتصرف الطفل داخلها، وإعطاء الطفل مصروفا يتناسب مع سنه والحالة الاجتماعية والاقتصادية للأسرة يعد أسلوباً تربوياً ناجحاً يحفز عند الطفل مهارات أساسية، ويفتح له آفاقاً جديدة منها: تنمية حدود الملكية عند الطفل، حيث يتعلم الطفل ما يملكه هو، وما يملكه الآخرون، ومفهوم الملكية مفهوم تربوي مهم يحمي الطفل من التهاون في حقوقه الشخصية أو الاعتداء على حقوق الآخرين، كما يكسبه مهارات البيع والشراء، حيث ينمي مهارات البيع والشراء والتفكير المنطقي لدى الأطفال، حيث يقوم الطفل بتحديد القيمة الشرائية لما معه من النقود، وينظر إلى احتياجاته ثم يقرر ماذا سوف يشتري وما لا يستطيع شراءه، ويعطيه مهارات التفاوض، إذ يمكننا أن ننمي لدى الأطفال مهـارات التفاوض الخاصة مع أولياء الأمور من جهه، حيث إنهم من حين إلى آخر يطالبون بزيادة في المصروف حتى يتلاءم مع متطلباتهم الجديدة، كما أنهم يتفاوضون بشأن شراء ما يحتاجون إليه بأقل التكاليف من جهه أخرى. أما مهارات الادخار، فيتعلم الأطفال من خلالها ادخار بعض الأموال، وتجميعها للحصول على مبالغ أكبر حتى يستطيعوا شراء أشياء ذات قيمة أكبر، مما يولد لديهم الصبر وحسن التدبير، ويعرفهم بقيمة العطاء، إذ يمكننا تعويد الطفل على العطاء حينما يمتلك ويعرف معنى الملكية، ومن ثم ينتقل لأن يعطي ويتشارك بجزء من ممتلكاته مع الآخرين، ودون مفهوم الملكية يصعب غرس قيمة التعاون والعطاء.
حماية مستقبلية
تتحدث شركس عن إيجابيات المصروف اليومي للطفل، وتقول: إن تعرض الطفل لبعض المشكلات المادية مثل سرقة نقوده أو شراء أشياء غير قيّمة يقوي من عوده، ويعلمه بطريقة التجربة والخطأ مهـارات لم يكن ليتعلمها لو لم يتعرض لمثل هذه مشكلات، ويحميه من مثيلاتها في المستقبل، كما أنه بإمكاننا تعليم الطفل أن النقود التي يمتلكها هي وسيلته لحياة كريمة، كما أنها تجعله يتعفف عما في أيدى الآخرين، وهذا يدخل في إطار الاعتزاز بالنفس.
وتذكر شركس: إننا في مجال الإرشاد التربوي، ننصح أولياء الأمور باستخدام تلك الأداة التربوية البسيطة لخلق وزارة ماليه خاصة لكل طفل وارتقاء به إلى منصب وزير مالية واقتصاد، عن طريق دعم الاتجاهات الإيجابية للطفل في هذا المجال، حيث إنه من المسلم به أن قدرات الإدارة المالية موجودة لدى جميع الأطفال، ولكن بدرجات متفاوتة تتسع وتضيق تبعاً لاستعداداتهم الفطرية من جهة، وطريقة تحفيزهم ودعمهم من جهه أخرى، بتطوير جوانب الإدارة المالية لدى الأطفال لنغرس فيهم العديد من المفاهيم والقيم والمهارات، ومنها: مفهوم الملكية، القيمة الشرائية للنقود، مهارات التفاوض، الادخار، حل المشكلات، البيع والشراء، قيمة العطاء، التعاون، تحمل المسؤولية، الأمانة، العفاف عما في أيدي الآخرين.
سلبيات يجب الحذر منها
تستدرك هبة شركس وتتحدث عن سلبيات المصروف اليومي للطفل، وتقول في ذلك: لكن الحذر.. الحذر، فكما أن المصروف أداة تعليمية لتعزيز الشخصية، فإن المغالاة في المصروف تهدم هذه الشخصية وتزرع في الطفل الاستهتار، وعليه فإن هناك عوامل عدة من شأنها معاونة المربي على تحديد قيمة المصروف منها ما يتعلق بالطفل ذاته مثل عمر الطفل، وأوجه الإنفاق، ومنها ما يتعلق بالأسرة مثل المستويين الاقتصادي والاجتماعي للأسرة، ومنها ما يتعلق بالمجتمع الذي يعيش به الطفل، فالتباين بين بيئة الطفل الداخلية «الأسرة»، وبيئته الخارجية «المجتمع» يحدث خللاً تربوياً لدى الطفل، كما يجب عند تحديد المصروف مراعاة التضخم، بمعنى زيادة الأسعار وزيادة احتياجات الطفل كلما تقدم في السن.