5 فبراير 2009 01:51
ظهر أخيراً زعيم كوريا الشمالية، كيم يونج إيل، أواخر الشهر الماضي على الملأ بعدما قيل إنه تعرض لجلطة دماغية قبل ستة أشهر· ومع أن ظهوره بدد الشكوك والتساؤلات حول بقائه حياً، فإن ذلك لم يوقف التكهنات حول حالته الصحية ومسألة خلافته التي تعد حساسة للغاية· وربما يرى البعض أنه لا سبيل لاستشراف المستقبل سوى الانتظار ورؤية ما سيجري، إلا أنه سيكون تصرفاً غير حكيم، ذلك أنه على الولايات المتحدة وحلفائها الآسيويين الاستعداد لاحتمال حصول تغيير وشيك في كوريا الشمالية قد لا يكون بالضرورة سلساً ولا سلمياً·
فحسب التقديرات الطبية ترتفع احتمالات الوفاة في غضون سنة لدى ربع الرجال الذين عانوا من جلطة دماغية بعد سن الـ،65 وكيم سيحتفل بعيد ميلاده الـ68 بحلول شهر فبراير الحالي، وتمثل احتمـــالات بقائــــه على قيد الحياة خلال خمس سنوات التالية 50%، كما يزداد الأمر سوءاً بالنسبة لمرضى السكري، والزعيم الكـــوري يعتقد أنه واحد منهم، لأنـــه حسب دراسة أجرتها جامعة إنديانا الأميركية في عام 2008 يتقلص متوسط الأعمار لديهم بحوالي 15% في حال تعرضهم لجلطة دماغية·
لكن لماذا نهتم كل هذا الاهتمام بصحة كيم يونج إيل؟ الحقيقة أن كوريا الشمالية، باعتبارها دولة نووية ومصدرة للصواريخ البالستية، كانت تشكل على الدوام صداعاً لواشطن، كما أن امتلاكها لأحد أكبر الجيوش في العالم وتوفرها على صواريخ بعيدة المدى، يجعلها قادرة على تدمير جارتها الجنوبية ومعها اليابان، أهم حليفين آسيويين في المنطقة للولايات المتحدة· وفي ظل انخراط الصين وروسيا في شبه الجزيرة الكورية، تتشابك مصالح القوى الكبرى وتتقاطع وربما قد تصطدم في بعض الأحيان، لذا تكتسي مسألة الحكم في كوريا الشمالية أهمية بالغة لا يمكن التهاون بشأنها·
فلو فاجأ الموت الزعيم الكوري، أو قرر التنازل عن السلطة من تلقاء نفسه، فمن المحتمل أن يتولى أحد أبنائه الثلاثة السلطة، كما فعل هو نفسه بعد وفاة أبيه، لكن بالنظر إلى حداثة سنهم وقلة تجربتهم، فقد تُنصب قيادة مشتركة لإدارة شؤون البلاد تتألف من ضباط كبار مع تقديم أحد الأبناء في الواجهة للحفاظ على شرعية النظام، إلا أنه من غير المؤكد أن يستمر هذا الوضع طويلا أو أن تظل الأمور على حالها· فقد يغتر بعض الأفراد أو الفصائل، سواء من داخل الجيش أو أجهزة الاستخبارات، فينقضوا على السلطة، ما قد ينجم عنه صراع مرير بين القيادات المختلفة سيثقل كاهل البلد بضغوط إضافية ربما لن يستطيع تحملها، لاسيما وأن الأنظمة الشمولية غالباً ما تنكشف هشاشتها تحت وقع الضغوط، ونظام كوريا الشمالية هو أحد تلك الأنظمة·
وقد يجد العالم نفسه في حال انهيار كوريا الشمالية أمام مجموعة من التحديات الجسيمة، ليس أقلها التدفق الكبير للاجئين، والاستفزازات العسكرية، وتداعي النظام العام، والأخطر من ذلك ما يتعلق بأمن وسلامة الترسانة النووية· وبالطبع ستُحمِّل هذه التحديات الدول المجاورة ضغوطاً كبيرة ستدفعها للتدخل من أجل إعادة الاستقرار للبلاد، لكن بالنظر إلى المصالح المتباينة تزداد احتمالات سوء الفهم واندلاع الصراع بسبب التدخلات الفردية وغير المنسقة بين الدول المعنية بالوضع في كوريا الشمالية·
ولهذه الأسباب كلها يتعين على الإدارة الأميركية أن تكون مستعدة للتصدي لأي تغيير مفاجئ قد يضر بالاستقرار في جنوب شرق آسيا، وفي هذا الإطار يتعين عليها تعزيز قدرتها على فهم التطورات الجارية في كوريا الشمالية وفي نفس الوقت العمل على إعادة تقييم خطط الطوارئ لضمان استجابة منسقة وشاملة لأي ظرف غير متوقع، وهنا يتعين علينا الاستفادة من عملياتنا الجارية حالياً في أفغانستان والعراق· وعلى الولايات المتحدة أن تنسق جهودها مع كوريا الجنوبية واليابان لتعزيز العمل المشترك وتحسين فرص التدخل السريع إذا لزم الأمر· ولحد الآن تواجه عملية التخطيط المشترك عقبات مهمة بسبب الخلافات السياسية بين سيؤول وواشنطن· ولا بد في هذا السياق أيضاً أن يرافق الاستعداد العسكري لأي تدخل محتمل استراتيجية سياسية ودبلوماسية واقتصادية وقانونية، وهو ما يستدعي إشراك اليابان في عملية التنسيق والتخطيط لأسوأ الاحتمالات·
ولا ننسى الصين التي يتعين على الولايات المتحدة الدخول في حوار هادئ معها تجنباً لأي سوء فهم بين البلديـــن بشـــأن أزمــــة قـــــد تنشــــأ في كوريا الشمالية· وأخيراً ومهمـــا اشتطت التخمينـــات حول استمرار كيم يونج إيل في السلطة بعد التقارير الصحية غير المطمئنة، تبقى الأخطار والتحديات أكبر من أن تترك لارتجال اللحظة الأخيرة·
بول ستيرز
باحث بارز في مجلس العلاقات الخارجية الأميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست