11 مايو 2012
احتفت الإذاعة المصرية بالذكرى الخامسة عشرة لرحيل الموسيقار سيد مكاوي مؤخراً، من خلال بث العديد من ألحانه التي أثرى بها المكتبة الموسيقية، وشدا بها كبار المطربين المصريين والعـرب، كما قدمت فرقة أوبرا الإسكندرية مجموعة من ألحانه، في حفل أقيم لهذا الغرض. وقد جمع الراحل بين الموهبة الفطرية والذكاء وسرعة البديهة، والذاكرة الفولاذية وشهامة أبناء البلد، وكان خفيف الظل وحاضر النكتة، وهو أحد الملحنين المطربين الذين جمعوا بين موهبة التلحين والغناء، واشتهر بأداء دور “المسحراتي” لما يقرب من 40 عاماً.
(القاهرة) - ولد سيد مكاوي في 8 مايو 1926 في حي السيدة زينب، وأصيب بالرمد، وهو في الثانية من عمره، ولم تكن أسرته تملك ثمن علاجه، وهو ما أدى لفقده البصر. وفي سن السابعة ذهب إلى الكتاب، وحفظ القرآن الكريم في ثلاث سنوات وحين توفي والده تولى رعاية أسرته، فتلا القرآن في المنازل، وشجعه أهالي الحي، وسعى لتحقيق حلم الغناء من بوابة الإنشاد الصوفي، وقصائد المديح، والتواشيح الدينية في الموالد وحلقات الذكر.
تخت لحفلات الأصدقاء
وتعرف إلى الشقيقين إسماعيل ومحمود رأفت، وكانا من أبناء الأثرياء ومن هواة الموسيقى، وكانا يملكان آلاف الإسطوانات القديمة والحديثة لكبار الملحنين وقتئذٍ، ومنهم داوود حسني ومحمد عثمان وكامل الخلعي، وكون معهم ما يشبه التخت لإحياء حفلات الأصدقاء.
وتقدم للإذاعة في بداية الخمسينيات وأُعتمد كمطرب فيها، وكان يؤدي أغاني التراث من أدوار وموشحات في مواعيد شهرية ثابتة.
وفي منتصف الخمسينيات أسندت إليه الإذاعة تلحين العديد من الأغاني الدينية، ومنها “تعالى الله”، و”آمين آمين”، و”يا رفاعي قتلت كل الأفاعي”، و”حيارى على باب الغفران”، وشدا بها الشيخ محمد الفيومي، وتوجها بـ “أسماء الله الحسنى”.
وأقنع مسؤولي الإذاعة بتطوير شكل المسلسلات بعمل مقدمات غنائية لها، وقدم عشرات المقدمات الغنائية لمسلسلات شهيرة لأمين الهنيدي ومحمد رضا وصفاء أبو السعود، ومنها “شنطة حمزة”، و”رضا بوند”، و”عمارة شطارة”، و”حكايات حارتنا”.
حلقات “المسحراتي”
وأحدث انقلاباً في حلقات “المسحراتي” التي كان يقدمها أكثر من ملحن، ومنهم أحمد صدقي، ومرسي الحريري، وعبد العظيم عبد الحق، وكانوا يقدمونها على فرقة موسيقية، وفي أحد الأعوام أسندوا إليه تلحين 3 حلقات، واشترط أن يغنيها، واستغنى فيها نهائياً عن الفرقة الموسيقية، وقدمها بالطبلة، وفور إذاعتها، بأسلوبه، حققت نجاحاً لافتاً، وهو ما دعا مسؤولي الإذاعة في العام التالي للاستغناء عن كل الملحنين، وإسناد العمل كاملاً له، وظل يقدم “المسحراتي” مع الشاعر فؤاد حداد بالأسلوب نفسه حتى وفاته.
وكانت له محطتان مهمتان، الأولى “رباعيات” صلاح جاهين التي قدمها في حلقات يومية في إذاعة صوت العرب في نهاية الستينيات من القرن الماضي، وحققت شهرة واسعة، وهو ما جعل علي الحجار يستأذنه في إعادتها بصوته، والثانية تلحينه لحلقات “نور الخيال وصنع الأجيال” من أشعار فؤاد حداد، وكان يصف فيها القاهرة وما مر بها من أحداث، وغناها في شكل الشاعر الراوي، وقدم من خلالها أغنية “الأرض بتتكلم عربي”.
أغاني المجاميع
ولمكاوي الفضل في وضع أساس لتقديم الأغاني الجماعية بالإذاعة، وكان أول من لحن أغاني المجاميع بعيداً عن تقديم لحن لأحد الأصوات الشهيرة، فقدم أغنيات جماعية منها “آمين يا رب الناس”، و”وزة بركات”، و”عمال ولادنا والجدود عمال”، و”زرع الشراقي”، و”ح نحارب كل الناس” التي قدمها أثناء عدوان 1956.
وقدم بعدها عدد من الأغنيات الوطنية، منها “الدرس انتهى لموا الكراريس”، وغنتها شادية، عقب قصف مدرسة بحر البقر عام 1967، و”احنا العمال اليَّ اتقتلوا”، عقب قصف مصنع أبوزعبل، وغنى في حفل بدء بناء السد العالي أغنيتي “مصر دايماً مصر”، و”مافيش في قلبي ولا عيني الا فلسطين”، وأثناء حرب السويس قدم “يا بلدنا الفجر مادنة ونار بنادق”.
وكان له بداية من عام 1969 دور بارز في المسرح الغنائي، حين شارك في أوبريت “القاهرة في ألف عام” مع محمود الشريف وأحمد صدقي وعبد العظيم عبد الحق ومحمد الموجي وكمال الطويل، وقدم في هذا الأوبريت ستة ألحان هي “المماليك”، و”بناء القاهرة”، و”البياعين”، و”عيد الفطر”، و”الحاكم بأمر الله”، و”يا مصر افتحي قلبك “، ونظراً لنجاح ألحانه أسند إليه مسؤولو الأوبرا في العام التالي تلحين أوبريت “الحرافيش” منفرداً، وحقق نجاحاً هائلاً، وقدم بعده ألحانا لمسرحيات “دائرة الطباشير القوقازية”، و”الصفقة”، و”مدرسة المشاغبين”، و”سوق العصر”، و”قيراط حورية”، و”الليلة الكبيرة”.
ألحانه لمختلف الأجيال
ولحن للعديد من المطربين من مختلف الأجيال، ومنهم محمد عبدالمطلب” إتوصى بيا”، و”قلت لأبوكي عليكي وقالي”، و”إسأل مرة عليّا”، وشريفة فاضل “مبروك عليك يا معجباني”، و”ليلي مراد “حكايتنا إحنا الاتنين”، وشادية “ هوى يا هوى”، و”همس الحب”، وشهرزاد “غيرك انت ما ليش”، ونجاة الصغيرة “لو بتعزني”، وصباح “أنا هنا يا ابن الحلال”، وسمير الاسكندراني “يارب بلدي والمجتمع والناس”، وفايزة أحمد “يا نسيم الفجر صبح”، وعزيزة جلال” بتخاصمني حبة”، ووردة “قلبي سعيد” و”شعوري ناحيتك” و”ياما ليالي”، و”بحبك صدقني” و”قال إيه بيسألوني” و”ياناس” و”لامش كده” و”ماتعودناش” و”العروسة”، وأم كلثوم “يامسهرني”، وكان مقرراً أن تغني له أيضاً “أوقاتي بتحلو” ولكن تسببت وفاتها في ذهاب الأغنية إلى وردة .
جوائز ورحيل
غنى سيد مكاوي بصوته عشرات الأغنيات، ومنها “حبيبي”، وأوبريت “الليلة الكبيرة”، و”شاور لي”، و”كل الأحبة اتنين”، و”عطار” و”ليلة امبارح”، و”وحياتك يا حبيبى”، و”انت واحشني”، و”كده أجمل انسجام”، و”أوقاتي بتحلو”، و”يا حلاوة الدنيا”، و”حلوين من يومنا”، و”دي مصر عايزة رجالة”، و”الله الله يا بدوي”، ومجموعة من التسابيح، منها “سبحان الله”، و”ذكرت الله”، و”يا من يلبي الندا”.
وحصل مكاوي على العديد من الأوسمة وشهادات التقدير، ومنها وسام العلوم والفنون من الدرجة الأولى المصري، ووسام الفنون العراقي، والوسام الثقافي التونسي، وشهادة الجدارة من جامعة كاليفورنيا. وتوفي مكاوي في 21 أبريل 1997 عن عمر يناهز 71 عاماً.