ايطاليا - الاتحاد - خاص:
ماذا تفعل عقدة نابليون بالحرباء اذا كانت ذكية:
سيلفيو برلسكوني أكبر من ان يتسع له هذا المنصب، إنه القيصر الذي بدأ حياته بائع مكانس، لكنه كان يدرك ان في داخله شيء ما يكبر دون هوادة· خبير في جمع المال، حتى انه عندما كان في الحادية عشرة كان يبيع زملاءه في المدرسة الفروض الجاهزة·
غنى وعزف في حفلات الزفاف لكي يعيش ولكن الا يقال ان خريج الحقوق الناجح حملته الماسونية الى ما وصل اليه، هو الذي هرب من السجن الى السياسة فظل يرتفع ويرتفع حتى اصبح النجم الايطالي رقم واحد·
زوجته نجمة سينمائية معروفة لم تقترع له في الانتخابات، وتصفه بالديكتاتور· أليس الرجل ظاهرة حقا؟
كان سلفيو برلسكوني لا يزال مجرد بائع مكانس كهربائية عندما قال: انتظروا سوف اصبح زعيم ايطاليا ذات يوم ويبدو انه لم يكن يمزح على الاطلاق، فهو الآن ليس زعيم ايطاليا فحسب، بل ملكها غير المتوج·
ولد في ميلانو في 29 سبتمبر 1939 لأب موظف في مصرف وأم خادمة منازل، حيث عاش طفولة عادية الى جانب شقيقه وشقيقته،الى ان كان العام 1943 حيث اطاحت الحرب بسكينة العائلة وتماسكها، الأب لويدجي رفض الانخراط في قوات مهورية سالو التي انشأها الدوتشي موسوليني مما اضطره الى اللجوء سرا الى سويسرا حيث انقضى عامان طويلان قبل ان يرى الصغير سلفيو والده مرة اخرى·
ثم بعد الحرب التحق بمدرسة كاثوليكية معروفة بصرامتها، وهناك ابدى تفوقا لافتا·· وفي هذه المدرسة، وفي سن الحادية عشرة، بدأ سلفيو برسلكوني خطواته الاولى في عالم المال والاعمال، كان يعرض على زملائه في الصف ان يكتب لهم مواضيع الانشاء في مقابل مبلغ من المال، الدفع سلفا، واذا نال الموضوع علامة تحت المعدل، يعيد سيلفيو المال الذي قبضه كاملا·
بداية الاسمنت
في سن الثامنة عشرة انتقل برلسكوني الى مدرسة كوبرنيك الثانوية الكاثوليكية، حيث حاز شهادة البكالوريا في الآداب الكلاسيكية، ومنها الى جامعة ميلانو الحكومية حتى تخصص في الحقوق وكان شبه مفلس في هذه المرحلة يعتاش من تصوير حفلات الزفاف ومن الغناء والعزف في المراكب السياحية·
بعد نيله اجازة الحقوق تهرب من الخدمة العسكرية وسعى الى تكوين ثروة في ميلانو الستينات التي كانت تشهد حركة ازدهار واسعة·· حيث وجد في المعجزة الاقتصادية التي كانت تعم شمال ايطاليا فرصته الذهبية، وكانت بدايته في مجال الابنية السكنية·
كان ينقصه التمويل، لكنه عرف كيف يعوضه بجاذبيته الشخصية، وفي العام 1961 -1962 نجح في تنفيذ مشروع من اربعة ابنية بقرض من كارلو رازيني مدير المصرف الذي كان يعمل فيه والده قبل الحرب، ثم نجح في مشروع آخر باع كل شققه وهو لا يزال مجرد تصاميم على الورق·
عام ،1965 وقد اصبح ثريا بالفعل، تزوج برلسكوني من السويسرية كارلا الفيرا اوغليو وانجبا ولدين، فيما تابع مهنته في بناء العمارات·
الماسونية
عام 1974 بدأت اول اهتماماته بالمؤسسات الاعلامية السمعية والبصرية، حيث انشأ القنال 5 تلفزيون كابل مدفوعة مركزه ميلانو·· وفي العام التالي اشترى محطة فينينفست ثم محطتي ايطاليا واحد و ريت كواترو كما اسس محطة بوبلي ايطاليا 80 الاعلانية فيما كانت البلاد تشهد طفرة ازدهار دعائي لا سابق لها·
وبعد فراغه من بناء امبراطوريته الاعلامية، التي اقامها على انقاض مهنته المعمارية السابقة، انتسب برلسكوني في العام 1978 الى محفل بروباغندا الماسوني الذي كان بمثابة دولة داخل الدولة·
ثم وبعد امتلاكه لثلاث محطات تلفزيونية اسماها ميدياست بدأ برلسكوني يتطلع الى منافسة تلفزيون الدولة، خصوصا وان محدودية محطات الميدياست لا تسمح بتجاوز البث المحلي ضمن نطاق مدينة ميلانو·· وقد استعان لهذه الغاية بتجهيزات غير شرعية اتاحت لمحطاته تغطية كامل الاراضي الايطالية· لكن في العام 1984 اصدرت محاكم تورينو وروما وبسكارا اوامر بمصادرة تجهيزات تلفزيونات برلسكوني غير الشرعية وهنا عمد الى الاستعانة بمحاميه الصلب بتينو كراكسي الزعيم السابق للحزب الاشتراكي الايطالي والذي اصبح رئيسا للحكومة، وبفضل كراكسي وبفضل قانون برلسكوني الغى الحظر عن محطات برلسكوني بل جرى تعزيز قوة بثها··
رشوة القضاة
عام 1991 كان كراكسي اشبين برلسكوني في زواجه الثاني من الممثلة الحسناء فيرونيكا لاريو كما كان عراب ابنته الثانية·· وفي العام نفسه وبرشاوي كبيرة للقضاة، خرج برلسكوني من دعوى اقامتها ضده مجموعة موندا دوري التي تضم العديد من كبريات الصحف والمجلات والدوريات الايطالية·
هكذا اذن، وعلى امتداد ثلاثين عاما، عرف سلفيو برلسكوني كيف يبني ا مبراطورية مال واعمال واسعة، وبحيث اصبح صعبا على الاعلاميين اختيار اللقب الذي يطلقونه عليه، انه ملك المقاولين، وملك الاعلام ورئيس نادي كرم قدم، وهو الملياردير وهو الرجل الجبل الذي لا تهزه الريح·· رجل صنع نفسه بنفسه·· يتجاوز أية قوانين او قواعد اذا وجد انها تعيق طريقه الى تحقيق ما يريد ويتباهى بما لديه من جنون العظمة، ويستشهد كثيرا بفيلسوف الجنون الهولندي ايراسم ·
أنا نابليون
عندما ترشح برلسكوني للانتخابات عام ،1994 سخر منه ماسيمو ايليما رئيس حزب اليسار الديمقراطي قائلا: هذا رجل لا علاقة له بالسياسة، إنه يعتقد انه نابليون مع ان قادم من الاسمنت لندعه يحترق وحده · لكن ها قد مرت عشر سنوات، وبرلسكوني لم يحترق بل اصبح رئيسا للحكومة ونجم ايطاليا على الساحة الدولية، وهو يقول: حفاظا على مصالح امبراطورية اعمالي كان امامي اما الفرار الى الخارج او الافلاس او عالم السياسة، وبالتأكيد اخترت السياسية ·
عام 1994 انطلقت في ايطاليا حملة الايدي النظيفة لمكافحة الفساد وبرلسكوني بالذات كان مثقلا بالتهم التي تتراوح بين الاختلاسات والتلاعبات المالية الى رشاوي قضاة وغيرها وغيرها وشركته الهولدنغ فينيفست انهارت تحت ديون بخمسة آلاف مليار لير·· وهنا عرف برلسكوني كيف يقلب المعادلات لمصلحته فقرر خوض غمار السياسة وبشبكة واسعة من التحالفات مع احزاب اخرى وكما قال الاديب الايطالي امبرتو ايكو عنه لقد جاء هذا الرجل الى السياسة لحماية مصالحه الخاصة، مستعينا بامبراطوريته الاعلامية للترويج لبرنامجه السياسي كسلعة تجارية·
وعود المعجزة
في حملته الانتخابية ذهب برلسكوني بعيدا في وعده بـ المعجزة الايطالية الجديدة متجاهلا ما يعرضه جميع الناخبين عنه من انه الملياردير الاغنى في ايطاليا، ومن انه ملاحق لدى القضاء لكن برلسكوني عرف كيف يستقطب اصوات الناخبين وكيف يحرز تفوقا كاسحا على منافسيه ويكرس نفسه، مرة اخرى القيصر·
حكومته الاولى لم تعمر طويلا 226 يوما فقط، لكن عودته المظفرة كانت في مايو 2001 والمراقبون لاحظوا بدهشة كيف انقلب برلسكوني على نفسه في مرحلة ما بين الرئاستين الاولى والحالية لقد بدا وكأنه خرج من مفهوم الشركة الحزب الى مفهوم رجل الدولة العازم فعلا على اصلاحها·· لكن خصومه طالما ندءوا خصومه وما زالوا بتفصيله لأجهزة الدولة على قياس مصالحه الخاصة وبحمله النواب على اصدار تشريعات لمصلحة شركاته واعماله·
بذلك، ومن موقع رئيس الحكومة، حمى برلسكوني نفسه من الملاحقة القانونية القاضية بسجنه ثمانية اعوام·· لكنه لم يستطع حماية ذراعه اليمنى، السيناتور مارسيلو ديل اوتري من السجن تسعة اعوام لادانته بارتكاب جرائم قتل بالاشتراك مع المافيا·
الثري الرابع عشر
ادانة اوتري افقدت برلسكوني الكثير من صدقيته السياسية، واعادت لفت الانظار الى ثرواته الشخصية المقدرة بحوالى 6,5 مليار دولار·
وفي لائحة حل برلسكوني في المرتبة 14 بين اغنى اغنياء العالم·· شركته العملاقة فينيفست هي العمود الفقري لامبراطورية برلسكوني المؤلفة من حوالى 150 شركة، والمسجلة جميعها باسماء من افراد عائلته وانسبائه، فيما لا شيء باسمه سوى رئاسة نادي ميلانو لكرة القدم وخصومه يعتبرون ذلك ليس عمل خير من جانبه بل ضمانا لشركاته من اية ملاحقة يمكن ان تتعرض لها من بعده·
خصوم برلسكوني يعتبرونه ايضا خطرا على حرية الرأي، بفعل امساكه بالسلطة وبالاعلام معا·· اضافة الى عدم اكتراثه بالقضاة ولا بالصحافيين والمثقفين الذين لا يؤيدونه وهم الذين يسلط عليهم وسائله الاعلامية المرعبة فعلا·
ديمقراطية
شيخ الصحافة الايطالية انزو بياغي البالغ من العمر 82 عاما والمعروف برزانته وباحترامه في كافة قطاعات المهنة، تعرض لحملة تنكيل شرسة من جانب برلسكوني لاقدامه في مايو 2001 على استضافة ممثل كوميدي يساري وجه انتقادات لاذعة الى برلسكوني عشية الانتخابات·· وبعد فوز برلسكوني توقف برنامج بياغي الذي ظل يستقطب المشاهدين كان مستمرا منذ العام 1995 ثم حصل شيء مماثل لـ ميشال سانتورو احد نجوم تلفزيون الدولة، الذي كانت تتضمن برامجه انتقادات ضد رئيس الحكومة·
في حرب العراق وقف برلسكوني الى جانب الولايات المتحدة لكنه حافظ في الوقت نفسه على مسافة من ثالوث بوش ، بلير، ازنار وهو لم يفعل ذلك سوى حفاظا على سلطته ومصالح شركاته تجاه تظاهرات الاحتجاج الحاشدة التي كانت تجري في ايطاليا ضد تلك الحرب·
أوسع من الفاتيكان
حتى خصوم برلسكوني يعترفون له ببراعته الفائقة في اللعب على جميع الحبال والاوتار الحساسة فهو تجديدي صنع نفسه بنفسه في مواجهة نبلاء ايطاليا المحافظين وهو في الوقت نفسه مدافع عن التقاليد الايطالية، شديد التمسك في خطبه ومواقفه على قيم الدين والعائلة والاخلاق·· وكما يقول احد اقرب مستشاريه برلسكوني مثال الحرباء الذكية، مستعد دائما ان يظهر امامك باللون وبالصــورة التي تريدها·
القيصر برلسكوني كما يسميه الايطاليون جعل من قصره المفضل فيلا سرتوزا ليس تحفة معمارية فحسب، بل اشبه بالقلعة السرية·· مساحة القصر ومحلقاته اكبر من مساحة دولة الفاتيكان·· والمؤرخون يشبهونه بقصر دميس دي كابري الاسطوري الذي كان مقر حكم روما·· والى هذا القصر دعا برلسكوني الزعيمين البريطاني توني بلير والروسي فيلاديمير بوتين اللذين لم يجدا ما يعبران عنه عن الدهشة الاسطورية هكتارات من العشب الاخضر الانجليزي مسابح شاسعة مسقوفة، مطارات هليكوبتر، مغاور ودهاليز ومسارح رومانية واغريقية معمولة بالغرانيت·
سرطان
في يناير 2003 احتجب برلسكوني عن الظهور لعدة اسابيع عمل خلالها على التخلص من احد عشر كيلو غراما سمنة زائدة ومن تجاعيد بدأت تظهر على وجهه·· قال بعدها للصحافيين انها مجرد اعادة نظر لاصلاح حالتي الجسدية فيما سرت اشاعات عن خضوعه لعلاج غير ناجح من سرطان البروستات·
على اي حال ليس من السهل معرفة حقائق كهذه حول رجل مثل برلسكوني لطالما حرص على ابقاء شؤون حياته الخاصة في الكتمان عدا بعض تفاصيل لا ينام قبل الثانية والنصف ليلا ولا ينهض قبل السابعة والربع صباحا يمارس رياضة الدراجة الآلية في غرفة نومه، يجري 90 دقيقة كل يوم احد، يتهاتف يوميا مع عائلته واولاده متزوج حاليا من النجمة السينمائية فيرونيكا لايريو التي التقاها عام 1980 وتزوجها بعد 11 عاما، انجب منها ثلاثة بربارة 20 عاما واليونورا 18 ولويدجي 16 فيرونيكا ليست كثيرة الاهتمام بكونها السيدة الاولى وتدلي بأفكارها السياسية بانفتاح محسوبة على اليسار، وهي لم تصوت الى جانب زوجها في الانتخابات بل الى جانب خصومه السياسيين، وفيرونيكا لا تتوانى عن اتهام زوجها بأنه ديكتاتور ايطاليا واسير عقدة نابليون ·
خداع طفلة يتيمة
قصر اركور في شمال ميلانو، العائد الى القرن الرابع عشر، والمؤلف من 148 غرفة اشتراه برلسكوني بطريقة غير مشروعة من انا ماريا كاساتي وهي طفلة يتيمة عمرها 12 عاما والوريثة الوحيدة للقصر، اشتراه بسعر زهيد لا يوازي سعر شقة سكنية عادية في وسط ميلانو، وبكل ما فيه من تحف ومقتنيات ومن حدائق ملحقة مساحتها مئات الهكتارات·