أبوظبي (الاتحاد)
لم يعد التخاطر، أو قراءة الأفكار، من خوارق العادات، وإنما تحوّل إلى تجارب علمية في أكبر الجامعات. ويبدو أن العالم يوشك على دخول مرحلة ما بعد الإنسان، إن صح التعبير.. تلك المرحلة التي يصبح فيها الإنسان عاجزاً عن استيعاب الثورة التكنولوجية والعلمية المحيطة به، ومن ثم يلجأ إلى تعزيز اصطناعي لدماغه وربما بقية أعضائه البيولوجية.
ولعل هذا ما تشير إليه طفرة الأبحاث الحديثة حول تكنولوجيا التخاطر بين عقول البشر، ومحاولات تعزيز مخ الإنسان بالذكاء الاصطناعي، سعياً وراء مستوى فائق من الإدراك البشري الخارق.
مخ قرد يتحكم في الكمبيوتر
وبعدما أثار المخترع ورجل الأعمال إيلون ماسك الجدل بتحذيره من خطر الذكاء الاصطناعي على البشر، واحتمال تفوقه في المجالات كافة بحلول عام 2030، عاد أيضاً الأسبوع الماضي ليعلن عن سعي شركته إلى توصيل مخ الإنسان بواجهة حاسوبية، بعدما جعل قرداً يتحكم في الكمبيوتر باستخدام المخ!
وفيما تبدو طريقة للتعايش مع الخطر الذي حذر منه ماسك، صممت شركته «نيورالينك»، بالفعل جهازاً عبارة عن مسبار صغير، يحتوي على أكثر من 3 آلاف قطب كهربي متصل بخيط مرن أدق من شعر الإنسان، يمكنه مراقبة نشاط 1000 خلية عصبية.
وبحسب «نيورالينك»، يستطيع هذا الجهاز استهداف مناطق معينة من المخ، بطريقة تجعله آمن جراحياً. ويستطيع الجهاز تحليل التسجيلات باستخدام التعليم الآلي.
وربط مخ الإنسان بالواجهة الآلية، ومن ثم بشبكة الإنترنت، من شأنه أن يخلق طبقة من الذكاء الفائق في المخ البشري.
وتسعى الشركة الآن إلى الحصول على موافقة إدارة الأغذية والأدوية الأميركية، والموافقات التنظيمية الأخرى، لبدء تجاربها على البشر.
ومن جانبها، اعتبرت كريتيكا دي سيلفا، خبيرة الذكاء الاصطناعي لدى وكالة «ناسا»، أن التقنية التي تطرحها «نيورالينك» جديدة فعلاً ومثيرة.
ولكنها أوضحت أن الخطط التي تصفها الشركة سوف تستغرق سنوات طويلة وتستلزم العمل للتصدي للتحديات الفنية والأخلاقية. ولكن التقنية ذاتها يمكن أن تشكل خطوة كبيرة على مسار التخفيف من بعض الحالات الطبية الخطيرة، مثل الصرع أو الشلل الرعاش.
وشركة «نيورالينك» ليست الوحيدة التي تبني الواجهات العصبية الآلية. فهناك شركة «كيرنيل»، التي أنشأها رائد التكنولوجيا برايان جونسون، وهي تحاول أيضاً القيام بأمور مماثلة، تهدف منها إلى تحسين وتوسيع الإدراك المعرفي البشري بصورة جذرية.
شبكة العقول
ومن جانبهم، تمكن علماء من تطوير تقنية جديدة تسمح باشتراك ثلاثة أشخاص لحل مشكلة بعقولهم فقط، عبر وسيلة تواصل أطلقوا عليها «شبكة العقول»، بيد أن اللافت أكثر في الأمر أنهم لم يكونوا في الغرفة ذاتها.
وخلال التجربة التي أجراها باحثون من جامعة واشنطن، وأعلن عن نتائجها الشهر الجاري، اشترك 3 أشخاص للفوز بلعبة شبيهة بلعبة تطبيق المكعبات، من خلال التواصل بين أدمغة المشاركين فقط.
وبحسب موقع «ساينس ديلي»، وزّع الباحثون الأدوار بين المشاركين، بحيث يجلس كل منهم في غرفة مختلفة، ويرى اثنان منهم المكعب وصفوف الأعمدة التي يجب وضع المكعب في أحدها، ولكن لا يمكنهما التحكم بأي شيء، بينما يرى المشارك الثالث (المستقبِل)، المكعب فقط، ولكن يمكنه التحكم به دون أن يرى صفوف الأعمدة، بينما يقرر كل من المرسِلين الاثنين ما إذا كان يجب على اللاعب الثالث أن يحرك المكعب بأحد الاتجاهات أم لا ويرسلان المعلومات عبر الإنترنت ومنها إلى دماغ المشارك الثالث. وخلال التجربة، ارتدى المرسلان قبعات ترصد النشاط الكهربائي الدماغي لديهما، وطُلب منهما التحديق في أضواء تومض 17 مرة في الثانية في حال الإشارة على الموافقة، أو 15 مرة في الثانية في حال الرفض، حيث يستجيب الدماغ لاختيار كل منها بأنماط مختلفة من النشاط الكهربائي.
وتلتقط المجسات الموصلة برأس المرسِلين النشاط الكهربائي وترسله إلى الإنترنت ومن ثم إلى دماغ المستقبِل، حيث يتم توصيل «كابل» ينتهي بقطعة معدنية صغيرة بمؤخرة رأسه تحفز الجزء المسؤول عن تفسير الإشارات القادمة.
ومع تطوّر مثل هذه التجارب، ربما يتمكن الإنسان في المستقبل من إرسال واستقبال الرسائل مباشرة من خلال المخ، بدلاً من الاستعانة بالكمبيوتر والبريد الإلكتروني، ولكن مثلما أوضحت خبيرة الذكاء الاصطناعي لدى «ناسا»، سيستغرق الأمر سنوات طويلة. غير أن التحدي الأكبر، في حالة نجاح هذه التجارب وإثبات فاعليتها، سيكون حماية الأفكار والأسرار وربما العقول في وقت تتعرض فيه الخصوصية لخطر الانتهاك من قبل شركات التكنولوجيا العملاقة.