أسماء الحسيني (القاهرة، الخرطوم)
أصدر رئيس المجلس العسكري الانتقالي في السودان الفريق أول عبد الفتاح البرهان، أمس، قراراً يقضي بمصادرة جميع شركات حزب المؤتمر الوطني الحاكم سابقاً الذي كان يرأسه الرئيس المعزول عمر البشير، لمصلحة الدولة، لتصبح شركات حكومية. وقد أثنى سياسيون وناشطون على القرار فور إعلانه، بينما اعتبر البعض أن القرار جاء متأخراً. في وقت، كشفت مصادر مطلعة لـ «الاتحاد» عن اتصالات يجريها المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير بهدف إرسال تطمينات للقوى السودانية المختلفة، وتخفيف الاحتقان الحالي.
وأشارت المصادر إلى اتصالات تمت مع الجبهة الثورية والحزب الشيوعي، فضلاً عن إرسال قوى الحرية والتغيير وفوداً إلى الولايات للتبشير بالاتفاق الذي تم مع المجلس العسكري حول الإعلان الدستوري، وإطلاع الجماهير على التطورات الجارية. وذكرت أن قضايا الحرب والسلام سيتم حلها خلال الأشهر الستة الأولى من الفترة الانتقالية، وأن المفاوضات ستشمل الجبهة الثورية، بالإضافة إلى الحركة الشعبية برئاسة عبد العزيز الحلو، وحركة تحرير السودان برئاسة عبد الواحد محمد نور، وهو ما يستدعي أن تنتظر الجبهة الثورية حتى يكون الحل شاملاً.
ودعت قيادات في حزب الأمة القومي إلى مراجعة الاتفاق الموقع بين قوى الحرية والتغيير والمجلس العسكري الانتقالي، وتأجيل تشكيل الحكومة لمدة شهر من تاريخ تعيين رئيس الوزراء لاستيعاب ملاحظات الجبهة الثورية التي رفضت الإعلان الدستوري، قائلة إن الوثيقة تجاوزت مبادئ محورية في أمر السلام، ووضعت عراقيل أمام تنفيذ أي اتفاق سلام قادم. وسارعت قيادات حزب الأمة المشاركة في اجتماعات أديس أبابا إلى إصدار بيان دعت فيه إلى ضرورة الإيفاء بما تم في أديس أبابا، مهددة بالاستقالة من الحزب حال تجاهل مطالبها.
وقيادات حزب الأمة القومي التي شاركت في اجتماعات أديس ضمت كلاً من نائب رئيس الحزب مريم الصادق المهدي، ومساعد رئيس الحزب صلاح الدين مناع، وعضو المكتب السياسي، محمد زين عديلة. وشدد البيان على ضرورة إتاحة الفرصة لقيادات الجبهة الثورية للتشاور مع الآخرين حول تكوين الحكومة واختيار الوزراء، وفقاً لما تم التوافق عليه معهم. كما دعا البيان لمراجعة بنود تنفيذ الاتفاق بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير، بحيث يتأخر تكوين الحكومة شهراً عن تعيين رئيس مجلس الوزراء الذين يعين متزامناً مع تعيين مجلس السيادة بالطريقة التي تم التوافق عليها في أديس أبابا. وتابع البيان «إنه لو ترك الإعلان الدستوري هكذا، يكون هذا إهدار كامل للثقة التي بنيت بمشقة مع الأخوة في الحركات المسلحة طوال سنوات، واستهتاراً وإضاعة للمجهود الذي تم في أديس مؤخراً. ويضعنا نحن الذين مثلنا الحزب في تلك المشاورات في موضع الصغار والاستهتار، ويتوجب علينا الاستقالة».
من جانبه، شدد حزب المؤتمر السوداني على ضرورة أن توضع ملاحظات الجبهة الثورية حول الوثيقة الدستورية في الاعتبار، داعياً جميع مكونات قوى الحرية والتغيير إلى الحوار مع الجبهة الثورية قبل التوقيع النهائي على الاتفاق. وقال الأمين العام للمؤتمر خالد عمر يوسف، إن قضية السلام مسألة جدية ومن دونها لن تتحقق الديمقراطية. وأضاف «نؤكد ضرورة أن توضع ملاحظات الجبهة الثورية حول الوثيقة الدستورية في الاعتبار، وأن تنخرط جميع قوى الحرية والتغيير في حوار مع الثورية قبل التوقيع النهائي على الاتفاق». وأوضح أن السلام قضية مركزية وعلى أجهزة السلطة الانتقالية أن تعمل بصورة عاجلة على إيقاف الحروب على أساس اتفاق سلام عادل وشامل يخاطب جذور الأزمة. وأعلن أن حزب المؤتمر السوداني انخرط مع الجبهة الثورية في نقاشات جانبية جادة، متوقعاً الوصول إلى نتائج إيجابية، قائلاً إن الوثيقة الدستورية ليست هي السلطة المدنية وإنما خطوة في الطريق. وأكد أن قوى الحرية والتغيير أعدت قائمة مرشحيها لمجلس الوزراء والمجلس السيادي، وستتواصل مع الجبهة الثورية لاختيار المتفق عليهم قبل إعلانها.
من جهته، تعهد نائب رئيس الحزب مستور أحمد بالعمل على إدراج كل ما ينتج من النقاش والحوار حول السلام في الاتفاق وتنفيذه بالكامل. قائلاً إن مهام الفترة الانتقالية تتركز حول قضية السلام. وأضاف «ستعمل السلطة في الفترة الانتقالية على تحقيق البرنامج الانتقالي الذي يشمل ويغطي كل المرحلة الانتقالية، بدءاً من تحقيق السلام وإنعاش الاقتصاد وإعادة هيكلة مؤسسات الدولة وإصلاحها، بجانب العلاقات الخارجية وغيرها».
وكانت قوى «إعلان الحرية والتغيير» في السودان قد أعلنت أنها تبحث الخروج برد موحد على المواقف التي أبدتها الحركات المسلحة من وثيقة الإعلان الدستوري، والتي رفضت معظمها، وتعتبرها همشت دورها. وكانت الجبهة الثورية، الموقعة على «وثيقة السلام»، رفضت الإعلان الدستوري، وقالت إنه «تجاوز مبادئ محورية في قضية السلام». وأضافت في بيان، «لا نستطيع قبول الوثيقة الدستورية بشكلها الراهن، لأنها وضعت عراقيل أمام تنفيذ أي اتفاق سلام قادم»، مبدية اعتراضها على عدم إدراج وثيقة السلام كاملة في الإعلان الدستوري.
وقال محجوب حسين، مستشار رئيس حركة العدل والمساواة، لـ«الاتحاد» إن الجبهة الثورية تدعو جماهيرها إلى الخروج في مسيرات هادرة في الخرطوم للمطالبة بتضمين باب السلام والحرب في الوثيقة الدستورية، وذلك قبل التوقيع على الاتفاق النهائي بين المجلس العسكري وقوى التغيير، وعلى جماهير الجبهة الثورية وشعب الهامش العريض بأن يعلموا أن مصالحهم باتت مهددة وفي خطر حقيقي.
وتضم «الجبهة الثورية» 3 حركات مُسلحة، هي: حركة تحرير السودان جناح مني أركو مناوي، والحركة الشعبية لتحرير السودان قطاع الشمال جناح مالك عقار، وحركة العدل والمساواة بقيادة جبريل إبراهيم. وأناط الإعلان الدستوري بـ «المجلس السيادي» (المقرر أن يشكل من العسكريين والمدنيين) رعاية عملية السلام مع الجماعات المسلحة، فيما خص الحكومة المدنية (التي ستشكلها قوى «الحرية والتغيير») بـ «العمل على إيقاف الحروب والنزاعات وبناء السلام»، على أن تنطلق عملية السلام في مطلع سبتمبر المقبل، فور أول اجتماع مشترك مقرر بين المجلس السيادي ومجلس الوزراء.
وفى هذه الأثناء، ثار جدل حول أنباء ترشيح عمر الدقير، رئيس حزب المؤتمر السوداني، القيادي بقوى التغيير، عضوها المفاوض، لرئاسة الحكومة. وبينما رحب عديدون باختياره رئيساً للوزراء باعتبار أن المرحلة الانتقالية تحتاج لسياسي، وأن الدقير الرجل المناسب، رأى آخرون أن الاتفاق نص على اختيار شاغلي المناصب من الكفاءات وليس السياسيين، وأنه من الأفضل للدقير أن يأتي منتخباً سداً للذرائع، باعتباره أنه من كان يقود وفد التفاوض.
من ناحية أخرى، أعلن تجمع المهنيين السودانيين التزامه بحملة «حنبنيهو»، أي سنبني الوطن، وأصدر جدولاً بالأعمال المطلوبة لتنظيف وتجميل الشوارع في السودان، واقترح الناشط السوداني مجدي إسحاق إنشاء مفوضية للبناء في الفترة الانتقالية، تعمل كهيئة متخصصة لتقنين الجهد الشعبي وتوجيهه في عجلة التنمية، واقترح أن تعمل في مشاريع إضاءة المدن بالطاقة الشمسية ومحاربة التصحر وزرع الأشجار وإطلاق المبادرات، وإزالة العوائق الإدارية.
كما أطلق سياسيون وناشطون سودانيون شعاراً جديداً للمرحلة الانتقالية في السودان هو «ينهض بس»، بدلاً من «يسقط بس» الذي كان شعار الثورة السودانية في بدايتها في 19 ديسمبر الماضي من أجل إطاحة البشير. وقال صلاح جلال القيادي بحزب الأمة لـ «الاتحاد» إننا أمام مرحلة سياسية جديدة وفريدة تقتضي تفكيراً مختلفاً عما عرفناه في تجاربنا السابقة، ونتطلع أن تشحذ قوى الثورة خيالها لخلق إطار مبدع وفعال لإدارة هذه المرحلة المهمة والحساسة من عمر السودان الذي يجب أن نضعه على طريق التقدم والازدهار. وقال جلال: «إن حكومة قوى الحرية والتغيير القادمة هي حكومة كفاءات وطنية، يجب أن تراعي في الاختيار مشاركة متوازنة من كل أقاليم البلاد بلا محاصصة حزبية». وأكد أن الحكومة الانتقالية يجب أن يكون لها حاضنة شعبية واضحة، تمثل استمراراً لشرعية الثورة، وهي قوى الحرية والتغيير التي يجب أن تستمر في رعاية ودعم الحكومة الانتقالية.
تسليم الدعوات لقادة دوليين للمشاركة بـ«التوقيع النهائي»
أعلنت وزارة الخارجية السودانية تسليم عدد من الرؤساء والمنظمات الدولية الدعوات لحضور مراسم الاحتفال بالتوقيع النهائي للاتفاق بين المجلس العسكري الانتقالي وقوى الحرية والتغيير في 17 أغسطس الجاري. ونقل المركز السوداني للخدمات الصحفية عن مصدر دبلوماسي قوله إن الدعوات شملت الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس ورئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي ورئيس مفوضية الاتحاد الأوروبي ووزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو ورئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد ووزير الدولة بالخارجية البريطانية لشؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أليستر بيرت ووزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف والصيني وانغ يي. وأضاف أن الدعوات شملت أيضاً عدداً من الدول أبرزها الكويت والسعودية والإمارات والبحرين ومصر. وأوضح أن وزارة الخارجية شكلت لجنة للبروتوكول ومراسم الاحتفال، واستقبال الضيوف ومرافقيهم.