2 يناير 2012
بدأت الشركات الهندية في التحول إلى العالمية بعد عزلة عاشتها طويلاً بسبب السياسات الحمائية. وأنفقت هذه الشركات خلال العام الماضي (2011) نحو 28,4 مليار دولار على عمليات الاستحواذ والاندماجات الخارجية، أي ما يفوق ما أنفقته الشركات الأجنبية على الصفقات في الهند.
وتعتبر صفقة «سانج يونج» الكورية الجنوبية لصناعة السيارات الرياضية التي استحوذت شركة «ماهيندرا آند ماهيندرا» الهندية على 70% منها في مارس الماضي مقابل 460 مليون دولار، بادرة أخرى تشير إلى أن الشركات الهندية أصبحت أكثر ثقة في عقد الصفقات الخارجية. وقالت فيديكا بهانداركار، مديرة بنك «كريدي سويس» في مومباي، «أصبحت العديد من الشركات الهندية تفكر في العالم الخارجي بصورة مختلفة حيث تدرك أنه ليس كافياً الآن أن تكون في الريادة بنسبة لا تتجاوز 20% أو غيرها من الحصة السوقية في الهند. وهذه الشركات في حاجة لأن تنافس منتجاتها في الأسواق العالمية». هذه الحاجة التي دفعت مدير شركة «ماهيندرا» إلى تغيير رأيه للاستحواذ على الشركة الكورية. وقال باوان جوينكا، المسؤول عن قسم المعدات الزراعية والآلية في الشركة، «لم يكن التوقيت مناسباً عندما تم طرح «سانج يونج» مرتين قبل أربعة وسبعة أعوام، لكن الآن أصبح التحول نحو العالم الخارجي من الضرورات. وتملك الشركة شبكة عالمية تضم 1,200 من الموزعين خارج كوريا، بينما نملك نحن بين 400 إلى 500 فقط». وفي الوقت الذي تراجع فيه نشاط اندماج الشركات الهندية في السنوات الأخيرة في ظل التقلبات التي سادت الأسواق العالمية، أشار المحللون والمصرفيون للقوة التي تميز بها الاستحواذ خاصة في وجود الأداء الضعيف لسوق الأسهم الهندي.
وفي خروجها من الهند، تسعى هذه الشركات للحصول على التقنيات الجديدة والدخول في أسواق جديدة، بالإضافة إلى تأمين الموارد مثل الفحم. ومثلاً، استحوذت «ماهيندرا» على «سانج يونج» لما تقوم به الأخيرة من صناعة للسيارات الرياضية الغالية الثمن بغرض تكملة ما تصنعه الشركة الهندية من سيارات عائلية متوسطة الأسعار. وشهدت الهند قبل عام أكبر صفقة خارجية باستحواذ «بهارتي أير تل» الهندية على شركة «زين» للاتصالات العاملة في 15 دولة أفريقية والتي سعت الهند منذ فترة طويلة للحصول على وسيلة للدخول في أسواقها. وتتضمن الصفقات الأخرى استحواذ «مجموعة أداني» على ميناء «أبوت بوينت» الأسترالي مقابل 2 مليار دولار والذي تخطط الشركة لاستغلاله في نقل الفحم لمحطات الطاقة التي تملكها في الهند. كما قامت «إيسار» الهندية للطاقة والحديد في أغسطس الماضي بشراء إحدى محطات التكرير البريطانية من شركة «شل» مقابل 350 مليون دولار. وتكلفة بناء محطة للتكرير التي تصل إلى 5 مليارات دولار، هي السبب الرئيسي وراء إتمام هذه الصفقة. وتضم الشركة أقساما قامت هي الأخرى بشراء مراكز اتصال في أوروبا ومناجم فحم من إندونيسيا وأميركا. وقال براشانت رويا المدير التنفيذي لشركة «إيسار» «سعر الأصول هو الذي يحدد مدى الرغبة فيها طالما أنها تتماشى مع إستراتيجية خطة النمو التي ننتهجها».
وفي أوج قوته، فإن انتعاش حركة الشركات الهندية نحو الخارج لا يزال ضعيفاً مقارنة بعمليات الشراء الكبيرة التي قامت بها في 2006 و 2007 قبيل اندلاع الأزمة المالية العالمية عندما حولت أكبر عملية استحواذ هندية بشراء «تاتا» لشركة «كوروس ستيل» و»جاكوار لاند روفر» الأخيرة لأكبر شركة صناعية في بريطانيا. وتتميز الصفقات الأخيرة بصغرها كما تساوت رغبة الأجانب في عقد صفقات في الهند، مع رغبة الهنود المتجهين نحو الخارج. وتضمنت هذه الصفقات شراء «بي بي» 30% من حقول النفط والغاز البحرية المملوكة لشركة «ريليانس» الهندية مقابل 7,2 مليار دولار. وبينما لدى الشركات الهندية رغبة كبيرة في التوسع الخارجي، إلا أن ارتفاع أسعار السلع يقف حائلاً دون تحقيق ذلك. وقالت فيديكا بهانداركار «في حالة استمرار تراجع أسعار السلع، ربما تشهد شركات الطاقة الهندية المزيد من عقد الصفقات وذلك لحاجتها للمزيد من الفحم».
ومن الأسباب الأخرى التي تعضد توجه الشركات الهندية نحو الخارج، اعتراضها على السياسات المتبعة في البلاد والبطء في تحرير الاقتصاد وتحسين البنية التحتية. وأرجأت الحكومة في الأشهر القليلة الماضية المقترحات الرامية إلى تخفيف قيود استثمارات التأمين وتجارة التجزئة والتصنيع. ولم يساعد الهند مقاومتها لارتفاع معدل التضخم وأسعار الفائدة، حيث تأرجح تضخم البيع بالجملة حول 10% لأكثر من سنة كاملة. كما قام «البنك المركزي» برفع مؤشر أسعار الفائدة 12 ضعفاً منذ مارس 2010 إلى 8,25%. وفي المقابل، تساوت الأسعار وأسعار الفائدة في معظم الدول الغنية أو سجلت ارتفاعاً طفيفاً.
وذكر براشانت رويا أن الشركات الهندية الكبيرة غاضبة على بطء وتيرة التغيير في البلاد، على الرغم من أن ذلك ليس هو السبب الذي دعاها للهجرة إلى الخارج. وقال «تُولي العديد من الشركات اهتمامها لعدم إحراز أي تقدم واضح في المبادرات السياسية، لكن يدرك الجميع أن هذه مشاكل قصيرة الأجل ويمكن حلها بالالتزام بحوكمة أفضل».
نقلاً عن: «إنترناشونال هيرالد تريبيون»
ترجمة: حسونة الطيب