25 يوليو 2010 21:00
هناك رأى تربوي يقول إن الطفل الذي ينشأ في كنف والدين غاية من الانسجام والاتفاق في مشاعرهما- تكون تربيته تربية ناقصة لا تؤهله لمواجهة الحياة - ذلك أن الطفل سيعرف كغيره من الأطفال والكبار أن هناك غضباً يبحث لنفسه عن تعبير. هناك غضب أو انفعال هادئ يحتاج إلى تعبير هادئ أيضاً، وهناك غضب ثائر يبحث لنفسه عن تعبير انفعالي ثائر.
صحيح أنه من الأفضل أن يتعلم الطفل حقيقة الغضب من أناس آخرين غير والديه، وصحيح أنه من الأسلم أن يرى انقلابات الزواج الكئيبة التي تشبه انقلاب سيارة في الطريق، في شخصيات أخرى غير شخصيات الأب أو الأم، لأن اطمئنان الطفل الشخصي والأساسي يحتاج دائماً إلى تماسك العلاقة بين الوالدين، ويحتاج إلى انسجام الاثنين في مواجهة مسؤوليات الحياة، وصحيح أن عدداً كبيراً من هؤلاء الذين نشأوا في بيوت قادرة على التمييز الدقيق بين الصواب والخطأ هم الذين تقدموا في الحياة لأن آباءهم كانوا يكتمون الغضب فلا يظهر بشكل حاد، لأن هؤلاء الآباء حاولوا أن يبتعدوا بأبنائهم عن آثار الغضب العنيف، ذلك أن الغضب العنيف بين الوالدين تنعكس آثاره على الأبناء، لكن من الصحيح أيضاً أن كتمان الغضب بشكل صارم لا يمنع الأطفال أبداً من الإحساس بوجود شيء ما غير طبيعي في سماء العلاقة بين الوالدين.
طريقة التعبير
إذن كيف يختار الزوجان طريقة التعبير المتحضرة لأي خلاف بينهما؟
تقول مريم الفزاري، الأخصائية الاجتماعية في مركز الهلال الأحمر في أبوظبي:» إن طريقة التعبير المتحضرة لأي خلاف أمر في غاية الأهمية للتنشئة الاجتماعية للأبناء، فالاعتراف بطبيعة الخلافات الزوجية لا يعني أننا ندعو إلى أن تقذف الزوجة زوجها بطبق عندما تغضب منه ولا نتصور أن يصفع الزوج زوجته اذا شعر بضيق منها، طبعاً لا أحد يستطيع أن يدعو إلى ذلك وليس هناك أي داع لممارسة ما يساوي كسر الطبق على رأس الزوج أو ضرب الزوجة. إن هناك أنواعاً من الإهانات البالغة التي تساوي ذلك والتي تدمر الروابط الوثيقة بين الزوجين وتصيب الحالة العاطفية بنوع من الشروخ التي يصعب إصلاحها. إن ذلك لو حدث أمام الطفل فإن آثار هذا الخلاف المهين لأحد الطرفين تستمر في تدمير اطمئنان الطفل إلى زمن بعيد. إنها تدمر الإحساس بالأمان في أعماق الابن وتجعله يشعر أن «النموذج العاطفي» يهتز ويجعله يتشكك في معظم العلاقات التي هي من هذا النوع، ويستمر إحساس الابن بالعار والخجل والذنب».
وتكمل الفزاري:» من المهم أن يُظهر الوالدان للطفل أن هذا الخلاف مسألة عرضية وأن نشرح للطفل بواقعية وهدوء أن الخلاق أمر طبيعي يأتي إلى حياة كل إنسان ويذوب بسرعة. إن نشوء الخلاف ليس كارثة، بل إنه ضروري، ولكن لابد أن نجعله غير مزعج للطفل ولابد أن نذكر الطفل أننا أناس منطقيون نرغب في بناء حياتنا.
ليس المهم إذن هو طريقة الخلاف أو على ماذا يكون الخلاف بين الأب والأم أو حتى عدد مرات الخلاف.
إنما أهم ما يجب أن ننتبه له هو. ما تأثير الخلاف على العلاقة الأساسية بين الزوجين؟ وهل نختار طريقة التعبير المتحضرة ذات الأسلوب الراقي في أي خلاف أو صدام بين الآراء؟ فمن المهم أن يؤكد الوالدان للأبناء أن الحب بينهما قوي، وأن الاحترام بينهما قائم - وأنهما لا يختلفان حول أهداف الحياة الأساسية، وهي تربية الأبناء ومساعدتهم في بناء المستقبل - وأن الخلاف كان حول مسائل ليست خطيرة. إنه خلاف مثلاً حول توجيه دخل الأسرة إلى مزيد من أوجه الاتفاق المفيدة أو أن الأقارب يجب أن يعاملوا بطريقة لا تسمح لهم بالتدخل في الحياة الشخصية للأسرة، وأنهما يحاولان دائماً أن يضعا نهاية لهذا الخلاف».
حقيقة الخلاف
تقول هبة الله حسين«معلمة- متزوجة»: « من الأفضل للوالدين أن يوضحا للطفل حقيقة الخلاف وأنهما ما زالا يحب أحدهما الآخر حتى لا ينزعج وحتى لا يسبب له هذا الانزعاج سلسلة من الاضطرابات لا نهاية لها. ويجب أن يوضح الوالدان للطفل أن الكبار أيضاً يغضبون ويختلفون «ويتضايق» بعضهم من بعض ولكن كل ذلك ينتهي لتبدأ رحلة الحياة صافية بعد ذلك. ولست أعني أن على الآباء والأمهات أن يستمرا دائماً في توضيح مسائل الخلافات كلها للأطفال. فليس من المعقول أن نظل نحن الكبار نختلف ونتشاجر، ثم نحول الصغار إلى قضاة دائمين. إننا نعرف أن الخلاف بين الأزواج شيء يحدث، وطبيعي أن يحدث.. المهم دائماً أن نعرف عدد مرات الخلاف وأن نقللها وأن نتحكم نحن في مشاعرنا أثناء الخلاف ولا نحاول أن نعكس ذلك على الطفل. إن بعض الزوجات ينظرن إلى الأبناء على أنهم السبب الوحيد الذي يربطهن بهؤلاء الآباء. إن بعض الأزواج ينظرون إلى الأبناء والنظرة تحمل معنى واحداً: «لو لم يكن عندي أبناء لكنت تخلصت من الحياة مع هذه الكارثة التي تزوجتها ويا لي من مغفل حين تزوجتها، إن ذلك ما يسمى «حالات الطلاق العاطفي» أي أن ينفصل كل من الزوجين نفسياً عن الآخر وهذه الحالات تسبب الانزعاج الكامل للطفل. تجعله ينظر إلى الحياة بقلق. تجعله يقع في سلسلة لا متناهية من العقبات النفسية تجعله يكره الحياة نفسها لأنه يعاني من الإحساس بأنه عبء على الأبوين».
النضج العاطفي
الأخصائية النفسية هاجر الحوسني تقول: «إننا نعرف أن الأزواج الذين بلغوا درجة فائقة من النضج العاطفي ويتمتعون باحترام متبادل مع زوجاتهم يمرون أيضاً هم وزوجاتهم بفترة يكتشفون فيها أن الخلاف ضروري حول مسائل معينة، مثل طريقة الإنفاق، أو طريقة اختيار كل طرف لأصدقائه، أصدقاء الزوج قد لا يعجبون الزوجة، صديقات الزوجة قد يعترض عليهن الزوج. طريقة تفصيل ملابس الزوجة قد يعترض عليها الزوج، طريقة حديث الزوج مع صديقات الزوجة قد لا تعجب الزوجة، مستقبل الأبناء نفسه قد يكون مجال مناقشة بين الزوجين أو طريقة تأديب هؤلاء الأبناء، وهكذا..وقد يكتشف أحد الزوجين أنه يملك عادة مستفزة أو أن رأيه في مسألة ما غير معقول، إذن فعليه أن يعترف بذلك وأن يتخذ قراراً حاسماً وصامتاً بأن يتراجع عن هذه العادة. وأن يتنازل عن الرأي غير المعقول. مثال ذلك الزوج الذي يصر على شراء ملابس جديدة لنفسه، بينما البيت يحتاج إلى ثمن هذه الملابس. والمثال نفسه يمكن أن «ينطبق قوة» على المرأة أحياناً أكثر مما ينطبق على الرجل. فعلى الرغم من أن «الإسراف» كريه كصفة في أحد الزوجين، فإن الطرف المسرف يجب ألا ينال العقاب والتوبيخ واللوم دائماً.
إنما يجب أن يتلقى نصيبه الكامل من الحب والحنان والرعاية والفهم، وأن يحاول طبعاً علاج عيبه أعني الإسراف.
وعلينا أن نعرف أن الحب يحسم الكثير من الخلافات في حالات الزواج الناجح. وعلينا أن نعرف أيضاً أن الحب عندما يختفي من البيت الذي يعيش فيه الزوجان فإن الخلافات تصبح ضيفاً دائماً في هذا البيت.
إن بعض علاقات الزواج تتحول إلى علاقة بين أعداء لا يعلنون عن عدائهم بشكل مباشر، والذي يحدث.. أن يبحث كل طرف للآخر عن أسباب ليخوض معه معركة ويخلق له توتراً ويسبب له مشاكلا.
وتضيف الحوسني:» إن المسألة تتوقف على أسباب كثيرة في أعماق الزوجين وفي المجتمع الذي يعيش فيه الزوجان وبعضهم واضح تماماً وبعض هذه الأسباب لا يعرفه حتى الزوجان نفسهما. فبعض الأفراد نشأوا في جو أسرة لا ينتهي فيها الخلاف الذي يتبعه الحب والغفران ولا يستمر الحب أو الغفران فترة طويلة، بل ينقلب مرة أخرى إلى سلسلة من المعارك الكبيرة أو الصغيرة، وتستمر الحياة في هذا النوع من الأسر، لا يستقر فيها الحب كثيراً ولا يستقر فيها الخلاف كثيراً، فهناك بعض الأسر يولد فيها طفل يشبه أباه تماماً أو طفلة تشبه الأم تماماً، وهذا التشابه الشديد يدفع الأب مثلاً إلى التحيز الشديد للابن الذي يشبهه وقد يدفع الأم أيضاً إلى التحيز للفتاة التي تشبهها، وفي أي مناقشة بين الأم وبين الولد الذي يشبه أباه أو عندما تعاتبه على خطأ ما فإن الأب يعترض ويعلو صوته بالاعتراض والرفض لهذا العقاب. ويحدث ذلك أيضاً لو أنَّب الأب البنت التي تشبه أمها، فإن الأم تعترض على ذلك. وهنا يتبادل الوالدان الاتهامات بخصوص هؤلاء الأطفال. فكل واحد يتهم الآخر بأنه متحيز لهذا الطفل وظالم لتلك الطفلة أو العكس، وعلينا أن نلاحظ أن الأطفال يستغلون ذلك بمنتهى الذكاء، ويحاولون إثارة المزيد من الخلافات بين الزوجين، وهكذا نجد أن الوالدين نفسهما قد أصبحا «لعبة في أيدي الأطفال».
الضغوط النفسية والاجتماعية
إننا في العصر الحاضر نعرف الكثير من الأسباب التي تقف وراء الخلاف في الحياة الزوجية. وفي مقدمة هذه الأسباب الضغوط النفسية والاجتماعية اليومية التي تثقل كاهل الآباء، ولقد تقدمت البحوث الاجتماعية والنفسية في عصرنا بصورة كبيرة، وفي كل مكان هناك أخصائيون يعملون لمساعدة الأزواج على فهم المشكلات التي تقابل الحياة الزوجية وكيف يمكن التغلب عليها. ومن الأفضل طبعاً ألا تصيب الكبرياء أي طرف من الزوجين بحيث يمتنع عن الذهاب إلى أحد الأخصائيين ليبحث عن علاج للمشكلة التي تواجه الحياة الزوجية، إن هذا النوع من الكبرياء يؤكد صفة الجهل في أي إنسان يرفض حل مشاكله علمياً.
المصدر: أبوظبي