يعلي الإسلام قيم العدل والإحسان والتسامح، وحقوق الجيران والإنسان عموماً، ويحترم مشاعر أصحاب الديانات الأخرى، ويلتزم في كل شؤونه الوسطية الراقية، ويرفض الإساءة لأصحاب الديانات الأخرى، حيث أشار علماء الدين إلى أن من عظمة التشريع الإسلامي أنه شمل برعايته كلَّ مَن يعيش في ظلاله، فوَجَدَت الأقلِّيَّة غير المسلمة في المجتمع المسلم أو في الدولة الإسلاميَّة ما لم تجده أقلِّيَّة أخرى في أي قانون وفي أي بلد آخر.
حسام محمد (القاهرة) - حول اهتمام الشريعة بأهل الأديان، قال مستشار شيخ الأزهر لشؤون الحوار والأقليات الدكتور محمود عزب إن الإسلام يوفر لكل أتباع الأديان السماوية الأخرى سبل الرعاية والحماية، ولهذا عرف المجتمع الإسلامي التعددية ومارسها في حياته، لأن الشريعة الإسلامية أكدت أن الاختلاف بين الناس من سنن الله في الكون، ومن أبرز الحقوق التي منحها الإسلام لأصحاب الأديان الذين يعيشون في المجتمعات الإسلامية حق الحياة، حيث يروى عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من آذى ذِمِّياً فأنا خصمه، ومن كنت خصمه خاصمته يوم القيامة»، وهكذا كان النبي ومن بعده الخلفاء الراشدون يدفعون الظلم عن أهل الكتاب، ويكفون الأذى عنهم، ويحققون في كل شكوى تأتي من كتابي وتذكر كتب السنة نص العهد الذي قطعه النبي صلى الله عليه وسلم لأهل نجران، والذي جاء فيه: «لا يؤخذ منهم رجل بظلمِ»، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه حريصاً على السؤال عن حال أهل الذمة، خشية أن يكون أحد من المسلمين قد توجه إليهم بأذى، فيقولون له: «ما نعلم إلا وفاءً»، أي بمقتضى العهد والعقد الذي بينهم وبين المسلمين، وهذا يقتضي أن كلاً من الطرفين وفَّي بما عليه.
حرمة الدم
ويشير إلى أن الإسلام أكد حرمة دماء أهل الكتاب المسالمين للمسلمين فدماؤهم وأنفسهم معصومة باتفاق المسلمين، وقتلهم حرام بالإجماع، حيث يقول الرسول، صلى الله عليه وسلم: «من قتل معاهدًا لم يرح رائحة الجنة، وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاماً» بل إن الكثير من الفقهاء والمفسرين أجازوا أن يطلق مصطلح أهل الذمة على الكفار أيضاً إذا صولحوا على ترك الحرب وهكذا منح الإسلام حق الحياة بأمن كل المختلفين مع المسلمين في الملة، حيث أجمع فقهاء الإسلام على أن قتل الذمي كبيرة من كبائر المحرمات، فالذمي صاحب ذمة وعهد وأمان، وقد أمرنا الإسلام بالوفاء بالعهود التي أخذها المؤمنون على أنفسهم أو على غيرهم وعدم الإخلال بها قال تعالى: (وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلاً إن الله يعلم ما تفعلون)، «النحل: الآية 91»، وقال سبحانه: (وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولاً)، «الإسراء: الآية 34» والوفاء بالعهود من سمات المؤمنين الصادقين والقارئ للنصوص الإسلامية، سيتأكد أن الإسلام كان حازما في تشريعاته الخاصة بحرمة دماء أهل الكتاب الذين يعيشون في المجتمع الإسلامي، معتبراً تلك الحرمة مبدأ أساسياً وغير قابل للتأويل أو التحوير.
نموذج حضاري
ويرى وكيل الأزهر الأسبق فضيلة الشيخ محمود عاشور أن الإسلام قدم نموذجاً حضارياً للتعامل مع أتباع غيره من الأديان، ومن أهم ملامح سماحة الإسلام في معاملة غير المسلمين عدم إكراههم على ترك دينهم فيتركون وما يدينون ولا يكرهون على الدخول في الإسلام بعد دعوتهم إليه بالحكمة والرحمة، حيث منع الإسلام إيذاءهم، فلا يجوز لأحد من الناس أن يؤذيهم أو يضيق عليهم لإكراههم على الدخول في الإسلام، بل أوصى بالإحسان إليهم والبر بهم، حيث ينعم غير المسلمين من أهل هذه البلاد بحسن الجوار وشتى صور الإحسان والتسامح في المعاملة كما أوصى بذلك.
ويضيف: الإسلام أباح لغير المسلمين أن تكون لهم معابد أو دور عبادة يتعبدون فيها علي دينهم ولا يجوز المساس بها أو هدمها أو التعدي على أحد من غير المسلمين بحجة اختلاف العقيدة لأن اختلاف العقيدة لا يخلع المواطنة عن غير المسلم الذي يقيم مع المسلمين في دار واحدة أو في بلاد واحدة، ويذكر التاريخ أن أهل الكتاب تمتعوا في ظل الدولة الإسلامية بحقوق المواطنة الكاملة؛ وتبوأوا فيها مناصب رفيعة، وبالأخص إدارة الدواوين فقد كان شيخ المترجمين حنين بن اسحق النصراني يرأس مؤسسة دار الحكمة التي أنشأها الخليفة المأمون، وكان منهم أطباء وشعراء مقربون إلى الحكام، فالأخطل مثلاً كان شاعر البلاط لبعض خلفاء بني أمية، وكذلك عاش اليهود عصراً ذهبياً في ظل دولة الإسلام في الأندلس، حيث ساعدت أجواء الحرية والتسامح على ازدهار آدابهم ولغتهم وفقههم، ووصلوا لأعلى المراكز كوزارة الدولة ورئاسة الوزراء.
أهل الذمة
ويشير إلى أن الإسلام مثل ما حمى النفس غير المسلمة وخصوصاً أهل الذمة، فإنه حمى أجسادهم ومنع إيذاءهم، حيث وضع التشريعات التي تحمى أبدانهم من الضرب والتعذيب، فلا يجوز إلحاق الأذى بأجسامهم، ولو تأخروا أو امتنعوا عن أداء الواجبات المالية المقررة عليهم كالجزية والخراج، مع أن الإسلام تشدد كل التشدد مع المسلمين إذا منعوا الزكاة وأكد الفقهاء والمفسرون أن الذمي لا يعذب حتى لو امتنع عن دفع الجزية، بل يجوز فقط حبسه من دون أن يتعرض خلال حبسه لأي ضرر جسدي فلم يُجِزْ الفقهاء في أمر الذميين المانعين أكثر من أن يُحبَسوا تأديباً لهم، من دون أن يصحب الحبس أي تعذيب، وفي ذلك يكتب أبو يوسف: أن حكيم بن هشام أحد الصحابة رضي الله عنه رأى رجلاً وهو على حمص يشمِّس ناساً من المسيحيين «أي يوقفهم تحت حر الشمس» في أداء الجزية، فقال بن هشام: ما هذا! سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن الله عز وجل يُعذِّب الذين يعذبون الناس في الدنيا».
التاريخ الإسلامي
وفي عودة إلى التاريخ الإسلامي أوضح أستاذ التاريخ الإسلامي بجامعة الأزهر الدكتور عبد المقصود باشا أن النبي صلى الله عليه وسلم حرص فور وصوله المدينة المنورة على وضع صحيفة المدينة التي بينت قواعد العلاقات بين المسلمين أنفسهم، وحددت أسس التعامل بينهم وبين غيرهم من أهل المدينة، وبالأخص اليهود وألزمت الجميع بالدفاع عن الدولة وحمايتها من الأخطار، ومنعت الخيانة وإفشاء أسرارها أو التعاون مع القوى المعادية أو مساعدتها في انتهاك الأمن، وألزمت غير المسلمين المشاركة في نفقات الدولة، ولقد أسست هذه الوثيقة للتعايش والتفاهم، وحددت الحقوق والالتزامات المتبادلة بين أهل المدينة.