السبت 23 نوفمبر 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مبادرة «ميثاق اللغة العربية» رؤية ثاقبة وطوق نجاة للسان العرب من غرفة الإنعاش

مبادرة «ميثاق اللغة العربية» رؤية ثاقبة وطوق نجاة للسان العرب من غرفة الإنعاش
9 مايو 2012
عندما يكون الحديث عن حال اللغة العربية، نستحضر قرار مجلس الوزراء رقم 2/21 لسنة 2008م الذي يلزم جميع الوزارات والهيئات والمؤسسات الاتحادية في جميع إمارات الدولة باعتماد اللغة العربية لغة رسمية في جميع أعمالها ومكاتباتها ومخاطباتها، حتى يتطابق التنظير مع الممارسة، لتدارك انحسار استخدام اللغة العربية لصالح الإنجليزية أو اللغة المشوهة التي باتت تغزو حياتنا، عبر خليط غريب من مفردات لغات ولهجات ولكنات متعددة. وكثيراً ما نسمع دعوات ونداءات هنا أو هناك لإنقاذ لغة الضاد التي غدت تترنح تشكو هوانها، وتنعى حالها، وتذهب دعوات تطالب بحمايتها أدراج الرياح، ويقتصر الحديث عن خطورة الأمر على مجرد شكوى يتعالى ضجيجها في مجرد مناسبة احتفالية سنوية تعد لهذا الغرض، وسرعان ما تهدأ الصيحات، ويفتر الحماس، وتتبخر التوصيات، وتتعلق الآمال من جديد برؤية ثاقبة، أو مبادرة خلاقة تتشبث بها “اللغة الأم”، تنتشلها من واقعها المرير الذي أغرقناها فيه! إذا كان واقع الحال يقول إن حال اللغة العربية في تدهور، وإنها باتت مشوهة وممسوخة وغريبة في دارها، فإن أصابع الاتهام تشير إلى نظام التعليم، ووسائل الإعلام، والتغير الثقافي والاجتماعي المتلاحق الذي يشهده المجتمع، والاعتماد على العمالة الآسيوية التي تفرض “لكنتها” المكسرة المشوهة، وتخلي الأجهزة والمؤسسات الحكومية عن مسؤولياتها في عدم التعامل باللغة العربية كلغة رسمية، وإفساح المجال للغات الأجنبية، والانصياع خلف نعرات التمدن والتحضر بتجاهل اللغة العربية كلغة للتواصل والتعبير عن الهوية عربية، وقيمها الثقافية والحضارية. هناك من يقول:”إن التدهور الذي تشهده اللغة العربية لا يكشف ولا يدل على عجز اللغة وفقرها، بقدر ماهو عجز أهلها وإرادتهم بخصوص علو شأنها. ومن ثم كانت مبادرة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، القائمة على أن “رؤية الإمارات 2021” تهدف إلى جعل الدولة مركزاً للامتياز في اللغة العربية، كأداة رئيسية لتعزيز الهوية الوطنية لدى الأجيال القادمة، باعتبارها لغة حية غنية نابضة بالحياة والأصالة عبر أكثر من ألفي عام، وعلى اعتبار أن اللغة أداة الفكر، ووعاء الثقافة. وأنها لغة تتميز بالقدرة على مواكبة الحاضر والمستقبل، والمساهمة في الحفاظ على القيم الإسلامية كفريضة وطنية ترسخ الهوية العربية الإماراتية وجذورها التاريخية. ومن هنا أطلق سموه حزمة من المبادرات النوعية الهادفة إلى الحفاظ على اللغة العربية، وتعزيز مكانتها في المجتمع، وإقرار “ميثاق للغة العربية” لتعزيز استخدامها في الحياة العامة، ورعاية كافة الجهود الهادفة لتعزيز وضع اللغة العربية، وإحيائها كلغة للعلم والمعرفة والإبداع، وفتح آفاق تعلمها من قبل غير الناطقين بها. تشويه حضاري يصف محمد الكعبي “موظف” حال اللغة العربية، ويقول: “اللغة العربية تمر بحالة احتضار حقيقية، ويمكن تشبيهها بالمريض الذي يرقد في غرفة الإنعاش، والسبب من وجهة نظري يبدأ من نظام التعليم، والمناهج التعليمية، وتراجع الاهتمام باللغة العربية أمام عوامل عديدة فرضتها العولمة، وحاجة سوق العمل، وغزو الثقافة الأجنبية، ولابد من صحوة حقيقية لتصحيح الأوضاع وإصلاح ما يمكن إصلاحه، ولنبدأ في المدارس بتعديل المناهج وتطويرها وتحديثها، وإعادة الهيبة للغة العربية من خلال استراتيجية وطنية شاملة، وفرض اللغة العربية في التعامل الرسمي والحكومي والمؤسسي، وإيجاد حالة من الوعي المجتمعي لعدم الانسياق خلف اللهجات الركيكة المشوهة التي تفرضها فئة معينة أفسدت لغتنا الأم في بيوتنا”. ويكمل: “لماذا تتمسك شعوب معينة بالحديث والتعامل بلغتها في بلدانها؟ أعتقد أن اللغة عنوان للهوية الوطنية، وهناك من فرطوا في هويتهم بالانجرار وراء الوجاهة والعولمة دون وعي أو إدراك، فاللغة العربية لغة القرآن الكريم، وهي رمز لهويتنا العربية، ولتحسين الصورة القائمة علينا أن نبدأ من الصفر، وقد يكون الأمر صعباً في البداية، لكن علينا أن نبدأ بالمدارس”. ويشير هادي خضير “معلم” إلى المخاطر والتحديات التي تواجه اللغة العربية، ويقول:”اللغة العربية تتعرض لحملات التغريب والتشويه الحضاري، ويجدر تنبيه المجتمع إلى خطورة اندثار أو تشويه اللغة، وأهمية المبادرة في أنها تلفت الانتباه إلى الأبعاد الوطنية والقومية للحفاظ على اللغة العربية، بدءاً من البيت ودور الحضانة والمدارس، إنها دعوة جادة إلى أهمية الحفاظ على هذا الكيان بما يوازي أهميته وقيمته كعنوان لهويتنا الوطنية التي نعتز بها، فاللغة العربية تتعرض لمؤثرات سلبية بفعل العولمة، ومؤثرات أخرى أهمها اهتمام البعض باللغات الأجنبية كالإنجليزية على حساب اللغة الأم، أو الابتعاد عن التعليم باللغة العربية وتفضيل المناهج الإنجليزية، أو اعتبار البعض أن تعلم الإنجليزية والتحدث بها نوع من الوجاهة والمباهاة والتفاخر على حساب لغتنا الأم”. وتضيف ميثاء الظاهري “طالبة”: “البعض يحرص على تعلم وإتقان الإنجليزية حتى يسهل عليه التعامل مع الأجانب المقيمين بالدولة، أو لتيسير معاملاته مع الجهات المختلفة كالبنوك أو الشركات لكن على حساب اللغة العربية. إلى جانب تأثير العمالة الآسيوية والخادمات الذي أدى إلى استخدام اللغة أو اللهجة المشوهة في التعامل اليومي، بما يؤثر بالضرورة على سلامة اللغة عند الأطفال، ووددنا من هذا الملتقى أن نلفت الانتباه إلى خطورة الأمر، وتكثيف الجهود نحو أهمية الحفاظ على اللغة العربية”. وتشير شيماء السبتي “موظفة”، إلى خطورة تشويه اللغة العربية عند الأطفال الصغار، وتقول: “إن المشكلة الأبرز في المجتمع تشويه اللغة العربية التي يتعلمها الأطفال الصغار بسبب تأثير الخادمات والمربيات في المنازل، حيث يقضون معظم أوقاتهم معهن، ولانشغال كثير من الأمهات فإن الطفل يقضي أهم مراحل حياته طول اليوم مع المربية أو الخادمة ويتعلم منها اللغة العربية المكسرة أو المشوهة، ويصعب عليه تعلم اللغة السليمة في المدارس بعد ذلك. وأندعو لتوعية الأمهات حول الالتفات إلى الأمر والاهتمام بتعليم الصغار اللغة العربية السليمة”. الوعي الوطني تشير أحلام الطرابلسي الناشطة الاجتماعية التونسية المتخصصة في اللغة العربية وآدابها، إلى أن اللغة العربيّة تتعرض لأزمة خطيرة، وتواجه معركة صعبة من أجل البقاء بصفائها وجمالها وتأثيرها في الثقافة العربية والعالميّة. وتقول:”إن تحلل الوعي القومي يبعدنا عن محتوى الوعي وليس فقط من تشكيله وطبيعته. لذا ما سيلحق باللغة العربية من تحلل وتدهور وعجز يأتي نتاجاً طبيعياً لتحلل الوعي الوطني، كما أن تدهور اللغة ينعكس بدوره على الوعي الوطني بمزيد من التدهور، مما تنشأ عنه حلقة مفرغة من التدهور والتدهور المقابل. فاللغة العربية من أعرق اللغات وأسماها تاريخاً وأطولها باعاً في العلوم، لذلك يجب على الأمتين العربية والإسلامية المحافظة عليها وعدم استبدالها بأي لغة كانت وتحت أي ظرف، فإذا استنجدت عجوز في البيت تجهل الإنجليزية، بمستشفى لسبب صحي طارئ أو إذا أردت سيارة أجرة، أو استعلمت من أي مؤسسة حكومية أو شبه حكومية عن خدمة من الخدمات، فلن يجيبك من يحدثك بالعربية، وكأنك في بلد آخر”وتشعر بأنك في ورطة! أعتقد أن تدهور اللغة يرجع إلى عدة أسباب، أوّلا: المجال التربوي والتعليمي بمختلف مستوياته وأصنافه يضطلع بوظيفة تكوينية مهمّة للمتعلّمين، فاللغة العربية تواجه تحدّيات مصيرية إزاء اللغات المهيمنة في المجال الثقافي والمعرفي. لكن العقبة التي تواجهها اللغة العربية، انتشار اللهجات العامية في وسائل الإعلام المسموعة والمرئية. إن الخطر يكمن في حضور اللهجات العامية في القنوات الفضائية بصورة مهيمنة، حتّى أنّ العربية الفصيحة تقهقر دورها بصورة توحي بأنّ ذلك سوف يؤدّي مستقبلا إلى نتائج دراماتيكية، ويجب الانتباه إلى الصراع اللغوي بين العربية الفصيحة واللهجات العامية”. لغة القرآن الكريم من جانبه، يوضح الداعية الإسلامي الدكتور أحمد الكبيسي، المكانة السامية للغة القرآن الكريم، ويقول: “اللغة بشكل عام وعاء الفكر، ومرآة الحضارة الإنسانية التي تنعكس عليها ألسنة البشر عبر فجر التاريخ. واللغة العربية من اللغات السامية المتجذرة في التاريخ الإنساني، وقد شرفها الله بنزول كلامه المقدس في القرآن الكريم، وقال عز وجل: “إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ” وفي آية أخرى:”قُرآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ”. والآيات كثيرة. كذلك قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أُحِبُّ اللُّغَةَ الْعَرَبِيَّةَ لِثَلاَثٍ: لأَنِي عَرَبِيٌّ، وَ القُرْآنَ عَرَبِيٌّ، و َ كَلاَمَ أَهْلِ الْجَنَّةِ عَرَبِيٌّ”. هذا التشريف العظيم لهذه اللغة يستوجب منا نحن العرب أن نجلها، وأن نحافظ عليها ونقوِّيها، ونعلي من شأنها، ونجعلها لغة معاصرة بكل المقاييس، وأول ما ينبغي لنا فعله، إتقان أصولها وقواعدها ونحوها. فاللغة التي خصها الله وكرمها بالقرآن الكريم، هي لغة عدد كبير من الأنبياء عليهم السلام، وقد كانوا يتكلمون بها، وجاء في بعض الروايات أن خَمْسَة أنبياء مِنَ الْعَرَبِ: هُودٌ وَصَالِحٌ وَشُعَيْبٌ وَإِسْمَاعِيلُ وَمُحَمَّدٌ “عليهم السلام”، وأن لغة النبي آدم “عليه السَّلام” حينما كان في الجنة كانت العربية، حيث إنها لغة أهل الجنة، وستكون العربية لغتهم التي يتكلمون بها في الجنة. فلغة القرآن الكريم تتمتع بخصائص هائلة، أهمها قابلياتها الحيوية ومرونة تعبيراتها وسعتها وسعة اشتقاقها الصرفي، وبلاغتها وثراؤها، وقدرتها عند الإيجاز، والخصائص الصوتية العديدة، فهي لغة سحر وبيان، فضلاً عن إمكانية تعريب الألفاظ الواردة وقدرتها على التحديث والمعاصرة. وهذا الأساس يبقى محفوظاً بالقرآن الكريم، ويبقى عنواناً لهويتنا العربية والإسلامية، ولتاريخ هذه الأمة وحضارتها عبر ما يقرب من خمسة عشر قرناً. ويضيف الدكتور الكبيسي:”ما من شك أن اللغة العربية تعرضت طيلة هذه السنين لتحديات عديدة، ومحاولات هدم وتشويه مختلفة، لكنها باقية ومحفوظة وباسقة بأمر الله، ومحفوظة بالقرآن الكريم إلى أن تقوم الساعة، وما تتعرض له اليوم من عوامل تغريب وتهميش لأسباب متعددة، يدعونا إلى أن ننتبه، ونهب لحمايتها وصونها. ولعلني أستحضر قول مصطفى صادق الرافعي: “ما ذلت لغة شعب إلا ذل، ولا انحطت إلا كان أمره في ذهابٍ وإدبار”، وهو ما يعني أن اللغة العربية في حاجة إلى تضافر جهود الجميع للارتقاء بالكلمة العربية. وفي زخم المتغيرات العالمية، يتعين الالتفاف حول المشروع الثقافي العربي الإسلامي، واعتماد الحلول العلمية والعملية القابلة للتطبيق، وتحديث مناهجها، وتتبع مجامع اللغة وأقسامها المتخصصة وكلياتها، وتفعيل دور المؤسسات الأسرية والتعليمية والإعلامية في تعظيم منزلة لغة القرآن في نفوس الناشئة. وضرورة توظيف تكنولوجيا العصر في خدمة مناهج اللغة العربية وانتشار معاملها الصوتية وإثراء معاجمها العصرية من خلال صناعة أطلس لغوي ودراسة الجذور الفصيحة لبعض العاميات في محاولة التماس الأصول المبكرة للأداء اللغوي. وإنني على يقين بأن مبادرة “ميثاق للغة العربية” رؤية جادة وثاقبة وعملية لاستعادة دور ومكانة اللغة العربية، والحفاظ عليها والارتقاء بواقعها، ومن ثم لا سبيل لترجمة تفاصيل المبادرة إلى واقع ملموس بكل جدية وهمة وإخلاص ودون تباطؤ أو فتور أو تأجيل إلا بتضافر جميع الجهود والمبادرات والإسهامات، ومن أهم الخطوات في هذا الاتجاه تشجيع الصغار على حفظ القرآن الكريم منذ وقت مبكر، ورعاية الحافظين لكتاب الله، والإعلاء من قدرهم، ودعم أي جهد من شأنه أن يجعل العربية تساير المنافسة اللغوية في العالم، حتى تكون للسان العربي مكانته ضمن لغات العولمة، ومسايرة التحديات الخارجية منها والداخلية، والارتقاء بها لمواكبة تحديات التحديث والتطوير، وجعل المصطلح اللغوي العربي يواكب التحولات العلمية والتقنية المستجدة في العالم من حولنا”. علماء لغة غربيون قالوا عن اللغة العربية: ?الألماني “فريتاج”:”اللغة العربية أغنى لغات العالم”. ? الألمانية “سيجريد هونكه”:”كيف يستطيع الإنسان أن يقاوم جمال هذه اللغة ومنطقها السليم وسحرها الفريد؟ فجيران العرب أنفسهم في البلدان التي فتحوها سقطوا صرعى سحر تلك اللغة”. ? الفرنسي “إرنست رينان”:” من أغرب ما وقع في تاريخ البشر انتشار اللغة العربية فقد كانت غير معروفة فبدأت فجأة في غاية الكمال سلسة غنية كاملة، فليس لها طفولة ولا شيخوخة، تلك اللغة التي فاقت أخواتها بكثرة مفرداتها ودقة معانيها وحسن نظام مبانيها”. ? الألماني “يوهان فك”:” لقد برهن جبروت التراث العربي الخالد على أنه أقوى من كل محاولة يقصد بها زحزحة العربية الفصحى عن مقامها المسيطر”. ? البلجيكي “جورج سارتون”:”إن اللغة العربية أسهل لغات العالم وأوضحها، فمن العبث إجهاد النفس في ابتكار طريقة جديدة لتسهيل السهل وتوضيح الواضح، فإذا فتحت أي خطاب فلن تجد صعوبة في قراءة أردأ خط به، وهذه هي طبيعة الكتابة العربية التي تتسم بالسهولة والوضوح”. ? الإيطالي “كارلو نلينو”: “ اللغة العربية تفوق سائر اللغات رونقاً، ويعجز اللسان عن وصف محاسنها”. ? الإسباني “فيلا سبازا”:” اللغة العربية من أغنى لغات العالم بل هي أرقى من لغات أوروبا لأنها تتضمن كل أدوات التعبير في أصولها، في حين الفرنسية والإنجليزية والإيطالية وسواها قد تحدرت من لغات ميتة، وإني لأعجب لفئة كثيرة من أبناء الشرق العربي يتظاهر أفرادها بتفهم الثقافات الغربية ويخدعون أنفسهم ليقال عنهم أنهم متمدنون”. التأسيس المبكر ضرورة لاكتساب الطفل المهارة اللغوية تشير رافدة السهلي “مدرسة لغة عربية برياض الأطفال” إلى تراجع الاهتمام باللغة العربية أمام عوامل عديدة فرضتها العولمة، وحاجة سوق العمل، وغزو الثقافة الأجنبية، ولابد من صحوة حقيقية لتصحيح الأوضاع وإصلاح ما يمكن إصلاحه، ولنبدأ في المدارس بتعديل المناهج وتطويرها وتحديثها، وإعادة الهيبة للغة العربية من خلال استراتيجية وطنية شاملة، وفرض اللغة العربية في التعامل الرسمي والحكومي والمؤسسي، وإيجاد حالة من الوعي المجتمعي لعدم الانسياق خلف اللهجات الركيكة المشوهة التي تفرضها فئة معينة أفسدت لغتنا الأم في بيوتنا”. وتلفت السهلي إلى أن مشكلة اللغة العربية تبدأ إذا لم يتم التأسيس المبكر للتلميذ الذي يجب أن تراعى فيه بكل اهتمام مرحلة الصفين الأول والثاني الأساسيين، فهي مرحلة تأسيس المهارات القرائية والكتابية، ثم مرحلة الصفين الثالث والرابع، وهما مرحلة تثبيت مهارات القراءة والكتابة، ومن الصف الخامس تبدأ مرحلة الانطلاق في القراءة والكتابة ثم إن عملية إغفال تجريد الحروف وضبط الحركات سبب رئيسي في بداية المشكلة الحقيقية للقراءة كما أن إغفال التركيز الكافي على التدريبات اللغوية والنحوية في الصفوف الأولى، يمثل بداية العقدة من قواعد اللغة في النحو والصرف في المراحل اللاحقة. ومن ثم يجب اعتماد المناهج الحديثة في التربية من خلال توفير الكوادر المؤهلة والقادرة على ترغيب وتحبيب وتحفيز الأطفال للغة العربية، والاستعانة بالوسائل التعليمية والتكنولوجية الحديثة في التعليم، والاعتماد على صيغ تربوية فاعلة لتشجيع الأطفال على التحدث بلغتهم الأم، والاستعانة باللعب وبمسرح العرائس وتشجيع لعب وتمثيل الأدوار والحوار والتحفيز على الاكتشاف والنطق الصحيح بالفصحى”. وتضيف فاطمة القدومي “منسقة اللغة العربية بمدرسة النهضة الوطنية”:”من الأهمية بمكان إعادة النظر في المناهج المدرسية للغة العربية، بدءاً من رياض الأطفال والمرحلة التأسيسية، وتطوير وتحديث هذه المناهج بما يحقق حالة من حب اللغة العربية والإقبال عليها من قبل الصغار، وزيادة الحصص المقررة في المدارس الأجنبية، ورفع كفاءة معلمي اللغة العربية، وتطوير وتفعيل الأنشطة المدرسية اللاصفية، وإيجاد سبل وطرق أكثر إيجابية لتفعيل التواصل والمتابعة بين المدرسة والأسرة. ويتساءل جمعة سعيد الهاملي “موظف”: “لماذا تتمسك شعوب معينة بالحديث والتعامل بلغتها في بلدانها؟ أعتقد أن اللغة عنوان للهوية الوطنية، وهناك من فرطوا في هويتهم بالانجرار وراء الوجاهة والعولمة دون وعي أو إدراك، فاللغة العربية لغة القرآن الكريم، وهي رمز لهويتنا العربية، ولتحسين الصورة القائمة علينا أن نبدأ من الصفر، وقد يكون الأمر صعباً في البداية، لكن علينا أن نبدأ بالمدارس”. أما شويكار عبد الله قورة “منسقة اللغة العربية للصفوف الابتدائية”، فتقول: “إن مخرجات التعليم ترتبط بسوق العمل، وهذه الحالة انعكست على نظام التعليم ومناهجه وثقافته، فتراجعت اللغة العربية في المدارس الأجنبية بحكم ثانوية تعليم العربية فيها، وانتقلت الأزمة والعدوى إلى المدارس الحكومية، وتراجع دور مدرس اللغة العربية، والمناهج عاجزة، لأنها مناهج “تلقينية’’ سواء أكان التلقين في الكتب أو في أسلوب التدريس، ونجد الطالب يضطر إلى الاستعانة بالدروس الخصوصية حتى يتعلم العربية بشكل سليم، والأسرة تتعامل بلغة أو لهجة مكسرة ومشوهة، والإعلام يكرس نفس الثقافة، ومن ثم نكتشف أننا ندور في حلقة مفرغة، ونستسلم للأزمة، ونجد كثيراً من الناس ينجرفون وراء هذا الوضع الخاطئ ويعتبرون أن مقياس ثقافة الأسرة هو مدى تعلم أبنائها اللغات الأجنبية على حساب اللغة الأم، بل والتحدث بها وإهمال اللغة الأصلية، فلماذا لا نجعل من تركيا وألمانيا وفرنسا قدوة في التمسك بالتحدث بلغتهم الأصلية؟ لماذا نعتمد الإنجليزية لغة رئيسية في قطاع الاتصالات والبنوك والبريد والمستشفيات وغيرها من الدوائر الخدمية التي تتعامل مع كافة شرائح المجتمع وجميع فئاته العمرية، حتى من خلال أقسام خدمة العملاء الصوتية عبر الإجابات المبرمجة آلياً ويضطر كثير من الأمهات والآباء إلى الاستعانة بالسائق أو الخدم، للتحدث إلى هذه الجهات بالإنجليزية المكسرة أيضاً، وكثيراً ما تتسرب الأسرار، وتحدث الأزمات والجرائم لأن خصوصية هذه الأسر قد اخترقت من قبل البعض، والسبب حاجة التواصل باللغة الإنجليزية على حساب العربية، ومن ثم يتسلل الإحساس المجتمعي بأهمية اللغة الإنجليزية على حساب اللغة العربية، وانصراف الأبناء عن تعلمها وإتقانها كما يجب”. في استطلاع «الاتحاد» 48% من الطلاب يستعينون بالدروس الخصوصية في مادة اللغة العربية في بداية فبراير 2010، استطلعت “الاتحاد” آراء “مائة” من أولياء أمور طلاب المدارس، حول واقع حال اللغة العربية، وفيه أكد 96% منهم أنهم غير راضين عن واقع حال تعليم اللغة العربية، ووصفوه بعدة صفات سلبية ـ جاءت على لسانهم ـ : “سيىء- ورديء - ومتدن - وضعيف - مؤسف - في أزمة حقيقية- تحتضر- خطير جداً”. وأعرب أولياء أمور الطلاب عن استيائهم الشديد لتراجع مستوى أبنائهم الدراسي. بينما أجاب 4% المتبقية بأنه “دون المستوى”! وعزى 66% منهم إلى أن السبب يرجع إلى محتوى ومضمون المناهج الدراسية “كسبب أول”، بينما أشار20% منهم إلى أن السبب الأول “ضعف مستوى معلمي اللغة العربية”، بينما أرجع 14% منهم السبب الأول يكمن في أن اهتمام الأبناء باللغة العربية اهتماماً ثانوياً، ولمصلحة اللغة الإنجليزية لعوامل وأسباب متعددة. بينما أشار 37% منهم إلى عدم الاهتمام والمتابعة الأسرية الفاعلة، نظراً لعدم إمكانية الأب أو الأم من تقديم الدعم اللازم لأسباب متعددة.لكن لوحظ أن العامل الأسرى لم يرد كسبب أول رئيسي على الإطلاق من بين أفراد العينة. وأشار 48% من أولياء الأمور أنهم أبنائهم اضطروا إلى الاستعانة بالدروس الخصوصية في مراحل تعليمية مختلفة لتحسين مستواهم في مادة اللغة العربية. بينما أشار “جميع” أولياء الأمور “22 حالة” ضمن العينة المختارة” ممن يتلقى أبناؤهم تعليمهم في مدارس يعتمد التدريس فيها باللغة الإنجليزية أن هؤلاء الأبناء يستعينون بالدروس الخصوصية في مادة اللغة العربية!. وطالب أولياء أمور الطلاب ضرورة إعادة النظر في المناهج المدرسية للغة العربية، بدءاً من رياض الأطفال والمرحلة التأسيسية، وتطوير وتحديث هذه المناهج، وزيادة الحصص المقررة في المدارس الأجنبية، ورفع كفاءة معلمي اللغة العربية، وتطوير وتفعيل الأنشطة المدرسية اللاصفية، وإيجاد سبل وطرق أكثر إيجابية لتفعيل التواصل والمتابعة بين المدرسة والأسرة. تطابق الآراء بعد إطلاق حزمة مبادرات و” ميثاق اللغة العربية”، استطلعت “الاتحاد” ثانيةً آراء “مائة” آخرين من المواطنين والعرب المقيمين، للوقوف على آرائهم واتجاهاتهم واقتراحاتهم نحو ما تضمنته المبادرة من رؤى وخطوات إجرائية وأهداف باتجاه تعزيز وضع اللغة العربية والتركيز على مكانتها في المجتمع، وتعزيز استخدامها في الحياة العامة، ولاسيما التعاملات الحكومية، وفي كافة الخدمات الحكومية المقدمة للجمهور، وإعطاء الأولوية في البرامج الإعلامية على القنوات المحلية للغة العربية. إضافة إلى توفير المعلومات التي يحتاجها المستهلك باللغة العربية بجانب اللغات الأخرى. والدعوة لتشكيل المجلس الاستشاري لتطبيق مبادئ وتوصيات “ ميثاق اللغة العربية” برئاسة وزير الثقافة، بهدف تعزيز ورعاية جهود الحفاظ على اللغة العربية على مستوى دولة الإمارات وتنسيق الجهود الحكومية والأهلية في هذا المجال. وتشكيل لجنة خبراء عربية دولية تهدف إلى إعادة إحياء اللغة العربية كلغة للعلم والمعرفة وتحديث أساليب تعليمها وتقديم نموذج عصري لتعليمها بما يعود بالفائدة ليس على دولة الإمارات وحدها بل على كافة الدول العربية. أكد جميع المشاركين في الاستطلاع “100 %”، أنهم غير راضين تماماً عن واقع حال اللغة العربية، وأنها تعيش أزمة حقيقية، وتراجع دورها ومكانتها أمام تيارات الغزو الثقافي، وأمام الثورة المعلوماتية، وتطور وسائل الاتصال الرقمي والإلكتروني، لصالح اللغة الانجليزية. وأكدوا أيضاً خطورة تأثير الناطقين بغير العربية من الجنسيات الآسيوية المختلفة الذين يفرضون لغتهم و”لكناتهم” المكسرة المشوهة في التعاملات اليومية، وانسياق أفراد المجتمع لمجاراتهم في التعامل معهم بنفس “كوكتيل” اللغات المشوهة لتسهيل التعامل معهم، مما يكسب الأطفال الصغار والجيل الجديد كثيراً من المفردات الغريبة والبعيدة عن العربية، وإشاعة كلمات واصطلاحات مشوهة عديدة، فرضت نفسها على لغة التعامل اليومي في البيت والشارع والمدرسة وأماكن العمل وفي الدوائر والمؤسسات الحكومية، بشكل يسيء إلى اللغة العربية ومكانتها. مصادر الخطر وفي ترتيب لمصادر الضرر والخطر الذي يحدق باللغة العربية ومستقبلها، اعتبر 94% أن الضرر الأول يكمن في انتشار “كوكتيل” مفردات اللغات المهجنة المشوهة بدلاً المفردات العربية، وانسياق أفراد المجتمع للتعامل بها حتى يستطيعوا التفاهم مع العمالة الآسيوية من عمال وسائقين وخدم في المنازل. بينما جاء في الترتيب الثاني مسؤولية عدم التزام مؤسسات الدولة الرسمية والأهلية والخاصة بالتعامل الرسمي في المخاطبات والمكاتبات باللغة العربية مما يتسبب في التقليل من قيمة ومكانة اللغة العربية، وبنسبة “ 82 %”، فيما اعتبر 63 % من العينة الخطر الثاني في الأهمية ضعف مستوى مناهج اللغة العربية في المدارس، والاهتمام باللغات الأجنبية “الانجليزية” على حساب اللغة الأم، فضلاً عن التأثيرات السلبية لازدواجية التعليم ولاسيما في المراحل التأسيسية، فالطفل ينشأ مشتتاً بين لغة المجتمع الرسمية ولغة الدراسة. فيما عزى 72% إلى حرص أولياء الأمور على إلحاق أبنائهم بمدارس أجنبية تعتمد على اللغة الإنجليزية كلغة أولى لما تفرضه احتياجات سوق العمل، وأن الانجليزية أصبحت “جواز مرور” إلى نيل الوظائف والمراكز وتحقيق المكاسب على حساب العربية، فيما وضع 54% من العينة، في الترتيب رابعاً، مسؤولية وسائل الإعلام، والأجهزة الثقافية، وثقافة تهميش الثقافة العربية، وادعاء الوجاهة بالتشبه بالغرب، وأشار 22 % إلى الجهل وعدم الإلمام بأن اللغة عنوان للانتماء والهوية الوطنية. وأشار 48% من أولياء الأمور أن أبناءهم اضطروا إلى الاستعانة بالدروس الخصوصية في مراحل تعليمية مختلفة لتحسين مستواهم في مادة اللغة العربية. بينما أشار “جميع” أولياء الأمور “22 حالة” ضمن العينة المختارة” ممن يتلقى أبنائهم تعليمهم في مدارس يعتمد التدريس فيها باللغة الإنجليزية أن هؤلاء الأبناء يستعينون بالدروس الخصوصية في مادة اللغة العربية!. وأعتبر جميع أفراد العينة أن مبادرة “ميثاق اللغة العربية” خطوة في الاتجاه الصحيح لاستعادة اللغة العربية لدورها ومكانتها، وأن المبادرة ستحقق أهدافها إذا ما تم تفعيلها واعتبارها استراتيجية وطنية حيوية، وتمنوا ألا يفتر الحماس بها بعد فترة وجيزة، ولا يتذكرها الناس إلا في الاحتفال بذكرى انطلاقتها. الحفاظ على الهوية الدكتور حسن أحمد الحوسني، مدير عام مدرسة عبد الجليل الفهيم للتعليم الأساسي للبنين يرى أن اللغة العربية باتت غريبة في وطنها، بفعل عوامل عديدة بعضها خارجية، وبعضها داخلية خاصة بالأفراد في المجتمع، وهذه المؤثرات السلبية معروفة، وأصبحت اللغة العربية الأم في خطر، ولا سبيل للحفاظ على هويتنا الوطنية إلا بحماية اللغة من هذه المؤثرات وتوعية المجتمع بها. لا أحد ينكر أهمية تعلم اللغات الأجنبية ولاسيما الإنجليزية من أجل العلم أو التواصل والحوار مع الآخرين، لكن ليس على حساب اللغة الأم، ومن ثم علينا أن نعيد النظر حول واقع اللغة العربية بدءاً من مناهج الصف الأول بالمرحلة الأساسية وحتى المرحلة الجامعية وتطويرها، ونولي اهتمامنا بالجوانب التي تثري وتدعم هذا الاتجاه مع تقييم موضوعي لحالة اللغة العربية في كل مرحلة، وتشجيع كافة المبادرات الجديدة التي تهدف إلى تعزيز مكانة اللغة العربية في المدارس والمجتمع، ورعاية المبدعين والمتميزين في اللغة العربية من الطلبة والكتاب والمبدعين والمفكرين ورعايتهم. ويؤكد الدكتور الحوسني أهمية ترجمة مبادرة “ميثاق اللغة العربية”، وما تشمله من خطط ومقترحات، كإنشاء معهد لتعليم اللغة العربية لغير الناطقين بالعربية عن طريق جامعة زايد، والتعاون مع الجامعات المتخصصة حول العالم لإيفاد الطلاب والبعثات لتعلم اللغة العربية في الإمارات، ولتكون الإمارات مركزا رئيسيا لذلك على مستوى المنطقة، وإنشاء كلية للترجمة تهدف إلى تخريج المترجمين المتخصصين، حيث تسهم في تعزيز مكانة الإمارات كمركز حضاري لترجمة العلوم والمعرفة وحركة التعريب في المنطقة، كذلك إنشاء مجلس محمد بن راشد للسياسات، لتعزيز المحتوى العربي على الإنترنت والشبكة العنكبوتية بالتعاون مع الباحثين والمهتمين في هذا المجال. لقد ظهر التأثير السلبي لاستخدام اللغة الإنجليزية على الجيل الجديد من المواطنين، وأصبحت اللغة الإنجليزية هي اللغة الأولى في استخدامات الناس اليومية والحياتية المختلفة، ومن ثم لابد من تفعيل قرار رئاسة مجلس الوزراء باعتماد استخدام اللغة العربية في الدوائر الحكومية والهيئات الاتحادية كلغة رسمية، لإعادة الاعتبار إليها، وأن يصاحب ذلك مشروع متكامل لاستعادة اللغة العربية مكانتها على كافة المستويات التعليمية والإعلامية، ويلزم أن تصاحب ذلك حملات توعية للمواطنين لتبصيرهم بعراقة لغتهم الأصلية وتاريخها المجيد في الحضارة والعلوم والفلسفة والثقافة، وبيان فضلها على لغات العالم.
المصدر: أبوظبي
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©