12 مايو 2011 20:17
أكد علماء الدين أن الإبداع الحقيقي لا يتنافى مع الدين ولا يتعارض مع الأخلاق، وأن الإسلام يدعو إلى حرية التعبير والإبداع، من دون الخروج عن صحيح الدين أو التصادم مع كتاب الله وسنة رسوله. وأشاروا إلى أن الروايات التي تحتوي على قيم فاسدة وتدعو إلى الفحش والانحلال الأخلاقي تحت شعار الإبداع وحرية الرأي فساد أخلاقي يستحق العقاب الشرعي، وحرية الإبداع لا تعني التطاول على الثوابت الدينية. وقد شهدت الساحة الثقافية والدعوية في العديد من الدول العربية أكثر من أزمة أشعلتها بعض الكتب التي اعتبرت مسيئة إلى مبادئ الإسلام الحنيف، لما تضمنته من مخالفات شرعية وآراء خاطئة تنكر حقائق الإسلام وتطعن في ثوابته، كما تحتوي على أفكار تكرس ثقافة الانحلال.
يؤكد الدكتور عبدالمعطي بيومي عضو مجمع البحوث الإسلاميةـ أن الدين الإسلامي لا يتعارض مع الإبداع؛ لأن قيمة الجمال في الدين معتبرة، والإسلام أشاد بجمال الكون وبنواحي البهجة فيه، والقرآن الكريم تكلم عن حدائق ذات بهجة وكل مواضع الجمال معتبرة في القرآن والسنة. ولكن أن يزعم أحد أن الدين يمثل قيدا على الإبداع، فهذه تهمة باطلة وكلام زائف؛ لأن الإبداع الحقيقي لا يتنافى مع الدين الذي يدعو إلى الجمال، وخاصة الخلقي وأي شيىء يتعارض مع الأخلاق ومع الدين يتعارض مع الإبداع. وكل الروايات التي تحدثت بأسلوب فاحش أو وجهت قيما فاسدة أو دعت إلى انحلال أخلاقي تحت شعار الإبداع أو حرية الأدب ليس إبداعا، وإنما دعوة إلى الانحلال أو التعبير بالفحش، وذلك ليس جمالا.
حرية الأديب المبدع
وأوضح أن الالتزام بالقيم الدينية لا يحد من حرية الأديب المبدع ولا يهوي بالمستوى الأدبي إلى قاع القبح، الذي هو ضد الجمال، ويتحدث القرآن الكريم عن الكلمة الجميلة الطيبة، وأن أصلها ثابت وفرعها في السماء تُؤتي أكلها كل حين بإذن ربها، ويمثل القرآن الكلمة الخبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض، فالكلام الخبيث ليس له أصل، أما الكلمة الطيبة فهي ثابتة ذات جذور قوية وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين، بمعنى أنها تنبت خيرا وتنشر ظلالا طيبة، والأديب الذي يعمد إلى الكلمة الخبيثة ويزعم أنها كلمة جميلة، ففي عينيه حول وفي قلبه ظلمة وهؤلاء يجب مواجهتهم بالإقناع ما لم يكن كلامهم قذفا لأحد، وعلى القضاء أن يعاملهم معاملة شرعية بما تستحقه جريمة القذف من عقاب حتى لا تنتهك أعراض الناس وكرامتهم إذا استمروا في استخدام الفحش من القول، بالإضافة إلى أن العيب في الذات الإلهية قبح وفحش في الكلام، وهذا عقابه أن يساق هؤلاء إلى القضاء ليقوم اعوجاجهم.
توخي الحق والصواب
ويؤكد الدكتور أحمد عمر هاشم -رئيس جامعة الأزهر الأسبق- أن حرية التعبير تكون بإبداء الآراء الحرة التي تتسم بالحق وشجاعة الرأي من دون الخروج عن صحيح الدين أو التصادم مع كتاب الله وسنة رسوله أو التطاول على الثوابت والأنبياء والرسل والشرائع.
وقال إن الأديب المبدع يجب أن يتوخى الحق والصواب ويبدع ما شاء، شريطة ألا يتخطى الحق والعدل والشرائع والثوابت، فالأديب حر ما لم يضر وليس من الإبداع أن يتهجم أحد على كتاب الله أو سنة رسوله- صلى الله عليه وسلم– والأنبياء والرسل، فالعقائد خط أحمر لا يصح التطاول عليها؛ لأنها وحي يوحى من الله.
وأضاف: إذا أراد الأديب أن يبدع في كتاباته، فله ما يشاء ما دامت كتاباته لا تتطاول على الثوابت أو تضر غيره؛ لأنه ليس من الإبداع التهجم على الشرائع أو الإسفاف والانحلال والإباحية بحجة الإبداع. والإسلام لا يحرم الكلمة الحرة ولا الرأي الحر لأن حرية الكلمة مكفولة ما دام صاحبها لا يتطاول على القيم.
وقال: نهيب بأمتنا الإسلامية في هذه الفترة التي تموج بها دنيا الناس بانتفاضات تحاول إعلان الحرية وإبداء الشجاعة الأدبية وانتشار العدل في الحكم، ألا يكون هذا التطاول على الثوابت تحت مسمى الإبداع سببا لانفراط عقد الأخلاق بين الناس بحجة الحرية أو الإسفاف في تعامل الناس بعضهم مع بعض أو انهيار الأخلاق أو عدم توقير أهل العلم والكبار في المجتمع كما قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم –: «ما تزال أمتي بخير ما وقر صغيرهم كبيرهم ورحم كبيرهم صغيرهم».
اللا أدب
وأشار الشيخ عادل عبدالمنعم أبوالعباس- عضو لجنة الفتوى بالأزهر- إلى أن هناك ما يسمى الأدب وما يسمى اللا أدب، وكلمة اللا أدب كانت عنوانا لكتاب ألفه الدكتور محمود ذهني في الستينيات من القرن الماضي، فرق من خلاله بين الأدب الراقي، والذي يتواكب مع أحداث الحياة واللا أدب الذي يثير كثيرا من القلاقل المصطدمة بالثوابت وبالقيم والمبادئ التي تعارف عليها الناس منذ القدم.
وأضاف: قضية اللا أدب أثارها المستشرقون عندما بدأوا تحقيق تراثنا فاحتفلوا بكتاب الأغاني لأبى الفرج الأصفهاني وهو كتاب مملوء بالصدام مع ثوابتنا، لكنهم يعدونه من كتب الأدب. ثم جاء تلامذة المستشرقين فوسعوا هذه الدائرة مثل جورجي زيدان صاحب دار الهلال الذي تكلم عن تراثنا الأدبي بصورة فجة، حيث صور هارون الرشيد وغيره من عمالقة الإسلام بأنهم أصحاب ليال حمراء وخمر ومجون وفسق، حتى أنه عندما تكلم عن تاريخ التمدن الإسلامي تحدث عنه بصورة غير أدبية، بل لا ترقى إلى الأدب بشهادة الذين نقدوه كالعلامة شبل النعماني الهندي.
وقال: جاء بعد ذلك من سار على النهج فطور قضية اللا أدب وجعلها تصطدم بعنف مع الثوابت بصورة مكشوفة مفضوحة، حتى أنهم تعدوا على ثوابتنا الكبرى من الأنبياء والكتب المقدسة وتراثنا الحضاري، ومن هؤلاء صاحب رواية «وليمة لأعشاب البحر» وصاحب كتاب «آية جيم» وصاحب «آيات شيطانية» وغيرهم ممن امتلأت بهم الساحة اللا أدبية، حتى أن العقلاء قالوا: من أراد شهرة واسعة فليتحد الثوابت وليتكلم عن الذات الإلهية والمقدسات بصورة مكشوفة مفضوحة.
إهدار المقدسات
وحول الأدب الراقي، قال الشيخ عادل: هو الأدب الذي لا يصطدم مع معتقدات البشر، أيا كانت هذه المعتقدات؛ لأنها تمثل بالنسبة للإنسان قصة الحياة بأسرها، ومعنى ذلك أننا نتفق اتفاقا كليا مع التسمية التي ارتضاها الدكتور محمود ذهني «اللا أدب» مع العلم أن الإسلام أيد الأدب الراقي شعره ونثره حتى ولو كان يتضمن غزلا أو غير ذلك من مصطلحات ارتضاها الأدباء والدليل على ذلك أن شعراءنا القدامى كانوا يبدأون مديحهم للرسول – صلى الله عليه وسلم – بالغزل. وعبدالله بن عباس كان يقول: الشعر ديوان العرب، وأن المفسر للقرآن لا بد أن يكون عالما بالشعر بجميع أنواعه، حتى ولو لم يكن شاعرا بل فسروا القرآن بشعر الغزل كتفسيرهم لكلمة الوحي بأنه الإعلام عن طريق الرسل. وهذا دليل قاطع على أن الذين يتكلمون في الأدب من دون علم أو يحاولون إثبات ذواتهم عن طريق إهدار المقدسات والتعدي عليها هم في الحقيقة تجار يبيعون الحياة الدنيا بالآخرة ويصدون عن سبيل الله ويحاولون أن يعيشوا على سب المقدسات بدءا من الذات الإلهية ومرورا بالرسل وانتهاءا بكل ما هو مقدس عند الناس.
عبث وفوضى
يؤكد الدكتور أحمد عبدالرحيم السايح ـ الأستاذ بجامعة الأزهر ـ أن التطاول على الثوابت الدينية تحت مسمى الإبداع عبث وفوضى وخروج عن الصراط السوي المستقيم لأن أمل الأمة الإسلامية أن تظل الثوابت الإسلامية محترمة كما هي. وحذر من أعداء الإسلام الذين يتربصون بالمسلمين وطالب المسلمين بالتنبه لما يحاك لهم.
وقال إن الخروج عن النهج السوي عبث واستهتار ويضر بالمسلمين جميعا؛ لأن علماء الأصول انطلاقا من الأحاديث النبوية الشريفة قالوا: «لا ضرر ولا ضرار» بمعنى عدم نشر الفوضى بين المسلمين، وأن الاغتراب الزماني والمكاني مؤامرة ضد المسلمين. والمسلمون يملكون فلسفة حياتية تنبع من الإسلام وينبغي عليهم أن يصححوا المفاهيم ويكونوا حراسا على التراث الإسلامي حتى لا تطحن الفوضى المسلمين بعبثيتها واستهتارها.
المصدر: القاهرة