محمد عريقات (الاتحاد)
يعد الشاعر الأميركي من أصل أفريقي يوسف كومنياكا (1947) خير مثال على تطابق الشاعر مع شعره، بمعنى أن القارئ لقصائد كومنياكا لا يبذل كثير جهد حتى ترتسم حياة الشاعر بكل تفاصيلها أمامه، وكأن أعماله الشعرية مجرد ضوء ساطع يوجهه الشاعر على عتمة مراحل حياته التي عاشها، وكأنه بطل في رواية أو أسطورة منذ طفولته وحتى سنوات الكهولة التي يعيشها الآن.
بهجرة جده إلى الولايات الأميركية، قدر للشاعر أن يولد في ولاية «لويزيانا» لأب يعمل نجاراً ليعمل في سنواته الأولى في مهنة والده إلى أن يلتحق بالجيش الأميركي في «فيتنام»، ويعمل مراسلاً لجريدة «الصليب الجنوبي» التابعة للجيش، وقد أعد مواضيع لافتة رصدت ثقافة الفيتناميين وتاريخ بلادهم، دفعت بالمسؤولين أن يعين محرراً مسؤولاً عن الجريدة.
كان طموح الشاب الذي بالكاد بلغ العشرين والذي بدأ يكتب قصائده الأولى وينشرها يحثه لاستكمال دراسته، فالتحق عام 1970 بجامعة «كولورادو» ليتخرج فيها بدرجة الماجستير، ثم يتابع دراسته في جامعة كاليفورنيا بدرجة الدكتوراه في الكتابة الإبداعية، وخلال سنوات الدراسة تلك كان قد عرف كشاعر لدى النقاد والقراء، حيث تم انتخابه رئيساً لأكاديمية الشعراء الأميركيين.
وللتجربة التي خاضها الشاعر في فيتنام بالغ الأثر على حياته كإنسان وكشاعر، فلا تكاد قصيدة من قصائده تخلو من إشارة إلى تلك التجربة من خلال الصور الفنية التي يشكلها بمهارة في قالب إنساني شديد الحساسية، ولكونه شاعراً تجريبياً ذا اطلاع كبير على الثقافات الإنسانية، فقد ازدحمت قصائده بإشارات من التاريخ والميثولوجيا، وتاريخ الموسيقى والفن حتى لا تكاد قصيدة له تخلو من اسم موسيقي مشهور أو فنان معروف.
لا أعتقد أن الشاعر قد نال ما يستحق من الترجمة والنقل إلى العربية، فالباحث عن اسم الشاعر على موقع البحث جوجل لن يجد ما يرضي فضوله، قصائد متفرقة بترجمة مستعجلة، باستثناء المختارات التي ترجمها بشار الخطيب ودققها محمود الزواوي، وصدرت عن دار أزمنة للنشر والتوزيع بالعاصمة الأردنية عمان، وضمت ما يزيد على خمسين قصيدة اختارها المترجم من معظم مجموعات الشاعر تحت عنوان: «نشيد للعود».
يمتاز شعر يوسف كومنياكا بتنوع عناصره وتعدد عوالمها، ويلجأ الشاعر إلى شحن كلمات وصور قصائده بموسيقى وإيقاعات مستمدة من البلوز والجاز، والموسيقى الشعبية في أفريقيا والتي ترسم في ذهن القارئ المكان والزمان الذي يريد الشاعر إيصال قارئه إلى الحالة أو اللحظة التي استلهم منها قصائده ليكون شريكاً له منذ لحظة ما قبل الكتابة، حيث تكون القصيدة نواة بين يديه أو جمرة في قلبه.
يجد القارئ لقصائد كومنياكا نفسه، بحسب مترجم المختارات، متجولاً عبر مزيج من العناصر المعقدة التي يحيكها الشاعر ليخرج بنص محكم والمتناغم. ثمة جمل شعرية متعددة الأشكال والملامح ترقى بقصائده إلى مستوى مختلف عن نظرائه من الشعراء الأميركيين المعاصرين، خصوصاً تلك القصائد التي تتناول تجارب الشاعر في حرب فيتنام، وكان لها التأثير الكبير في جيل الشعراء والمثقفين.
من قصائده
«شكراً على الشجرة التي بيني وبين القناص
لا أعرف ما الذي جعل العشب ينحني لثانية
قبل أن يرفع جندي بندقيته الصامتة
صوت يتبعني دائماً
يخبرني أي قدم عليّ أن أضع على الأرض أولاً
شكراً على تشتت الشظية تجاه فوضى الغسق
شكراً للوردة البيضاء الغامضة
التي أشارت إلى المعدن اللامع
عاكسة انكساره
كضباب فوق العشب».