أسماء الحسيني (القاهرة- الخرطوم)
تدفق عشرات الآلاف من السودانيين في مظاهرات حاشدة، أمس، في العاصمة السودانية الخرطوم ومدن وولايات سودانية أخرى، استجابة لدعوة من تجمع المهنيين، وسط مخاوف متزايدة من وقوع ما يعيق تقدماً تم إحرازه مساء أمس على صعيد التفاوض.
وفي تطور آخر، اعتقلت السلطات الأمنية السودانية أمين حسن عمر، القيادي في حزب المؤتمر الوطني المعزول الحاكم سابقاً. وقالت صحف سودانية إن التنظيم العالمي للإخوان طلب من أعضائه المقيمين في السودان من الجنسيات المختلفة مغادرته فوراً.
وندد المتظاهرون بالعنف في مواجهة المظاهرات السلمية في مدينة الأبيض بغرب السودان الذي أدى إلى وقوع 6 ضحايا، معظمهم من الطلاب، وطالب المتظاهرون بالقصاص العادل.
وعززت الأجهزة الأمنية انتشارها بالمدن الرئيسة، لا سيما الأسواق والشوارع الرئيسة، وانتشرت السيارات المسلحة بكثافة وسط الخرطوم، كما أغلقت الطرق المؤدية للقصر الجمهوري. وقال شهود عيان لـ«الاتحاد» إنهم لاحظوا انتشاراً أمنياً وعسكرياً غير مسبوق.
وأعلنت لجنة أطباء السودان المركزية سقوط 4 قتلى في مدينة أم درمان، بعد إطلاق رصاص حي على المتظاهرين. وأشارت اللجنة إلى وجود العديد من المصابين.
وقال ناشطون سودانيون في تصريحات لـ«الاتحاد» إن المظاهرات رسالة قوية بشأن تحقيق العدالة ومعاقبة المتورطين في كل الجرائم وتحقيق مطالب الثورة، وقال الناشط السوداني عز الدين دفع الله إن المواكب أثبتت أمس أن الثورة أعمق من الدولة العميقة.
وقال المحلل السياسي السوداني الدكتور خالد التيجاني النور لـ«الاتحاد» إن المظاهرات العارمة عكست إصرار الشعب السوداني على تحقيق العدالة ووقف إراقة الدماء، وعلى بناء سودان جديد.
وأضاف أن الثورة السودانية ما زالت تحتفظ بزخم كبير بعد 7 أشهر من انطلاقها، لكن الشارع السوداني لم يجد التعبير الحقيقي الذي يوظف هذا الحراك لصالح ثورته. وأعرب عن اعتقاده بأنه ليس هناك ما يشير لقرب الاتفاق رغم التصريحات الإيجابية، وأن الوضع السياسي لا يعكس هذه الإرادة الشعبية العارمة إلى أرض الواقع. وقبيل استئناف التفاوض بين المجلس العسكري وقوى الحرية والتغيير، أدانت الأخيرة المجلس العسكري في أحداث الأبيض، وأكدت أن التهم التي تطال المجلس جنائية وتقصيرية، وذلك وسط أنباء عن توقيع وشيك للوثيقة الدستورية.
وقال مدني عباس مدني، القيادي بقوى الحرية والتغيير، إن الطلاب عبروا عن مطالبهم سلمياً، وتم قتلهم، وهذه كارثة، ونطالب بمحاسبة المتورطين فيها.
وأكد مدني أن التفاوض هو خيار قوى التغيير، ودعا مدني الحزب الشيوعي لمراجعة موقفه الأخير من التفاوض، لأن قوة قوى التغيير في وحدتها في المرحلة الحرجة والحساسة الحالية، وأكد أن العدالة ستكون على رأس أولويات الفترة الانتقالية. وأضاف مدني: أنه لابد من تشكيل مؤسسة قومية للقوات المسلحة، وإبعاد القوات العسكرية من أماكن وجود المدنيين.
ومن جانبه، شدد ساطع الحاج القيادي بقوى الحرية والتغيير على اتفاقهم مع المجلس العسكري حول نقاط جوهرية ومؤثرة في مسار التفاوض، وقال الحاج: اتفقنا على حكم القانون ومهام الفترة الانتقالية وتشكيل لجنة تحقيق عادلة لجميع الجرائم التي ارتكبت في حق الشعب السوداني منذ 30 يونيو 1989 وحتى مجزرة الأبيض الأخيرة، كما اتفقنا على تشكيل مجالس الوزراء والسيادة والتشريعي وصلاحياتها وشروط عضويتها.
وأضاف أنه تم النص على تشكيل المجلس التشريعي بنسبة 67% لقوى الحرية والتغيير، و33% لغير الموقعين على إعلانه، ولكنهم مؤيدون للثورة، وأكدنا عدم وجود أي حصانات جنائية مطلقة، بل مجرد حصانات إجرائية لا تمنع من تحريك أي إجراء قانوني ضد أي شخص ورفع الحصانة عنه. ولفت إلى وجود خلافات قليلة سيتم التفاوض عليها، من بينها تبعية الأجهزة غير النظامية.
وطالب تحالف نداء السودان المجلس العسكري بإعلان عدم اعترافه بتقرير لجنة التحقيق في أحداث فض الاعتصام أمام مقر القيادة العامة للجيش بالخرطوم في 3 يونيو الماضي، وتأكيد التزامه وفق الإعلان السياسي باللجنة الوطنية المستقلة لتحقيق العدالة.
كما طالب التحالف في بيان أمس المجلس العسكري بالعمل معاً من أجل إجازة الوثيقة الدستورية على وجه السرعة، وإعطاء الأولوية لتكوين مجلس السيادة ومجلس وزراء مدني وقضاء مستقل، واستصحاب ما أعلن عنه في أديس أبابا من قضايا السلام، والالتزام بتمثيل الجبهة الثورية، وبوحدة قوى الحرية والتغيير.
وقال صلاح جلال القيادي بحزب الأمة لـ«الاتحاد»، تعليقاً على انسحاب الحزب الشيوعي من التفاوض، إنه بذلك ينتقل إلى قيادة المعارضة في الفترة الانتقالية، لتستمر قوى الحرية والتغيير متماسكة لتكون سنداً للحكومة المدنية الانتقالية، وتكمل التفاوض مع المجلس العسكري، للوصول إلى الحكم المدني المنشود، وتطبيق برنامج الثورة وتحقيق العدالة للضحايا من خلال لجنة تحقيق شفافة وذات وزن ومصداقية.
وأضاف أن الحكومة المدنية التي سيتم تشكيلها من قوى الوسط الوطني ستجد ترحيباً وتعاوناً إقليمياً ودولياً كبيرين، لمواجهة الأزمة الاقتصادية وتحقيق السلام، وستنجح في قيادة المرحلة الانتقالية.
ومن جانبها، أصدرت لجنة العمل الميداني لقوى الحرية والتغيير بياناً حول محاولات جهاز أمن النظام البائد وكتائب ظله لجر البلاد لدائرة العنف وقطع الطريق على ثورة الشعب السوداني، وقالت إنها تسعى لذلك عبر اختراق مجموعات من الشباب الثوار، وزرع بعض منتسبي النظام السابق وفلوله وسطهم.