السبت 3 مايو 2025 أبوظبي الإمارات 41 °C
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

أصحاب الشعر الفضي يحفزون النمو في الغرب

أصحاب الشعر الفضي يحفزون النمو في الغرب
1 أغسطس 2019 03:57

يعيش الغرب عموماً في ظل اختلال للتوازن بين الفئات العمرية في المجتمع، فيقل عدد الشبان كثيراً عن أعداد الكبار لقلة المواليد الجدد، وارتفاع متوسطات الأعمار. وخلال الأعوام الأخيرة، أصبحت هذه الظاهرة نعمة وليست نقمة في البلدان المتقدمة، وعلى غير المتوقع. فكيف حدث هذا؟
يعاني العالم حالياً تباطؤ معدلات النمو الاقتصادي لدواعٍ عدة يطول شرحها. ومن اللافت أن اقتصادات الدول المتقدمة حظيت مؤخراً بدفعة من مصدر غير متوقع وهم أصحاب الشعر الفضي ممن تتخطى أعمارهم 55 عاماً، بعد أن باتوا يشكلون شريحة معتبرة من التركيبة السكانية في هذه البلدان. وبدلاً من أن يستعد أبناء هذه الفئة العمرية لترك وظائفهم والاستمتاع بمزايا التقاعد، نجدهم يفضلون الاستمرار في أعمالهم كالمعتاد.
وكانت نسبة مشاركة العاملين من الفئة العمرية 55-64 عاماً في قوة العمل قد بدأت في الارتفاع النسبي بدول الاقتصادات المتقدمة مع نهاية القرن العشرين، وبداية الألفية الجديدة. ووصفت الظاهرة بانقلاب في اتجاهات التشغيل القائمة لعقود قبل هذا التوقيت. وبحلول عام 2010، أصبحت هذه الظاهرة في اتجاه تصاعدي ملحوظ، ولترتفع النسبة العام الماضي إلى 15.3% من قوة العمل في أنحاء العالم المتقدم، وهي الأعلى من نوعها منذ قرابة 50 عاماً. ومنذ عام 2001، بلغ عدد العاملين من فئة 55 عاماً فما فوقها نحو 18.8 مليون عامل في إيطاليا، واليابان، والولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وألمانيا، وفرنسا. وذكرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أن هذا العدد بات يشكل دفعة نسبتها 5.5% في المعروض بسوق العمل.
ويرجع هذا التغير إلى أسباب عدة، لعل من أبرزها، التغير في نظم التقاعد السائدة، وتحسن الأحوال الصحية، وزيادة التعليم. وأدى ذلك إلى عدة نتائج إيجابية أهمها إمكانية دعم التوسع في الأعمال بتوفير مزيد من الأيدي العاملة في وقت وصلت فيه معدلات البطالة إلى مستويات متدنية. وتعادل هذه الظاهرة آثار ضعف النمو في الدول التي تعاني شيخوخة سكانها. وأخيراً، تدعم المالية العامة للدول المعنية. ولخصت بتيا توبالوفا الخبير الاقتصادي بصندوق النقد الدولي مزايا تشغيل أصحاب الشعر الفضي بقولها «نحتاج مزيداً من الأيدي العاملة، أي مشاركة نسبة أكبر من السكان في قوة العمل حتى نتمكن من تحقيق نفس المستوى من الناتج الاقتصادي. وتحتاج معظم الدول المتقدمة إلى هذه الشريحة لأن تعداد سكانها من المتوقع أن يتراجع خلال العقد المقبل». وكانت نسبة مشاركة العاملين من كبار السن في قوة العمل الفعلية بدأت في التراجع بحلول السبعينيات من القرن العشرين مع تشجيعهم على التقاعد المبكر آنذاك بمنحهم مزايا بينها تخفيض سن التقاعد ذاته، وضمان حصولهم على مزايا تقاعدية سخية. وبحلول التسعينيات، بدلت عدة دول هذه السياسة، وبدأت في رفع سن التعاقد المبكر تدريجياً ليصبح 61 عاماً بدلاً من 52 عاماً فقط في عام 1996. وأدى هذا إلى زيادة مشاركة الذكور في قوة العمل من الفئة العمرية 55 - 59 عاماً لتصل النسبة إلى 78% في عام 2014، مقابل 54% في عام 2001.
ولجأت ألمانيا إلى حيلة أخرى بالبدء في تخفيض مزايا المعاش المبكر اعتبار من عام 1998. وبحلول نهاية القرن العشرين، قلصت برلين المدة القصوى للتمتع بالمزايا الاجتماعية للمتعطلين من كبار السن. ومن ثم، ارتفعت مشاركة الفئة العمرية 55 - 64 إلى 73.6% في عام 2018 مقابل 43.1% فقط في عام 2003.
من جهة أخرى، ارتفعت متوسطات الأعمار عموماً في المجتمعات المتقدمة وكان لها دور إيجابي من طريق آخر. فقد فضل بعض العاملين الاستمرار في العمل بسبب قلة مدخراتهم المتراكمة والتي يحصلون عليها عند التقاعد. وتفاقمت الظاهرة بعد الأزمة المالية العالمية، ما أدى إلى تآكل قيمة الأوراق المالية، والقيم السوقية للعقارات السكنية.
ويمكن القول إنه بينما يؤدي ارتفاع الأعمار إلى إبطاء النمو في معظم دول العالم، فإن التوسع الاقتصادي كان من الممكن أن يصاب في مقتل ما لم يشترك أصحاب الشعر الفضي بقوة في الحركة الاقتصادية. وإذا أخذنا ألمانيا كحالة فسريعاً ما ندرك الفارق. فإذا ما بقيت مشاركة الفئة العمرية 55-79 عاما في قوة العمل عام 2018 بنفس مستواها في عام 1991 لتقلصت قوة العمل الكلية في ألمانيا بنسبة 2.4% أي ما يعادل مليون شخص. وما حدث على أرض الواقع في تلك الفترة كان عكس هذا، فقد زادت قوة العمل بمقدار 3.8 مليون عامل أي بنسبة 9.6%.
وعلى صعيد المالية العامة للدولة، قدم هؤلاء العاملون المثابرون فائدة كبيرة لبلادهم، نظراً لاستمرارهم في سداد الضرائب والاشتراكات التأمينية دون أن يحصل معظمهم على مزايا تقاعدية، ما أدى إلى انخفاض حالات الإعسار بصورة ملحوظة في نظم التأمين والمعاشات الكبرى. ففي ألمانيا على سبيل المثال، ارتفعت جملة احتياطيات نظام التأمين والمعاشات إلى 43 مليار دولار في عام 2018 مقابل ملياري يورو فقط في عام 2005. ورغم هذه المزايا، لا يمكن لارتفاع مساهمة الكبار في قوة العمل وحدها أن تحد ضعف النمو في الاقتصادات المتقدمة إلى الأبد. فخلال العقود المقبلة، ستزيد شيخوخة هذه المجتمعات بسرعة ومنها ألمانيا واليابان على وجه الخصوص. من جهة أخرى، تهدد الحركات الشعبوية في أوروبا بالعمل على وقف سياسات تشغيل الكبار لأطول فترة ممكنة. وإذا أخذنا في الحسبان وصول اليمين إلى السلطة في إيطاليا العام الماضي، وقبل شهرين فقط في الدنمارك فقد يتغير اتجاه الريح في أوروبا، نظراً لتبني هذه الأحزاب لأفكار مختلفة جذرياً.

بقلم: سارة شاني

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2025©
نحن نستخدم "ملفات تعريف الارتباط" لنمنحك افضل تجربة مستخدم ممكنة. "انقر هنا" لمعرفة المزيد حول كيفية استخدامها
قبول رفض