السبت 23 نوفمبر 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

ثمرة السرد المحلي طابت وحانت قراءتها

ثمرة السرد المحلي طابت وحانت قراءتها
1 أغسطس 2019 03:53

عصام أبو القاسم (الشارقة)

يمكن للمتتبع أن يرصد حراكاً نشطاً ومستمراً في حقل البحث الأدبي في الإمارات خلال العقد الأخير، في المنتديات الأدبية التي تعقد، هنا وهناك، كما في الدوريات والكتب التي تصدرها الدوائر والهيئات الحكومية بصفة خاصة، ثمة العديد من الأبحاث والدراسات المنجزة بأقلام إماراتية، التي تناولت الأجناس السردية المتنوعة (القصة، الرواية، السيرة..) تحليلاً ووصفاً ونقداً وتأريخاً، وعلى نحو ينبئ بأن هناك حركة بحث أدبي محلي توشك أن تتبلور وتحجز مكانها في المشهد الثقافي، وكأن ثمرة السرد الإماراتي نضجت، وحانت قراءتها بأقلام إماراتية، إلى جانب تلك الجهود البحثية المهمة التي بذلتها العديد من الأسماء الأكاديمية العربية، على مدار العقود الفائتة.

درس أكاديمي
ويبدو ظاهراً في هذا النشاط البحثي ارتباطه بالجامعة، فالأبحاث في معظمها صدرت في إطار تكليفات للحصول على شهادات علمية (ماجستير دكتوراه)، مثل «واقع الأسرة في الرواية الإماراتية المعاصرة: دراسة موضوعية فنية» للباحثة هند المشموم، و«الموروث الثقافي في القصة القصيرة الإماراتية» للباحثة شيخة الخاطري، و«توظيف السرد في الشعر الإماراتي المعاصر» للباحثة سعاد راشد أحمد، إلخ.
وفي حديث إلى «الاتحاد» قال غانم السامرائي، أستاذ اللغة الإنجليزية وآدابها والأدب المقارن والترجمة بجامعة الشارقة، إن «الانطباع العام هو تزايد عدد البحوث الأدبية ولكن لو نظرنا بشكل أعمق سنجد أنها أقلّ، مقارنة بكثافة المنتج الإبداعي في الدولة، خصوصاً في مجال الرواية».
من جانبه، أكد صالح هويدي، أستاذ النقد الأدبي، على تزايد أعداد المشتغلين بالبحث الأدبي، وقال: «هذا أمر ظاهر وهو مبشر ويستحق أن يُسلط عليه الضوء، وأن يحتفى بهؤلاء الباحثين ليس مدحاً مجانياً، ولكن عبر قراءة منجزهم واستعراضه وإبراز مزاياه، وهذا لا يمكن أن يحصل ما لم تكن هناك قنوات وأجهزة إعلامية تشير إليه وتعرضه».
وبالنسبة لمريم الهاشمي، أستاذة اللغة العربية والدراسات الإماراتية، فإن الحراك البحثي الراهن هو ثمرة للتطور الذي عرفته الساحة الثقافية منذ الستينيات، وتضيف: «وحين نلقي البحث على النتاج الأدبي في الساحة الثقافية في دولة الإمارات، فإننا نجد أن المنابر الثقافية تركز أولاً على دراسة وبحث الواقع الثقافي في الدولة، وهو حاجة ملحة ورؤية ثاقبة لابد من إعطائها الحق الكامل من البحث وذلك لندرة البحوث المختصة في أدب المنطقة، لذا هو لزام على الباحث المواطن أن يعطي مجتمعه الذي ينتمي إليه ما يحتاج من زوايا البحث والدراسة».
ولا يظهر فيما لو كان نشر هذه الأبحاث جاء بتوصية من الجامعات التي نوقشت بها إما بمبادرات شخصية للباحثين، بيد أن ما هو مؤكد أن إصدارها لم يأت نتيجة خطة أو استراتيجية مؤسسية، فبخلاف ما يحصل في مجالي القصة والرواية، مثلاً، لا تتوافر مسابقات أو جوائز أو منح خاصة بالبحث الأدبي الإماراتي خارج الإطار الأكاديمي، ولكن هويدي يشير إلى التأثير المهم للمسابقات التي تقام في إطار معارض الكتب في تحفيز وإظهار الأقلام البحثية في المجال الأدبي وهي قدمت العديد من الأسماء خلال السنوات العشر الماضية، وهو يؤكد أن «هناك بعض المجلات المحكمة التي تصدر، بيد أن هناك حاجة ملحة لمراجعة وضع هذه المجلات في جميع الدول العربية، فهي قليلة مقارنة بحجم المواد التي تصلها، وهي تصدر لمرة أو مرتين خلال السنة، ومحصورة في نطاق الجامعة».
ويشير السامرائي إلى مجلة العلوم الإنسانية والاجتماعية في جامعة الشارقة، باعتبارها من المنابر المهمة في هذا الجانب، مبيناً أن حيوية البحث الأدبي في الإمارات في الوقت الحالي مصدرها اتساع نطاق برامج الدراسات العليا، إضافة إلى «تشجيع الدولة للقراءة ودعمها لنشر واقتناء الكتاب وتنظيم المعارض والفعاليات الثقافية.. كل ذلك يغري الباحثين بالتوجه إلى مقاربة موضوعات الإبداع الأدبي».

دراسة الأدب المحلي
ومما يسترعي الانتباه أيضاً اقتصار هذا الحراك البحثي في مقارباته على الظواهر الأدبية المحلية، وفي أحوال نادرة انفتح على المنجز الإبداعي في بعض الدول الخليجية، كالكويت والمملكة العربية السعودية، فيما غابت المقاربات والقراءات حول الأدب العربي والأوروبي أو الأميركي، ويفسر السامرائي هذه الظاهرة قائلاً: «هناك نسبة أقل من الباحثين تتوجه إلى دراسة الأدب العالمي، فمن بين الطلاب الذين أشرف عليهم حالياً من يدرس الروائي الإيرلندي جيمس جويس، وهناك طالبة تستقصي في تجربة الروائي الأميركي جون شتاينبيك، لكن غلبة الاتجاه للأدب المحلي ترتبط بسهولة الحصول على المراجع والمصادر». أما هويدي فيجيب: «طبعاً المهم والصائب هو أن يعتني الباحث بأدب مجتمعه، ولكن هذا لا يمكن أن يعفي من الاهتمام بالأدب العالمي، وثمة دور هنا لأساتذة كليات الآداب». ويبدو طاغياً في توجهات معظم الأبحاث التركيز على الجوانب الفنية والجمالية، في الإبداع السردي، وكذلك الانشغال بالمسارات والمحطات التاريخية، فيما تقل القراءات ذات الطابع الاجتماعي أو الثقافي أو الفكري، وتستحوذ القصة القصيرة على الاهتمام الأكبر بين الباحثين، وتليها الرواية ثم أدب الطفل، فالنص المسرحي، والحكاية الشعبية، وفي تعليقه على ذلك يقول السامرائي: «الاهتمام بالجوانب الجمالية ربما ينطوي على محاولة للرد على اتهام بعضهم للإبداع المحلي بالضعف التقني، أما استحواذ بعض الأجناس الأدبية على اهتمام الباحثين دون سواها فمرجعه حضورها الغالب في المشهد العام».
وحول المستقبل، يشدد هويدي على أهمية الاحتفاء بهذه الجهود البحثية والاستفادة مما تقدمه من معلومات، حتى تحقق الأثر المطلوب، بينما يشير السامرائي إلى أن هذا النشاط الكمي سيفرز في المحصلة الأخيرة نتاجاً نوعياً يخدم التراث الثقافي الإماراتي.
أما الهاشمي فتخشى أن بعض الباحثين لا يتابع المشوار ويثري الساحة بالنتاج البحثي المتخصص بعد الحصول على الدرجة العلمية!.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©