الجمعة 22 نوفمبر 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

«غرق الحضارات».. عن التروس التي تجذب العالم إلى الهاوية

«غرق الحضارات».. عن التروس التي تجذب العالم إلى الهاوية
29 يوليو 2019 03:18

أحمد عثمان (باريس)

الأسوأ غير مؤكد دوماً، ولكن قراءة كتاب أمين معلوف الأخير «غرق الحضارات»، الصادر قبل أسابيع قليلة عن مطبوعات غراسيه، تبين لنا أن عالمنا المعاصر في خطر، وأن من الضروري فهم ما يجري والتفاعل مع أحداثه.
شهد أمين معلوف النكسة في عام 1967، وفظائع الحرب الأهلية في لبنان، وكذا نهاية العصر الذهبي للتعايش المتناغم بين الثقافات والأديان. وفي كتابه الجديد، يغوص الروائي والباحث الشهير في تاريخه ويحلل النتائج المأساوية للصدام الذي تنبأ به صمويل هنتينغتون.
«أين رحل عالم أحلامنا؟ ما هو هذا العالم الذي يأتي؟»، يستجوب أمين معلوف البغض وعدم القدرة على العيش مع الآخرين، المختلفين دينياً أو عرقياً أو غيره، على أرضية مصير الإنسانية: «ما هي التحولات الواجب اتخاذها؟ هل نستطيع تجنبها؟ واليوم، هل من الممكن تحويل الموجة؟ (ص 15 من الكتاب).
هذا الشاهد على الأحداث العاصفة منذ نهاية القرن العشرين يسعى إلى تبيين أسباب الدراما التي تعتم بدايات القرن الحادي والعشرين، ويرى أنها كما التروس التي تجذبنا إلى الهاوية ومن اللازم تعطيلها وتوقيفها. هذا التفكير القوي حول الفوضى العالمية يذكرنا أن الخيارات السياسية لها نتائجها دوماً؛ فعدم التسامح وعدم الكفاءة، يحقق الإفلات من العقاب، ويخلق الرخاوة والفوضى: «دوماً حينما يخون وطن قيمه، يخون مصالحه» (ص. 50).
في فصله الأول، يرتعب معلوف من رؤية صور التخريب المتعددة والمنتشرة في كافة المجتمعات الإنسانية، بدءاً من الشرق. يتساءل عن تحدي الوحدة ويميز بين «العوامل التي تجمع والعوامل التي تفرق». بين هذه العوامل الأخيرة، القوميات المستندة على الأديان التي تغذي الريبة، المنافسة على المكاسب. إذ إن هذه العوامل تسمم بسرية كل المبادلات وتدمر في آخر الأمر كل الاعتبارات.
في الفصل الثاني، القلق يتزايد على العالم العربي: «إذا كانت الجروح تلوثت، فالعالم بأسره يتألم» (ص.115). وأيضا: «أسوأ ما لدى المهزوم، ليست الهزيمة فقط، وإنما تصور تناذر المهزوم الخالد. ينتهي الأمر به ببغض الإنسانية كلها وتدمير ذاته» (ص. 125).
الفصل الثالث مكرس عن تأثير عام 1979 (الثورة في إيران ووصول المحافظين في إنجلترا إلى الحكم برئاسة مارغريت تاتشر): «تياران محافظان مختلفان، يرتكن أحدهما على الدين بينما الآخر على الاقتصاد. هذان التياران المحافظان يحملان نزعتين بيوريتانية ومسيحانية. من الآن فصاعداً سوف يقومان بتعيين الضوابط الاجتماعية وتغذية (الصعود المتصلب لصور قلقنا الأمني)» (ص 298).
في الفصل الرابع والأخير، يتبدى قلق أمين معلوف من الانحراف الأورويلي: «التقدم يتحول إلى اغتراب، والاستبداد المقنع يتقدم تحت صور جذابة عن التقدم ويستغل عقول (المخدَّرين)».
«غرق الحضارات» صرخة حكيم: صرخة خوف أمام شبح الغرق العالمي على جميع المستويات: الأخلاقية، السياسية، الاقتصادية والإنسانية، وصرخة تنبيه للخروج من وسط التروس لأن «الأسوأ غير مؤكد دوماً»، كما كتب.‏ هو ذا تفكير لا يمكن تجنبه، واضح وحكيم، لكل من لا يستسلم لمن يفرضون عليه عالماً غير ما يأمله.
في هذا الكتاب يضع معلوف ما عاشه عن قرب خلال نصف قرن: يراقب العالم ويجوبه؛ ولهذا يتبدى كمراقب ملتزم ومفكر، مازجاً بين الحكايات والتأملات، سارداً أحياناً أحداثاً عظمى وجد نفسه وسطها كشاهد، ثم أخذ يتعامل معها كمؤرخ لكي يشرح لنا ببساطة انعطافات الإنسانية المتتابعة التي أدت بنا جميعاً إلى عتبة الغرق.

Amin Maalouf, Le naufrage des civilisations, Ed.Grasset, 332 pages

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©