18 يوليو 2010 21:02
حملت ظاهرة متابعة فعاليات كأس العالم التي انتهت مؤخراً الكثير من الإشادات التي لابد لنا من التوقف عندها، المتحمسون الحقيقيون وأولئك المسايرون والمجاملون للتحركات الاجتماعية التي تتوافق الغالبية عليها مثل ما حدث في مسابقات مونديال جنوب أفريقيا التي أصبحت اليوم مجرد ذكرى، ولكن هل ما شهدناه كان حقيقة أم أنه انسياق بفعل ضغط الجماعة؟
تشير ريما التي لم تكن تهتم بكرة القدم ولا بالتخييم في الصحراء، إلى أنها، ومسايرة لزوجها وللأزواج من أصحابهم وأقربائهم، تذهب مع زوجها وتتابع ما لم يكن في سلم اهتماماتها. وقد أدى ذلك إلى شعورها بالحماس من دون أن تدري وبمتابعة لعبة كرة القدم أكثر من المشجعين «الأصيلين» من غير المستجدّين. وتقول «في كل الحالات أجد نفسي في هذا المكان، ولا مجال لاعتبار التوجه إلى المقهى فرصة لحوار حين يسرق الحوار ما هو أهم بالنسبة للحاضرين... وشيئاً فشيئاً وكي لا أقع في الملل رحت أتابع اللعب وأسرتني الكرة ورحت أشجع بفعل تأثير المحيطين بي عليّ... لا بل تفوقت على صديقتي التي تتابع كرة القدم منذ صغرها وباهتمام كبير. رحت في البداية أسأل عن معنى التسلل «الأوف سايد» وسواها من التعابير، وهكذا صرت أجادل الحاضرين معنا حول دقة الحَكَم أو انحيازه وما إلى هنالك من أمور. لقد حوّلت من مسايرة اجتماعية إلى منساقة في اللعبة إلى درجة أنني في النهائيات تفوقت في حماسي على كل الذين أرافقهم منذ بداية المباريات».
يسرقنا أحياناً الحراك الاجتماعي الغالب في مجتمعاتنا من دون أن ندري، ولكن هل سألنا مرة «من نحن؟ وماذا نريد؟ بغض النظر عن انسياقات الآخرين... فالانسياق وراء الأشياء الجميلة رائع وفرصة تتاح لنا بالصدفة، ولكن ماذا إذا كان انسياقنا بفعل ضغط الجماعة نحو الأشياء التافهة أو المؤذية؟
تقول ريما إنها ترافق زوجها في كثير من هواياته كي لا تبقى وحيدة في المنزل أيام الفرص، وتضيف «ألتقي بصديقاتي في أيام الأسبوع، أما العطلات فهي فرصة للمشاركة بأي شيء مع العائلة، أي مع أسرتنا الصغيرة... ولذلك أرافقه في هواياته، وأتساءل أحياناً لماذا لا يرافق الرجل في العادة المرأة في هواياتها؟ وربما يرافق الرجال زوجاتهن مسايرة، ولكنهم سيجعلونهن يشكرنهم ألف مرة ومرة، في حين أن مرافقتها لزوجها في شيء لا يعنيها لا يقابله شكر وكأنه «تحصيل حاصل».
مباريات كرة القدم لم تكن إلا ظاهرة اجتماعية تنكشف فيها الأمور على السطح، إذ كان هناك المحمّسون الحقيقيون، وثمة المنساقون والمسايرون الذين قد يتحول جزء منهم إلى الفئة الأولى.
ما جرى في الإمارات من تجمعات في المقاهي وانفعالات وخصامات بين الأصدقاء أو الأصحاب حول الفرق التي اختارها كل واحد لتشجيعها دون سواها، هو صورة لما جرى في كل العالم العربي، وربما في العالم أجمع. ولكن السؤال المطروح، هل الجميع يحبون كرة القدم، هل كل هذه الجماهير من المتابعين الفعليين لكرة القدم؟ في الواقع «لا»... فيكفي مشجّع واحد في منزل أسرة كي تضطر الأسرة بكامل أفرادها إلى تغيير مواقيتها، في الاستفاقة ومواعيد النوم ومواعيد تناول الطعام، لكأن ثمة ظروفاً مختلفة بوسع فرد واحد من الأسرة أن يقلب حياة بقية الأفراد في كل المنزل... وتتحول الأحاديث والمشاريع الأسرية كلّها. وما بالك عن الأصدقاء المعتادين على مرافقة بعضهم البعض إلى المقاهي والمطاعم وللمشاركة في ممارسة هوايات كثيرة تخرج الإنسان من إطار العمل اليومي لاستراحة مع الأصحاب.
فهل كل الناس الذين تناثروا على طاولات المطاعم والمقاهي هم من المشجعين لكرة القدم؟ يقول سامي «بالطبع لا... فزوجتي كانت تشجع خلال نهائيات كأس العالم في العادة، ولكنها لم تهتمّ يوماً بكرة القدم ما بين دورة لكأس العالم وأخرى، ولكنها إذا كنّا نتابع في المنزل قد تترك المتابعة لبعض الوقت لإعداد الشاي أو القهوة، مع العلم أنها تهتم كثيراً برؤية أداء اللاعبين وتقيّم لعبهم وتعرف معنى التسلّل وأشياء كثيرة، ولكن صديقتها لا تشاركنا حضور اللعب إلا مسايرة لزوجها المتحمس كثيراً لكرة القدم والذي قد يخرق جدار الصوت إذا ما أدخل الفريق الذي يشجّعه الكرة في الشبكة. أما زوجته، فتظلم كثيراً بيننا لأنها حين لا تجد من يحادثها بيننا تجلس إلى الطاولة في المقاهي وهاتفها هو زميلها في الجلسة، وتبدأ بإرسال الرسائل إلى الأهل والأصحاب وتتلقاها، وأحياناً تمتعض حين لا يجيبها ابنها على رسالتها، وهو يتابع اللعب مع أصحابه في مكان آخر».
حين نصرخ فرحين أو معبّرين عن أسفنا، تكتفي بأن تسألنا «من تشجعون؟»، وما تقوم به صادق جداً لأنها لا تهتمّ فعلاً بكرة القدم ولا يعنيها الأمر، ولكن ثمة من يدعون الاهتمام للمسايرة الاجتماعية فقط».
تقول ريما، إن الأصحاب يجذبون بعضهم البعض، ومثالاً على ذلك أن زوجها رغب باقتناء دراجة نارية ولم يكن من زملائه في العمل إلا أن ساروا في سبيله واقتنوا مثله دراجات نارية، وباتوا ينظمون لقاءات لقيادتها في شوارع أبوظبي، وتضيف «غير أنهم ملوا منها بعد فترة وراح كل منهم يبحث عن الشاري المثالي لدراجاتهم، وابتعد الاهتمام عن الدراجة النارية إلى الجيت سكي... وترى ريما، هي وزوجها يعملان في مجال الفنون، أن النساء يبدّلن من اهتماماتهنّ ويشعرن أحياناً بالملل فيغيّرن من هوايات لديهن ويستبدلنها بأخرى ولكن ليس كما الرجال.
وبالنسبة إليها، فإن المرأة في المنزل هي في الغالب من يراعي هوايات أفراد الأسرة من زوج وأولاد ومن النادر أن تجد من يسايرها ويتشجع معها لهواية تحبّها.
المصدر: أبوظبي